بالعودة إلى الزمن على أرض القراصنة فإننا سنجد ما وجده ماركيز دون عناء، هو عبارة عن وهم خطير، يسير بالإنسان على "الجنَّة ما وراء البحر" نحو هاوية محتومة دون مبررات، وهذا ما يجعل الفعل الإنساني مكبلا بطريقة محكمة، فيكون المتمرد على هذه التعاليم، مجرما يستحق ما يلحقه مِن أذى.
عندما يفرغ القرصان أحلامه في قالب اليقين الذي ورثه بالتلقين منذ نعومته في هذه الحياة، فهو يستسلم لموته اللحظي بشكل كامل، وهذا بالذات ما جعل الكثير من النبلاء يقدمون على الهرب من أنياب هذه المنظومة التي تطحن العقول كما تطحن الآلات المختلفة الشعير والقمح، الأمر يكاد يدفع الجميع أو بالأحرى هو يدفعهم إلى مجالات ضيقة لا تسعهم، لتنفجر بينهم ما يدلُّ على أمراضٍ اجتماعية وثقافية رهيبة.
ليس صدفة أن يسقط القرصانُ في التقليد، هو يقلِّد كلَّ ما يراه وكلَّ ما يأخذه أمامه شعور الضعف، فيرغب بشدَّة في تقمُّصِ ثوب القوي عبر الارتماء بين أحضان بعض الصور النمطية التي لا سبيل لها سوى الانصياع وفق صيغة مشوَّهة لا إمكانية لمعالجته، فيصبح القرصان كائنا عابرا للنماذج بشكل دائم دون أن يتمكَّنَ مِن السقوط في محاولة صناعة نموذجه الخاص، كذلك الحيوان التي يحاول الأكل مِن جميع الفرائس التي اصطادها غيره، متباهيا كذبا لأنَّه هو الملك عليهم وهو الأقوى بينهم.
فقدان القدرة على نحت الطريق الخاص في الحياة هو بالضرورة فقدان لشعور الاختيار وتخلي عن حرية المسؤولية التي تجعل الإنسان يتذوق حلاوة العيش الجميلة، وبهذا الفقدان يكون القرصان قد فقد آخر الوصْلات بإنسانيته، بينما نجد بالمقابل الأستاذ ماركيز محاولا ومستميتا في المحاولة لقلب هذه المسألة، لعلَّه يتمكَّنُ من الاحتفاظ بإنسانيته حية بداخله.
واضحٌ لكافة الباحثين في القضايا الإنسانية بأنَّ الضمير يلعب دورا أساسيا في كافة حركات النبلاء، فلا صوت يعلو على ذلك الصوت الذي يرشدهم نحو نجاتهم، فيتبعونه حتى ولو قادهم عبر مسالك متشعبة ومليئة بالأشواك خلال أيَّامِهم.
لحسن الحظ وبسبب رجاحة العقل، لم يسقط ماركيز في فخِّ "المقارنة" التي يتغذى منها القرصان خلال مساره في الحياة، هو يعلم بأنّ الثّمن الروحي نتيجة السقوط في هكذا مقارنات يكون غالبا غاليا، لهذا فقد تجنَّب الوقوع في هذه النوعية من المشاكل، بل راح إلى أبعد مِن هذا، عندما شرع في إعطاء النصائح لمَن هُم حوله بعدم اقتراف هذه الجريمة الروحية التي لا سبيل للنجاة منها، سوى تجنُّبها بكلِّ الوسائل والمنافذ.
هناك مَن يحاول وضع الأستاذ ماركيز في خانة هذه "المقارنة" المشؤومة التي لطالما تجنَّبها هذا الأخير، سواء عن حسن نية أو عن غرور، وغالبا ما تتم هذه المهمة/العملية نتيجة عدم استعمال ديناميكية التفكير بشكل جاد، وهذا محتمل الوقوع بشكل عام في المجتمعات أو التجمعات التي لطالما حملت على أكتافها العنصرية والعبودية.
أن تساير القراصنة متقيا شرورهم ليس معناه التنازل عن نفسك وجوهر وجودك، أن تعيش وفقا لقدراتك ورؤياك ليست جريمة أبدا ما دمت لا تؤذي الآخرين، هذا ما هو ماركيز مؤمنا به، وهي القاعدة الأهم في حياته كلِّها، لهذا هو صامد لحد الآن في وجه تلك الهجمات التي دائما ما تتكرر من طرف القراصنة – الأسوأ في تاريخ البشر – وهذا ما يمده بالقوة اللازمة لمواصلة السير نحو أهدافه.
ما بال قومٍ لا يحتفلون سوى بالمجازر في حقهم هُم وحدهم! هذا ما تبناه ماركيز وهو يسلب سيجارته آخر محتوياتها قبل أن يرمي بعقبها على الأرض، لابد مِن الاستمرار في مقاومة القراصنة والعمل الجاد مِن أجل النَّجاة.