الإنسان هو الذي يجعل العالَم كما يشاء، وكما يشتهي، يرفعه إلى أقصى المسافات، وينزل به إلى أعماق الأعماق، يلوِّنه باللون الذي يرغب برؤيته، يجعله يحمل الاسم الذي يريد، ويسعى إلى اعتماد ما يريحه، كمبادئ تشكِّلُ أيَّامَه، وبهذا يصبح هذا العالَم هو ذاته الإنسان الذي صنعه بكلِّ تفاصيله.
إنَّ العلامة التي تصنع كافة الموازين بالنسبة للفرد الإنساني هي تلك المنبثقة مِن فؤاده، أحلامه وواقعه، وعلى هذه الأسس، يتصاعد الأمل بداخله حتى يصل إلى كافة زوايا الروح، ليجعل مِن الفرد الإنساني صناعة لا سبيل إليها، سوى إن كان مؤمنا بما لديه إيمانا راسخا، ليستنجِدَ به حينما يحتاج إليه؛ ما على الفرد الإنساني سوى العمل على داخله ليصل إلى الأرجاء التي هي بحوزته، وما عليه سوى السعي نحو تلك النقطة التي تجعل الشمس تُطِلُّ عليه، وهي طريقة تدفع الجميع نحو التصادم مع الجميع بالشكل الذي يراه الجميع مناسبا، هي قدرة خلاَّقة، تحث الإنسان على الفوز بما هو ممكنٌ وما هو قابل للامتلاك فعلا وقولا.
للأحلام البشرية حدودا، وللمسافات الإنسانية مراجع ومواضع، وما بين الأولى والأخيرة مصاعب الواقع ومفاجآته، وهنا مكمن الفصل بين الفرد وفردانيته التي تجعله يُرفَعُ إلى أقاصي الأمنيات، حتى تصبح الأفعال التي يقدم عليها، سواء كانت مقبولة أو غير ذلك مِن طرف المحيطين به (الآخر)، غير مقبولة بالنسبة إليه، ما عدى بتلك النسبة التي ترصدها ذاته المنهكة.
ما أنــا بصدد الوقوف عليه هي إمكانية صناعة "الإمكانية"، وهي ميزة معطَّلة عند معظم بني الإنسان، هي تلك العلاقة بين صهر الأسباب في قوالب النتائج، لتجعل مِن عمليات الارتقاء إلى المستويات المطلوبة، مطلبا لدى الكثير من الحالمين، لكنَّ الطعم الأخير، لا يجد طريقه سوى نحو القلَّة منهم.
الفرق ليس في الفروقات البشرية التي يُطلَق عليها معنى "الفردية"، وإنَّما مصب الاعتلال هو في مدى إيمان الفرد بقدراته الذاتية، ومدى عمله وبذل المطلوب منه، لأجل تحقيق المطلوب له مِن العالَم ذاته، وهذا ما يمكن أن يضع المراتب والدرجات، أمام جميع البنين والبنات؛ إذن الرسالة كما أرى هي واضحة للعيان والبُنيان، إن ما تعلَّق القاسِم المشترك بين كافة الانسحابات الأخرى بمجاري المشاعر البشرية، تلك التي ترفع الإنسان إلى مستوى الإنسانية التي تقبع بداخله، لتجعل منه كيانا تفاعليا وانفعاليا يشكِّل ما يمكن تسميته بـ: الشخصية الروحية، لدى الفرد عينه.
أقرب البشائر إلى الفرد الذي يسبح ضمن المسافات العالمية، هي تلك التي ينتجها الداخل الذي يكوِّنُ علاقاته الروحية التي تعتبَر أثمن ما لديه، وهذا ما جسَّده مؤسس شركة السيارات الأميركية الكهربائية الفاخرة، وعبَّر عنه مؤسس شركة "التفاحة" الالكترونية رحمه الله، وهذا ما وصفه بدقة متناهية "ذئب الأسواق المالية الأميركية" في مذكراته، عندما شرح بداياته في مجال المال والأعمال.
قد يبدو ما أتحدَّثُ عنه بثوب الطموح، لكنني أستطيع التأكيد على أنَّه أعتى من الطموح بكثير، هو يلامس عتبات القَدَر، بل قد يجاوره في معظم وأغلب الحالات، لأنَّه لا يصنع مستقبل الإنسان بقدر ما يقوم برسم الإنسان ككيان في حدِّ ذاته، ليعيد صياغة الحاضر، ويوقف ساعة الأزمان، متجاوزا قوانين الفيزياء والديموغرافيا، فيسترجع الماضي ويؤسس لما يمكِّنه مِن نثر الجَمال على صفحات حياة الإنسانية، مهما كانت الظروف والمواقف.
عزيزي القارئ... إن ما فهمت مِن كلامي هذا بأنّني أحاول الالتفاف على الطوباوية، فاعلم أنَّك لم تفهم بعد ما شرحته وأعنيه في هذا المقام، وإن أردتَ الوصول إلى عمق ما أريد تقريبه إلى ذهنك، فما عليك سوى الاغتسال جيِّدًا بمياه التجريد، حتَّى يتسنى لكَ الوصول إلى ما أقصده.
مزوار محمد سعيد
مؤلِّف: قاتلي يتدرَّب في شيكاغو