• أهلا صديقي ماركيز، مرحبا بك إلى طاولتي، تفضل مِن فضلك.
  • أهلا وسهلا، يزيد فضلك يا أخي، كيف حالك؟
  • والله بخير والحمد لله، كيف حالك أنت؟
  • كما ترى، أنا في أفضل حال، ههههه
  • ينادي ماركيز النادل: هيييي، هل يمكنني الحصول على كوب من النبيذ الأحمر (CUVÉE DE TLEMCEN)؟ لا تخلطه مع أيِّ شيء آخر لو سمحت!
  • أهااا لا تزال تحب النبيذ العتيق يا أخي ماركيز، لم يؤثر عليْك الزَّمن كثيرا كما أرى!
  • طبعا هو يؤثر، لقد صار جسمي متثاقلا أكثر، ظهرت بعض الشعيرات البيضاء على لحيتي، شواربي وشعر رأسي، فماذا تسمي هذا إن لم يكن تأثيرا للزمن عليّ؟
  • أقصد روحك، لا تزال شابا بروحك يا أستاذي ماركيز

يستغرق ماركيز في ضحك عنيف قبل أن يلتفت إليَّ متسائلا:

  • كيف حال روحك إذن؟
  • لا تزال ثاقب الملاحظة، هذا هو سبب إصراري على مقابلتك يا ماركيزي العزيز، أشعر أنَّني لستُ بخير، رغم أنَّي لم أجد داعٍ لهذا الشُّعور، فأنا شاب، قوي البنية، يهتم بعمله وبدنه، يقرأ الكثير، يكتب أكثر ومع ذلك ينتابني شعور غريب، هو قريب إلى الانزعاج من قربه إلى مشاعر أخرى، فما رأيك؟

أخذ ماركيز رشفة مِن ذلك النبيذ الغريب، ذا اللون الأحمر الغامق، ذلك اللون الذي يشبه السواد، سرح بنظره في وجهي قليل في صمت، أخذ نَفَسًا بدا لي عميقا، قبل أن يجيبني قائلا:

  • هل تعرف "شيرين سيد محمد عبد الوهاب"؟  
  • إن كنتَ تقصدُ تلك المغنية المصرية فأنا أعرفها. 
  • نعم! هي بالذات، ورغم أنني لا أميل لا للثقافة المصرية رغم العبقرية التي تلفها، ولا للموسيقى المصرية رغم عراقتها، إلاَّ أنَّ كلمات أغنيتها "مشاعر" تصلح للإجابة عن سؤالكَ الفلسفي هذا. 
  • لطالما اعتبرتُ الإنسان عبارة عن فِكرة (Idee)، وعبر تسلسل منطقي أرسطي بسيط، يمكننا أن نضيف لكلمة فِكرة عبر تفسير أوَّلي لها، كلمة محورية جديدة هي كلمة "شعور" (Gefühl)، وبذلك يصبح الإنسان ذا جانب عقلي عبر الفِكرة، وجانب تخيلي عبر الشعور. 

بينما إن سألتني عن ماهية الشعور، فإنّني لا أستطيع إجابتك بالتحديد، هو غير قابل للضبط أو الحصر، وإن ما اعملتَ منطقك العقلي الخالص فيه، فأنت تكون بهذا أبعد عن الشعور في حين أنَّك تحاول الاقتراب مِن فهمه.

الشعور يا أخي، هو اختطاف لروحك بلا مقدمات ولا معايير ولا حتى شروط أو ظروف تجعله يستيقظ كلما توفرت له، هو يباغتك ثم ينقضي، مَثَله كمَثَل جذوة نار توقد في صحرائك المظلمة ثم تنطفئ.

خرجتُ مِن مكان عملي ذات يوم وأنا عازمٌ على الاتصال بحبيبتي السابقة، كي أعلمها بأنَّ موعد نهاية علاقتنا تلك قد حان، تخيَّل! بينما أنا أحمل هاتفي محاولا الاتصال بها، إذ بها تسبقني، اتصلت بي وهي في حالة نفسية شديدة التأثر، وقبل أن أهيئ الأمر لأصل إلى إلقاء ذلك الخبر على مسامعها، إذْ بها تسبقني قائلة: أخشى أن تتركني يا ماركيز يوما ما.

بلغت دهشتي ذروتها، كيف عرفت أنني سأتركها؟ حاولتُ أن أعرف ما الذي جعلها تقول لي هذا الكلام اليوم بالذات قبل الغد؟ كانت إجابتها أنها حلمت في الليلة السابقة، بأنني تركتها لأتزوج احدى صديقاتها، وأنها استيقظت صباحا وهي تحت تأثير صدمة عنيفة، تركت نفسها تهدأ قليلا، قبل أن تتصل بي طالبة مني المواساة!

أليس غريبا يا أخي/صديقي أن تكون الصدفة هي التي تلعب بمشاعرنا إلى هذا الحد؟ الأمر ليس بيد الإنسان، هي الأقدار تسخر منا كما تريد، وتلعب بمصائرنا كما تشاء، والفائز عليها، هو ذلك الإنسان الذي روَّض ما يدورُ ما بداخله مِن مشاعر خِدمَة لعقله.