يُشاهِدُ ماركيز أمواج العشب الأخضر في يومٍ ربيعي معتدل المناخ، أعجبه منظر الطبيعة وهي تتزيَّنُ باللون الجميل الذي ينسبه الكثير مِن المؤمنين على أرض "الجنَّة ما وراء البحر" للجنَّة، أعجبه أيضا نور الشَّمس وهو ينبعث بين الغيوم مشكِّلاً منظرا ساحرا يأسر القلوب والأفئدة، إنَّه الفصل الذي تبتسم فيه أرض القراصنة وسط الدموع والأحزان.
ما أغرب القراصنة!
يعيشون على هامش التاريخ، الأفكار والحضارة، وفي الوقت ذاته تجدهم يجتهدون كلَّ الاجتهاد في الجهر بالخصومة وشيطنة (Dämonisierung) كل مَن لا يعجبهم، فالرأي يبقى محترما مِن قبلهم ما دام رأيًا لا يناقض ما يقولون مِن تفاهات، ولا يُعرِّي ما يحملونه مِن سذاجة وسخافات، وهذه الميزة هي أساسية في التركيبة السيكولوجية لمعظم القراصنة الذين يسكنون "الجنَّة ما وراء البحر".
التنافس جزء من لعبة الحياة، الخصومة أيضا جزء آخر من الأيَّام والعداء كما المكر والخديعة أجزاء مهمة مِن هذه الدنيا، لكنَّ الأستاذ ماركيز، وَخلال دراسته لهذه المعطيات، فقد اكتشف أنَّ التعامل معها يختلف باختلاف الثقافات، إذْ تحتِّم الثقافة الشمالية على الانجليز مواجهة هذه الأزمات الإنسانية بتعقُّلٍ جليديّ، الاسبان مِثل الطليان، يلعبون على وتيرة الصراخ وتفتيت كافة محتويات النفوس في العلن، الأجناس السامية/الشرقية يواجهون هذه المعضلات بواسطة هدوء ماكر، يتم به تفكيك كافة المعطيات، قبل إعادة بنائها بالطريقة التي تلائم مصالحهم، لكن وبالمقابل نجد القرصان على أرض القراصنة، إن ما وقع تحت طائلة هذه المصائب، تجده يوقف حياته، يستعمل كافة قواه العقلية والنفسية لأجل تحطيم منافسه، خصمه أو عدوه، فيشن عليه كلَّ الهجمات، بكافة السبل، الطرق والكيفيات، وبدون أيِّ توفير لأيِّ جهد لديْه.
يفكِّر الأستاذ ماركيز في فِكرة "الشيطنة" وهو قريب مِن اليقين بأنَّه ولو كان قرصانا يعيش على أرض القراصنة؛ إلاَّ أنَّه لا يستطيعُ أن يكون ضمن هذه الحلقة، في إطار جماعة يغفلون عن عَيْشِ أيَّامهم، مِن أجل تحطيم أيَّامِ الآخرين، فشل ذريعٌ يعيشه كلُّ قرصان، عندما تجده يسخِّرُ كلَّ ما يملك، مِن أجل شنِّ حملة إعلامية/دعائية، معظم تفاصيلها تقتات من الأكاذيب والبهتان هدفها تشويه صورة هذا أو ذاك، فقط لأنَّه لم يعجبه، أو أنَّه تفوَّق عليه في هذه القضية أو تلك.
هو بؤسٌ (Elend) من نوع خاص، يسبح في عمقه، هذا الذي يشربُ الأوهام كما يشربُ ماركيز النبيذ المعتَّق، هي حالة أشدُّ ضراوة على النفس عندما يتعلَّقُ الأمر بمراحل تكوين الفرد البشري ضمن بيئة تستقي وجودها وكافة تبريراته من توحشها الدائم، لهذا يجد الأستاذ ماركيز نفسه مضطرا لتغييب عقله بأفكاره التي لا تناسب هذه المواقع الرديئة، تلك التي يتنافس على شغلها القراصنة بكل ما لديْهم مِن قوى.
يتمنى ماركيز لو كان القراصنة مثل الطبيعة، هي تعيد ترتيب مكوناتها بنفسها، تعيد لكل جزء منها حياته بالشكل المناسب وعبر الطريقة المثلى، لا تزعج إلاَّ ذاتها، ولا تداوي سوى صفاتها، لتحافظ على دورة وجودها دون أن تضطر للوقوف على تفاصيل الحياة المعقدة، تلك التي تجعل مِن العيْشِ الكريم حُلُمًا بعيد المنال.
الأرض التي ينبتُ على سطحها الحقد بدل الورود، أرضٌ ناكرة للجميل، لا تستحق التضحية مِن أجلها، لهذا لقد فهم الأستاذ ماركيز الدَّرس جيِّدًا، فهم ما كان عليه فهمه منذ الصبا، لكنَّه تردد في الإعلان عما فهمه كثيرا، رضوخا لما جاء في الآية الخامسة مِن سورة يوسف – عليه السلام – وهذا ما جعله يحترم المواقيت والظروف، لأنَّه يدركُ بأنَّ الطبيعة لا تتسامح مع مَن يخترق قوانينها، حتى يتمكَّن مِن بلوغ طموحاته المشروعة وغير المشروعة معًـا.