تحت خيمة في وسط ساحة المدرسة، كان الأستاذ ماركيز متواجِدا يحضر حفلا دينيا، أين تلتقي الروحانيات بما تدور حوله وفي فَلَكه، أين تمازجت البراءة بما يورَد على أرض القراصنة بمظهر صنَّاع البقاء، إنَّها طقوسٌ يتعلَّمُها القرصان الصغير وهو لا يزال على المهد صبيا، طقوسٌ جعلت ماركيز إنسانًا متمرِّدًا على كلِّ شيء تقريبا، له علاقة بالأرض التي يعبدها القراصنة بشكل مريع.
شئنا أم لم نشأ؛ فإنَّ الديانات على اختلافها، هي التي تسيِّر البشر منذ قرون طويلة مِن الزمن، سواء كنتَ متدينا أم لا، معترفا بالدين أم لا، روحانيا أم مادي، فإنَّ فكرة الألوهية، فكرة التسليم لقوى مقدسة، قادرة على تغيير مجرى الفرد الإنساني بشكل كامل، هي الأفكار التي يسير على هداها الرهبان وبني الإنسان سواء قبولا أو رفضا.
لستُ هنا بصدد مناقشة حضور الدين مِن عدمه، لأنَّه حاضرٌ رغما عن أنوف الرافضين له، بل إنني أحاول أن أقف على نقطة واحدة مبدئية، ألا وهي: كيف نتعامل مع الدين، المتديِّن والجانب الروحي للإنسان؟
يجب أن يتم التنويه على سبيل ضمان الحد الأدنى من الصدق والشفافية، بأنَّ صاحب هذه الأسطر متديِّنٌ حتى ولو أبى، لهذا فإنَّه يعمل على تبيان أنَّ العلاقة مع الديانات على اختلافاتها، يجب أن تكون مبنية على الاحترام، مهما كانت الظروف والشروط، لأنَّ كلَّ الديانات مهما كانت هي ديانات صافية نقية، منبعها الصافي يؤكد ذلك، وهناك نصوص كثيرة – سماوية وغير ذلك – تؤكد هذا التوجه.
بالمقابِل، فإنَّ الكثير من أتباع هذه الديانة أو تلك، قد أقدموا على مجازر موثقة بين دفات التاريخ، سواء قتلا، تشريدا وحتى قهرا، إذ نجد المسلمين قد خاضوا حروبا من أجل نشر الإسلام، المسيحيون قد انتقموا من غيرهم ومن بعضهم البعض بشكل مفزع واليهود لا يزالون يقاتلون العالَم الذي يختلف معهم في نظرتهم إلى الحياة بعنصرية لم تنجب البشرية مثلها حتى الآن، حتى الرهبان البوذيين شاهد العالَم كلَّه ما ارتكبوه في حق المسلمين على الأراضي الآسيوية منذ سنوات، إذن الأمر يغشى الجميع، والكل متورط فيه.
يقترح الأستاذ ماركيز الاحترام كركيزة أساسية لأجل لمِّ شمل أتباع الديانات على اختلافاتهم، البوذي يحترم المسلم، الهندوسي يحترم المسيحي، الملحد يحترم الجميع.... الخ، وهذا لا يكون سوى بتصفية المشاعر، وتنقية القلوب والأرواح، لقد اكتفت البشرية من المذابح باسم الله تعالى زورا وبهتانا، لقد اكتفينا من النفاق، الشقاق ومساوئ الأخلاق، علي الجميع أن يدخلوا في ذلك الحوار الذي يجعل الجميع ينظرون إلى الحياة عبر منظار الحياة، والحياة فقط.
قبل أن يكون محمد مسلما هو إنسان، قبل أن يكون توماس مسيحيا فهو إنسان، قبل أن يكون سركان ياها هندوسيا هو إنسان وأهلا بالجميع؛ أليس مِن المفيد والصحي للإنسانية جمعاء، أن يحفر الإنسان في ذاته باحثا عن ذلك الطفل الذي يحاول التطرف بالتعاون مع التعصب خنقه، ما فائدتي في هذه الحياة، وما فائدة يهوديتي أو إسلامي إن لم احترم اليهودي والمسلم كما احترم نفسي؟
لم يرَ الأستاذ ماركيز سلعة رائجة بالباطل كما شاهد التحدُّث باسم الدين وتحت ستار الله والعياذ بالله تبارك وتعالى، وهي لسلعة فاسدة، خاسر من باعها وفاسد من اشتراها، لهذا على الإنسان أن يلتفت إلى إنسانيته، أن ينظر إلى روحه، أن يسلك أقرب الطرقات وأمثل الطرق وأيسر الطرائق لإزالة الشوائب والأدران عن أيَّامه، فهي معدودة ومحدودة صدقا وفعلا.
الحرب التي نشبت في بداية القرن الواحد والعشرين بين أبناء الجنس السلافي الواحد، والدين الواحد، هي السبب الأساسي الذي جعل ماركيز يعيد النظر إلى الديانات المختلفة عبر زوايا مختلفة، ولم يجد سوى الاحترام حلا مفيدا وشافيا، الاحترام وفقط.