جليٌّ أمام عيون الأستاذ ماركيز تلك الصورة التي تشرحُ نفاق رجال الدين عند استعمال تعاليم الديانات لأغراضهم الخاصة، متحججين بقداسة المقدسات لدى المؤمنين، فينفذون مِن زاوية الإيمان ليستغلوا الإنسان أبشع استغلال، لكنَّ الأستاذ ماركيز ما لبث حتى اكتشف بأنَّ استعمال الدين لقضاء الكثير من الحوائج الوسخة لدى بعض المنافقين لا يختلف أبدا عند الفئة المقابلة، إذ هناكَ مَن يستغلُّ الإنسانية كشعار أو عنوان مِن أجل تمرير ما يرشح عن نفسه مِن مساوئ فيسوِّقها للبسطاء على أنَّها مِن القضايا الإنسانية الهامة، لتتساوى الإنسانية بالديانات في الاستعمال السيّء عند استغلال بعض الأغبياء لهاتيْن الأداتيْن لأجل بلوغ ما لم يبلغوه بالأخلاق والفحولة.
لطالما سوَّقت لنا المنظومة الغربية الإنسانية (l'humanité) على أنَّها القضية الأساسية لبناء الجيوش وتسليحها بالعتاد، وغالبا ما شاهد ماركيز القوات الأميركية وهي تنقذ هذا أو ذاك مضحية بحيوات أفراد جيشها العتيد أحيانا، طبعا شاهده على الشاشات المختلفة، لأنَّ هوليود – أكبر مصنع للخرافات في التاريخ – هي التي عملت خلال عقود مِن الزمن على تعريف الإنسان المعاصر بالإنسانية الغربية، هذه الإنسانية التي نشاهدها اليوم هي تستيقظ نصرة لأبناء السلافيين الذين يُقتلون على أيادي أبناء أحفادهم السلافيين أيضا، بينما كلُّنا يعلم بأنَّ هذه الإنسانية ذاتها لطالما كانت عمياء/صماء/خرساء إن ما تعلَّق الأمر بالأجناس الأخرى.
لكن وفي المقابل: نجد احدى بنات هوليود عينها تنفض الغبار عن هذا الغرب العجوز المنافق، لتخطَّ رسما خارج المألوف، ذلك الذي يتَّصل بالإنسانية بشكلها الصافي والتي هي تتخذ من النقاء مرجعية ومقصدا، إنَّها الممثلة أنجلينا جولي، فبينما كان العالَم ينافق المنظومة الأوربية باكيـــا على ما يحدث في شرق أوربا، كانت هذه المرأة تلتفت إلى معاناة أطفال "أصل العرب"، لقد أقدمت هذه المرأة على توجيه صفعة صاعقة على خدِّ ما نعيشه مِن ازدواجية لطالما أرهقت كاهل الإنسان على اختلاف انتماءاته، بل ها هي تقدِّمُ دروسا في النبل والرقي.
أنجلينا كشفت بزيارتها لهؤلاء الفقراء المطحونين على أرض الجزيرة العربية زيف ونفاق كافة الممثلات والمغنيات العربيات اللائي أنهكن قلوبنا وصدعن عقولنا وهنَّ يشرحن لنا طرائق الوصول إلى الإنسانية والحرية وحتى الفردانية والارتقاء الحضاري، يبدو بأنَّ هذه الفئة من العربيات/المسلمات لم يعرفن الإنسانية سوى على مسارح الرقص أو بين قصور الأمراء، لأنَّهنَّ لم يقدِّمن شيئا ولو رمزيا تضامنا مع براءة شعوب بأكملها، وهي ليست بعيدة، بل هي بجوارها تماما.
هذا هو الغرب الذي أحبَّه ماركيز فراح يدافع عن النبلاء فيه بكلِّ ما يملك من طاقات، الغرب الذي أنجب أنجلينا جولي ومَن يتبنى الجانب الإنساني الذي ينهل منه هذه المرأة، قد نختلف معها في طريقة انتقائها للباسها، نوعية عطرها، أو حتى طريقتها في الحياة والعيش، لكن علينا أن نتبع نهج الأستاذ ماركيز الذي رفع قبعاته كلها لهذه الفتاة الغربية التي تناصر القضايا الإنسانية العادلة بالأفعال قبل الأقوال.
هناك دائما في مختلف العصور، الحضارات، الديانات، الثقافات والفلسفات أناس يبيعون أنفسهم لقاء مساندتهم للإنسانية النقية، هناك على الدوام أشخاصٌ يحملون في قلوبهم ذلك الإيمان الراسخ بوجود الإنسان مهما كان لونه، لسانه، اعتقاده وعقيدته، هُم يؤمنون بضرورة تحرير الأفراد مِن غطرسة الواقع والذوات بالمطلق، يقينهم هو الذي يقودهم إلى التضحية والبذل مِن أجل بلوغ مقاصدهم النبيلة.
لقد فهم الأستاذ ماركيز ما أقدمت عليه أنجلينا جولي لأنَّه على المسار ذاته، وهو الذي يدرك قبل غيره بأنَّ هذا الطريق مليء بالمتاعب، لأنَّ جنود البهتان أقوى بكثير من عزيمة النبلاء، وهُم أكثر عددا منهم أيضا، لكنَّ نقطة النور لطالما هزمت جيوش الظلمات ولو بعد حين.