عزيزي ماركيز
أنتَ لطالما قلتَ للجاهِل بأنَّه جاهل، وللكذّاب بأنَّه كاذب، قلتَ للسارق أنَّه سارق والجبان أنَّه جبان، قمتَ بالكثير من التحليلات لهذه الظواهر الثقافية، وأعلنتَ صراحة تبرؤك مِن القراصنة وتصرفاتهم، جعلكَ هذا الموقف تقف أمام سهام الكثير مِن هؤلاء الجبناء، وقد ثبتَّ على مواقفكَ حتى النهاية وهذا جميل، ومع هذا؛ ما هي الحلول التي تقترحها لهذه العاهات الاجتماعية/الفردية؟ كيف يداوي الجاهل جهله؟ وكيف يكف الكذّاب عن الكذب؟ كيف؟
هذا محتوى رسالة وصلت إلى بريد ماركيز الإلكتروني، قرأها الأستاذ ماركيز بلهفة، وَقبل أن يحمل ذاته على الإجابة، أشعل سيجارة، صعد السلالم حتى بلغ سطح بيت أبيه، أطلق عيونه في السماء الزرقاء الصافية، ثم مشى بخطوات ثابتة باتجاه مكانه المعتاد، أين جلس يفكِّر في الحلول (les solutions)، أو بالأحرى في سذاجة السؤال، ومدى غباء سائله!
بعدما أنهى الأستاذ ماركيز تدخين سيجارته، عاد إلى غرفته متلهفا لكتابة رده على تلك الرسالة الالكترونية، لهذا توجَّهَ مباشرة نحو حاسوبه، ذاك الذي تركه يشتغل، فتح بريده الإلكتروني، وراح يجيب بشكل سريع، محاولا اختصار تجربته الشخصية مع الحياة، في بضعة أسطر فقط، لعلها تتمكَّن تلك الكلمات القليلة، مِن إنقاذ السائل أو المرسِل مِن نفسه؛ كتب ماركيز يقول:
أنـــا لا أستطيع فهم حتى هذه اللحظة، كيف لجاهل على سبيل المثال أن يجهل بأنَّ المعرفة هي السبيل الوحيد للخروج مِن بئر الجهل المظلمة! لا أقدر على استيعاب أنَّ الكاذب أو الكذّاب لا يستطيع معالجة ما يتفوَّهُ به بنور الصدق والمصداقية، لا أعرف كيف يفكِّر هؤلاء القراصنة، الذين استبدَّ بهم الكسل حدَّ الخمول، ليصبحوا غير قادرين على إنقاذ أنفسهم مِن عاداتهم المشينة، بل صاروا غير مدركين بأنَّهم يغرقون بواسطة أوضاعهم البائسة التي تزداد بؤسا كلَّ يوم، يا عزيزي السائل: كلُّ الحلول أمامَكَ، وفي متناولكَ، لكنَّ مصيبتكَ العظمى أنَّ عقلكَ قد صار يتخبَّطُ في كارثة عظمى كذلك، تسمى: الخوف.
لقد غرقتَ في الوهم عزيزي القرصان، حتى صار طلب المعرفة، سواء عبر قراءة الكتب والمجلات، أو متابعة المواقع الالكترونية على النت للعلوم والمعلومات ضربا مِن التفاهة، لقد تغلغلت السذاجة في ضميركَ حتى بلغْتَ من الكسل حدًّا جعلكَ تملأ عقلكَ – أو ما تبقى منه – بالسخافة/التفاهة/السذاجة حتى نقطة التخمة، وهذا ما جعلكَ تقرأ عن فضائح الفنانات وعن تفاصيل حيوات لاعبي كرة القدم الأوربية، بينما تلك المعلومات التي تمنح حياتكَ نكهة أَمَل! صرتَ لا تطيق حتى النظر إليها.
الحلول موجودة بين يديْك عزيزي القرصان، فبدلا مِن قضاء ساعات يومكَ تحمل هاتفكَ وتتجوَّل مرغما على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، وفِّر ساعة واحدة لقراءة الكتاب الذي تريده، أو الذي يبدو لكَ ممتعا، وكن وفيا لهذه العادة، فالأمم التي لا تقرأ مصيرها التلاشي إمَّا عاجلا أو آجلا.
إن أردتَ الحلول، افتح موقع اليوتيوب وشاهد ملخصا لأحد الكتب يعرضه أحد صناع المحتوى، هؤلاء الفقراء إن ما تعلقت القضية بعدد المشتركين في قنواتهم الغنية بالمعلومات والمواضيع، أو افتح أحد المتصفحات الرقمية وحاول تعلُّم لغة جديدة تساعدك في التواصل مع غيرك، أو على الأقل! قراءة صفحات جرائدِ بلدان لا تعرف عنها سوى أسماءها، فما أحلى أن تقرأ عن اسبانيا بالإسبانية، وأن تقرأ عن تركيا بالتركية، أو تقرأ عن الصين بالصينية، أعلم بأنَّ الأمر صعب، لكن؛ ألم يكن الأمر صعبا عليْكَ عند مشاهدتك لأوَّل مرَّة صفحة الفايسبوك؟ انفض على نفسكَ غبار الجبن والخيبة، حاول أن تتعلَم، اصنع عالَمَكَ الجديد، لم يفت الوقت بعد، لا تزال حيًّا، فلما لا تكون هذه نقطة، هي منعرج التحوُّل في حياتِكَ؟