متَّفِقٌ معكَ تماما قارئي العزيز إن قلتَ لي بأنَّ شجرة أعياد الميلاد حرامٌ، حرامٌ وحرام، وهي فعلا كذلك، فهي عادة وثنية بدأت عند الجرمان منذ فجر التاريخ، هؤلاء كانوا يعبدون الأشجار، وعندما يشتدُّ عليهم برد القارة العجوز، كانوا يحملون تلك الأشجار إلى منازلهم، قبل دخول المسيحية إلى بلادهم، ومع ذلك فإنَّهم حافظوا على هذه العادة حتى بعدما دخلت كافة الديانات إلى تلك البلاد الرائعة، بل وقد انتشرت عادة الشَّجرة بداية كلِّ سنة عندما قامت الملكة شارلوت – ملكة بريطانيا ذات الأصل الألماني – بأخذ صورة معها خلال احتفالها برأس السَّنة الميلادية ذات يوم؛ القصة معروفة لكافة الباحثين في هذا المجال.

بداية رأس السَّنة أيضا لا يرتبط بميلاد سيِّدي عيسى عليه السَّلام، فهو قرار إداري اتخذه القيصر يوليوس قبل زمن بعيد، وألزم شعب الرومان بالتأريخ لأيَّامهم بواسطة جداول قام برسمها "القديس" جريجورين، هذا الشخص هو الذي اتخذ الكثير من أسماء آلهة الرومان أسماء للأشهر الميلادية، مثلما هو واضح في اسم شهر "مارس" الذي يعني في العقيدة الرومانية التقليدية إله الحرب، فلما ليست السَّنة الميلادية حرام؟

وإذا أتيْنا على قصة ذلك العجوز ذا اللحية البيضاء بثوب أحمر يزركشه البياض، يركب عربة تجرها أيائل – غزلان، ويوزِّع الهدايا على الأطفال بعدما يأتي مع نزول الثلوج واتخاذ العالَم اللَّون الأبيض الجليدي، فإنَّها قصَّة تخيَّلها أحد الشعراء الأميركيين، كان يعيش في نيويورك، ولدى زيارته الأولى لتركيا، سمع قصَّة القسيس نيقولا، هذا القبطي من أقباط مصر، الذي ترعرع في دير قريب من شرم الشَّيخ، وبعدما أقدم على خطيئة كبرى في حق نفسه تمَّ نفيه إلى بلاد الأتراك، لينذر نفسه لخدمة المستضعفين، ومن بين خدماته أن كان يقدِّم الهدايا التي تصله من أحبائه في عيد ميلاده الشخصي، والذي كان يصادف ليلة الثالث والعشرين من كلِّ شهر ديسمبر للفقراء والمساكين خفية، هنا لمعت فكرة الشاعر الأميركي فاتخذها موضوعا لقصيدة كانت بداية لمشروع بابا نويل الاستثماري، فهل بابا نويل حرام؟

بالنسبة للنجمة الموضوعة على رأس كلِّ شجرة لها قصة مختلفة، مرتبطة بقصة بعض الرهبان الذين سافروا من بلاد فارس وهُم يتبعونها حتى وصلوا إلى بيت لحم في فلسطين المحتلة، فهل تلك النَّجمة حرام أيضا؟

معلومات كثيرة أوردها عبد الله الشريف – مواطن مصري – والأستاذ أسامة فوزي – رئيس تحرير جريدة عرب تايمز – حول الموضوع، وكلاهما أسهبا في نشر الكثير من التفاصيل لمَن يهمه الأمر.

لكن! هل فعلا شجرة الميلاد حرام؟ هل تصبح مذنبا إن قمت بوضع شجرة في ركن وزيَّنتها بالمصابيح والهدايا؟ أقصد شجرة برأس نجمة!

بالنسبة للعادات الوثنية، فإنَّ المسلمين يقيمون العزاء لثلاثة أيَّام على سبيل المثال، وهي عادة وثنية من ديانة زرادشت، إذن لما يقومون بهذه العادة "الوثنية"؟

المسلم – بصلاة يوم الجمعة وأعياد الفطر والأضحى وصوم أيام رمضان عن الأكل والشُّرب فقط – يتَّبع ذلك الوهم حسب ماركيز الذي يشعره بوجوده فقط، من خلال معاداة الآخر كلَّما سمحت له الفرصة لذلك، وعبر ايحاء مِن بعض المنافقين الذين يقومون بأدوار قذرة للغاية، في حقِّ الشعوب والأوطان.

بابا نويل لم يخلق أزمة الزيت ولا أزمة السيولة، بابا نويل لم يهمل المستشفيات، ولم يقم بتدمير منهجي للمدارس والجامعات، بابا نويل لم يهلك الصناعة، ولم يرفع أسعار الخضر والفواكه أي والله، أيضا بابا نويل لم يجعل من أسعار البطاطا تحرق جيوب الفقراء، بابا نويل أيها الأعزاء لم ينشر البؤس بين القراصنة، ولم يجعل المؤمن يسرق حذاء أخيه المؤمن من المسجد!!

شجرة الميلاد، لم تجعل ابنتكَ عزيزي القارئ تخرج من بيتكَ بملابس تستحيي عاهرات شيكاغو وميامي من ارتدائها، تلك الملابس التي اشترتها لها أمها الفاضلة – بنت الفاميليا – بأموالك، ولم تجعل ابنكَ يتَّخذ من الممثل الفلاني أو اللاَّعب العلاَّني قدورة بدل أن تكون تلك القدوة بالنسبة إليه أبوه أو جدّه.

 يجب ألاَّ نتناسى بأنَّ من يصنع شجرة الميلاد، ويحتفل بها، هو نفسه مَن يرسل لنا الدواء، الغذاء والكساء، هيا عزيزي القارئ ""العربي"" قُم بقراءة الدولة التي صنعت "الكلسون" الذي تلبسه! حتما ستجده قد صنع في الصين الملحدة، أو تركيا العلمانية، أو الهند التي تعبد الحيوانات، وإن كنت محظوظا فستجده قد صُنع في أوربا الفاجرة، وإن كنتَ مِن فئة "هذا مِن فضل ربي" فستجد كلسونكَ قد صنعته أميركا – سيِّدة الفجور الأولى – اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منَّا يا رب العالمين.

ماركيز لا يدعُو إلى الاحتفال بأعياد هذا أو ذاك، لكنَّه يدعو إلى احترام مشاعر الناس وعاداتهم، لأنَّه من الغريب وغير المعقول أن نطالب غيرنا باحترام عاداتنا بينما نقوم بالنَّيل من عاداته وأعرافه، فالحرية تفرض على ماركيز احترام مَن يحتفل برأس السَّنة الميلادية، التي لم تعد مناسبة دينية وإنَّما صارت عادة اجتماعية خالصة، تحتفل بها كلُّ شعوب الأرض من أقصاها إلى أقصاها.

بدلا مِن الخوض في تحريم وتحليل التفاهات، كان حليَّا بنا – كمسلمين – أن نهتم بإنتاج ضرورياتنا وترتيب أولوياتنا، وأن نعمل على الارتقاء بأعيادنا ومناسباتنا لتصبح مناسبات عالمية أيضا، لقد مللتُ وسئمتُ من ثقافة الكراهية التي تزكم الأنوف بسبب روائحها الكريهة والنَّتنة، هذا ما يجعلني أحاول أن أقول على الأقل إن لم تسمح لكم أنفسكم التي شربت من كؤوس الكراهية والبؤس إلى مستوى الثمالة بمشاركة الناس أفراحهم، فعلى الأقل وفي الحد الأدنى لا تعكروا على مَن يرغب بمشاركة غيره الفرح والابتسامة الأجواء والنوايا؛ الحرام أن تعيش مستأنسا بتفاهات العبيد، والله سبحانه وتعالى قد أكرم وجودَك بعقل حرٍّ، لتفرِّق بين ما هو حق وما هو باطل... ميري كريسماس للجميع؛ واعتذر لكم مسبقا مع أطيب الأمنيات للقراء في بداية كلِّ سنة يوليوسية جديدة! اللَّهم قد أذنبت فاغفر لي يا الله يا ربَّ العالمين.