القراصنة لا يقرؤون، هُم يعيشون في البراري كالمخلوقات الضارية، لهذا هُم يكرهون كلُّ ما له علاقة بالكتب والمكتوب، سواء كان كاتبا، قارئا أو حاملا لكِتابٍ ما، هذا الكره صار حقدا يقتات من السواد الذي غزا قلوبهم المتحجِّرة منذ فجر الوجود، لهذا من المستحيل – إن كان هناك مستحيل – أن يلقى ماركيز احتراما أو حبًّا على أرض القراصنة، لأنَّه أقدم على جريمة لا يمكن للقرصان أن يسامحه بسببها، ماركيز هو مَن جنى على نفسه، استغفر الله وأتوب إليه: ماركيز قارئ وكاتِب في الوقت نفسه، كيف لرواد الجنَّة ما وراء البحر أن يعاملوا ماركيز كمُحتَرَم؟ هذا العار الذي سيرافقه دائما، عار الكتابة المزمن والعياذ بالله.
يتعرَّضُ ماركيز للكثير مِن المضايقات بسبب إقدامه على الكتابة، القراصنة لا يرحمون الكتَّاب والمؤلفين، حتى سجائره بين شفاهه ترغب بالفرار إن ما أراد التعبير عمَّا بداخله بالحروف والمعاني، كلُّ ما له صلة بالقراصنة يخاف من الحروف وسلطانها، لأنَّها تذكرهم بالإنسانية، بينما هُم يعشقون موقعهم الحالي، ما تحت مستوى الحيوانية، هُم عبارة عن غرائز بلا وجهة تمشي على سطح الأرض، فكيف لهم أن يحبوا مَن يحاول بكلِّ قواه أن يجعل منهم من بني الإنسان؟
يحفظُ ماركيز تلك النظرات التي يتطاير منها شرر الغضب الحاقد عليه، يتجاهلها بلطف وسخرية في الآن معًا، ويحاول أن يشقَّ طريقه بين جموع الجهالة التي تحيط به مِن كلِّ اتجاه، هو يعرف ويدرك جيِّدًا ما يمكن لهؤلاء الحاقدين فعله به، لهذا يتحاشى الخوض معهم في مسائل جهلهم، مِن مبدأ: هي مأمورة!
الذلُّ الذي شربه القراصنة حتى مستوى العربدة، هو ما يجعل ماركيز يشفق على أحوالهم، مِن الصعب أن تقنع الخفاش بأنَّ السير تحت نور الشَّمس مفيد للجسم بدل البقاء في ظلمات المغارات، مهمة قاسية لماركيز تلك التي يرغب بحملها على كاهله، إن ما هو فكَّر في دخول جدال مع قومه حول أهمية القراءة/الكتابة في حياة الإنسان، هؤلاء يعتبرون حاملي الأقلام والعازفين على ألواح المفاتيح أناسا بمراتب الأعداء منذ الأزل، لهذا يعتبر ماركيز قومه أرذل ما خلقه الله سبحانه وتعالى على وجه الأرض، ومع ذلك لم يستسلم بعد، وفي كلِّ مناسبة سانحة تجده يحاول الخوض في أهمية استخدام العقول فيما يفيد العباد والبلاد.
أذكى القراصنة تجده يفكِّر ليقول لا ليعمل، هذا الاكتشاف محفوظ لفيلسوف الجزائر المطرود، وهذا ما يؤمن به ماركيز فعلا وقولا، بل إنَّ الدجَّال بين القراصنة هو ذلك القرصان الذي يدَّعي المعرفة، ويقتات مِن هذا الادعاء الكاذب جملة وتفصيلا، بينما هو أجهل الخلق بالخلق والأخلاق.
في الزمن الذي يشهد صراعا ضاريا بين الأمم مِن أجل تثبيت وجودها لأجيال لاحقة من اليوم، قوم ماركيز مِن القراصنة، لا يزالون يعملون على تهميش نبلاء أراضيهم مِن المعلِّمين والأطباء، مِن الكتَّاب والحكماء، بينما في الوقت عينه، يعملون على اتباع أنذل ما أنجبت هذه الأرض عبر التاريخ.
أخذ ماركيز نَفَسًا عميقا وهو يحاول ترتيب أفكاره بين زحمة ما يراه يوميا مِن مظالم، لا عزاء للظالمين والحاقدين، لا رجاء من الشوك، ولا أمل في نافخي الكير، هُم لا يدرون ما معنى أن يشعر الإنسان بإنسانيته، فضلا عن التَّصرف كبقية أبناء الإنسانية، يستأنسون بجهلهم المركَّب والمعلَّب بشكل كامل، هؤلاء الذين قتلوا مولود فرعون، طاردوا مفدي الإلياذة وكفَّروا أركون، وهمَّشوا الصدِّيق حتى آخر أيَّامه على مسرح هذه الحياة، أليس عارا أن يموت كاتِب كلمات النشيد الوطني على أرض منفاه الطوعي بعد استقلال الأرض عن مستعمِر الأمس؟ هذا النشيد الذي تتعلَّمه الأجيال وتحفظه عن ظهر قلب على مرِّ الأيَّام! لقد انتصر الكاتِب وهُزم القراصنة كلَّهم؟ لقد انتصر النبلاء كماركيز دائما.