يفكِّر ماركيز في النهايات أغلب الوقت، يسير في توقعاته كما يساير إمكانياته، يجول بذهنه على بساط الواقع طلبا للراحة النفسية، فالروح حسبه هو معطى لا مادي قابل للتغذية من التعاليم والأحداث على حدٍّ سواء، وبهذا يصبح من الجميل أن يعتنق الفرد الإنساني ذلك الغَرَض المعرفي النفساني الذي يحدد النهاية؛ نهاية الحياة.

المقصود بنهاية الحياة في قاموس ماركيز ليس ما يفهمه القارئ لهذه الأسطر على أنَّها نهاية الكون على وجه هذا الكوكب، لأنَّ ماركيز يحدد هذا المفهوم بمعنى نهاية حياته هو كفرد، كشخص، كوحدة محايدة ومشاركة في الوقت ذاته، تعبِّر عن كافة الانعكاسات الوجودية من حوله، ليصبح كونا بمعنى من المعاني، كما جاء عند الشيخ الأكبر. "يجب أن نفكِّر في نهاية قصوى للواقع نتقدَّم منها ووفقا لها نستطيع أن نقيس الأشياء" (كانط، قراءة في فلسفة الدين – الطبعة الإنجليزية، ص: 350).

ما يحاول ماركيز إنجازه هو محاولة لفهم ذاته الذي يعتبرها نوعا من العوالم ذاتها، وبهذا هو يجتهد في إدراك واقعية هذه الذات لأنَّه يفترض بأنَّها تعبِّر عن واقعية المواقع الثابتة والمتحرِّكة بشكل متكامل، وبالتالي فإنَّ المادَّة والروح على حدٍّ متساوي يصبحان سلسلة من الرؤى العالية التأثير على القيم التي يحملها ماركيز بشكل مبالغ فيه، هذا ما يجعل هذا الأستاذ يحاول بشكل دائم الأخذ بالأسباب المختلفة لصياغة ما يفترض هو دون غيره بأنَّه عالمه الخاص. الإنسان الذي يعمل على بناء ما يخصه هو فرد يعمل على إقامة مساحة جديدة، فضاء مميَّز، وبالتالي هو نداء خفيٌّ للتسليم بتلك القدرة التي تقبع بداخل كلِّ إنسان، وتدفعه بشكل من الأشكال إلى فرض قواعد وشروط على الواقع ذاته، هي عملية ذهنية تتقدَّم نحو فهم بالحد الأقصى، وهضم ما هو موجود أو ما يميِّز الفرد بين ما هو موجود وما هو جديد، وبالتالي يستطيع إقامة ما يعتبره فيما بعد السبَّاق لإقامته؛ يعترف ماركيز لنفسه بالأخطاء، لا ليجلِدها بل ليرفعها نحو الكمال – والكمال لله سبحانه – هو يحسِّن مِن حياته، لكنَّه يبدأ بمواطن الألم ليصنع مساحات أمل جديدة، هو يبني على الخطأ ما يراه صوابا، ويرتفع بالأسباب ليصل للنتائج مهما كانت هذه الأخيرة متأخِّرَة، وبهذا يصبح فهمه للقضايا الواقعية أمورا بديهية للغاية. روعة الأيَّام في ذهن ماركيز تتجلَّى أمامه عندما يأخذ حمَّامًا ساخنا، بعدها يصلي خضوعا لخالق الأكوان جميعا، ويعبُر الجسور الثقافية باتجاه الغرب أو نحو الشرق بشكل يدعو إلى الغرابة على نحو لا مجال لتفاديه، هو مدمن كتابة وشارب للحبر بشكل جنوني يصل بروحه لمستوى المجون الثقافي الذي لا يستطيع مسايرته فيه سوى المجون ذاته؛ يجلس ماركيز إلى طاولته في المطبخ، يرفع صوته بالضحك الهستيري وهو يسمع آخر فلول القراصنة وهُم يتفاهمون قصد إفساد يومه الرائع، يسامر روحه عندما يساعد ذاته على تخطِّي الحُجُب النفسية فيبتسم ماركيز في وجه مَن يعتبره شخصا بائسا، بعدها يعود إلى جنَّته الفردية، تلك التي بنى أعمدتها من التفكير الجاد؛ ليس للإنسان بصنف ماركيز مكانٌ بين القراصنة، وعليه في الوقت ذاته أن يحمل بذور تمرُّدِه مِن جديد، لينحت صخر طريقه بشكل أكثر جدية، فيقوم ببناء صروح على طول المسار نحو نجاته، تلك التي يؤمن بها ماركيز بشكل عميق للغاية، هو يعلم قبل غيره بأنَّ ثمن اختياراته هذه سيدفعها وحده، وهذا الثمن سيكون أجزاء من روحه، لكنَّه في عمقه سيحاول وسيقوم بالمغامرة، هو معتاد على تحدي الخطر؛ ماركيز.... أيُّها الماركيز عليكَ أن تمضي نحو المرحلة التالية، لأنَّ العدَّاد لا يتوقّف عليكَ أو بكَ، أنت تعلم هذا؛ ولكنَّ الله سبحانه وتعالى هو أعلم منك بالتحديد!