كان من فعل معتب بن قشير، وحين كفر من بعد إيمانه أنه قال يوم أحد: (لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا)وهذا تصفية للصف من مرجفيه!

صلى الله عليه وسلم

نزل قوله( لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا )على قول معتب بن قشير برهانا أنه سيشهد عليه لسانه يوم القيامة بمثل قوله تماما!

إن نزول القرآن بمثل قول معتب بن قشير تماما برهان على تعويد اللسان على قول الحق لأنه سيقول نفس قوله يوم القيامة يوم يقوم الأشهاد!

قال الزبير فو الله إني لأسمع قول معتب بن قشير، ما أسمعه إلا كالحلم(لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا )فحفظتها منه! وهذا شاهد آخر!

جاء قول معتب(لو كان لنا من الأمر من شيء)مرة وجاء( من الأمر شيء)مرة أخرى برهانا على زلزلة قلوب أماط البلاء عنها ركامها ونفاقها!

ليس تكرارا قوله(لو كان لنا من الأمر من شيء)قبل قوله( لو كان لنا من الأمر شيء)لأن الأولى نبأت أنه ليس ولو بعضا من أبعاضه لنفس أبدا!

ليس تكرارا قوله(لو كان لنا من الأمر من شيء)قبل قوله( لو كان لنا من الأمر شيء) لأن الثانية نبأت أنه ليس ولو أمرا واحدا لنفس أبدا!

قوله تعالى(وربك يخلق ما يشاء ويختار)هو رد على من نافق فقال(لوكان لنا من الأمر من شيء) وذلك لأنه(ما كان لهم الخيرة) تسليما ومحبة وانقيادا.

إن قول معتب بن قشير(لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا)منبيء جهل وكاشف عوار! ذلك لأنه عميت بصيرته عن فضل الشهادة لوكان أهلا لها.

إن من خيرته تعالى أن يقول معتب (لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا)لأنه قال(قتلنا)وحرم قول: استشهدنا، ولما حرم لفظها فحرمها!

وسواء قالوا(لو كان لنا من الأمر من شيء) أو قالوا(لو كان لنا من الأمر شيء) فقد حسمه ربنا تعالى بقوله(قل إن الأمر كله لله)قضي الأمر!

قد أنبأك أن قوما لايحسنون بالله ظنا حسنا وحين تلولوا أنه لوكان لهم من الأمر شيء أنه تعالى لم يجعل لنبيه صلى الله عليه وسلم من الأمر من شيء فما بال غيره؟! لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ [آل عمران: 128]

جاء قوله تعالى ( فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب ) [ الرعد : 40 ] حاسما في نفي أن يكون لأحد من الأمر شيء فضلا عن أن يكون نبيا رسولا! فكيف راحوا أو كيف راح بهم ظنهم بربهم هكذا ؟

جاء قوله تعالى(ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء ) نفيا أن الهدى يملكه أحد فضلا عن أن يكون نبيا رسولا فما بال غيره؟!

كان تلولوهم أنه لو كان لهم من الأمر شيء أنساهم أن ذلك هو ظن الجاهلية الذي جاء الإسلام أول ما جاء ليطهر قلوب المؤمنين منه.

إنهم حين قالوا في أنفسهم(لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا)ظنا أنه لم يصل نبينا ص جهلا لكنه أطلعه عليه ولما تحلم به الزبير!

خبر معتب بن قشير

وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا) هذا قول معتب بن قشير وقد نزل على مثل قوله قرآنا يتلى إلى يوم القيامة ليعلم كم نفرا كان بينهم وبين نور الهدى بون شاسع!

قد كان محمد يعدنا فتح فارس والروم، وقد حصرنا ها هنا، حتى ما يستطيع أحدنا أن يبرز لحاجته، ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا. هذا قول أناس لا يوقنون وهو قول من لايؤمنون بربهم الحق

هذه مقدمات كفر بالله تعالى أفضت إلى منكر من القول وزورا وحين أساء هؤلاء قوم أدبهم مع ربهم الحق. وهو ما يجعل أحدنا عاضا على نواجذ الأدب الجم مع ربه تعالى؛ لأن سوء ذلكم الأدب مفض ولا ريب إلى ما أفضى بأولاء قوم نافقوا!

ولأنك شاهدت كيف كال أولاء قولا؟ وكيف أساؤوا ظنا بالله تعالى؟ وحين كان من شأنهم أنهم كذبوا خبر نبيهم صلى الله عليه وسلم في فتح فارس والروم وكيف كان حصارهم الذي لم يقووا عليه وهو ابتلاء حاصل في كل ما من شأنه أن يسمى معارك ومجابهات، وإن ذلك ليس كان خافيا على قوم عاشوا حياتهم حروبا طاحنة بينهم البين، ولكنه إذا جاءهم من صوب الإيمان جحدوا، وإذا دخل عليهم من جهة تحقيق اليقين رموا بألفاظ تكشف أول ما تكشف عن نفوس هزيلة، لا تصلح للصف، وقد كان من شأنهم أن يظهروا، وليلفظهم الصف أول مرة، فإن شأن الجهاد والقتال ليس يصلح له إلا من كان صافيا في عقيدته، وإلا من كان موقنا في إيمانه، وإلا من كان باذلا مهجه رخيصة في سبيل الله تعالى مولاه الحق المبين.

وأنت إذ تتلمس أمرا عجبا وذلك حين كان الناس منافقين وحين كان الناس في قلوبهم مرض، وذلك لأن نفاقا ليس يكون إلا إذا كان مفرزا عن مرض! وليكون دلالة على تمكنه من قلوب أصحابه، فيفقدهم توازنهم أمام قوافل الإيمان والتقوى، والتي بدورها تمثل قوة كاسحة لألغام النفاق حيثما وجدت.

وعلاقة قائمة بين نفاق تأصل وبين مرض تحصل! ذلك لأنه من مسلمة أن ينجز نفاق مرضا؛ ليكون دلالة على وجوده، وليكون عنوانا على تخلله، مما أنتج مرا علقما، هو ذاك المرض الذي يفعل بأصحابه الأفاعيل، فيفقدهم صوابهم، ويجعلهم ميدانا واسعا لظن غير حسن برسوله ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم، فضلا عن الله تعالى مولاهم الحق، وإذ ماذا تبقى لهم من رصيد يشي بأن القوم بقيت لهم بقية تحسم موقفهم، وعما إذا كانوا إلى أهل الحق والإيمان والإحسان، وإلى صفوفهم، وهم عنه أبعد! أم كانوا إلى سواهم وهم إليه أقرب، وإنما كان ذلك بصنيعهم، ودلالات قولهم، الذي أنتج فعلا دلك عليه!

ولئن قيل: وكيف كانوا منافقين وهاهم أولاء تراهم في صف المؤمنين؟ ويسعفك أن دلالات أقوالهم إنما أبانت عن كم دفين من النفاق كان يملأ أفئدتهم، وكفى بذلك دلالة على ما تحمله قلوبهم، من كيل نفاق أثقل كواهلهم، حتى كان من ثقله إفرازه لذلكم قول، وحين قالوا ما سلف قولا إنه(قد كان محمد يعدنا فتح فارس والروم، وقد حصرنا هاهنا، حتى ما يستطيع أحدنا أن يبرز لحاجته، ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا) وهو ما نزل القرآن الكريم كاشفا عن مكنون ما تكنه صدورهم من نفاق أفرز مرضا، كان دليله قولا قالوه وليس ادعاء منا نرميهم به!

صحيح إنه كان من نفاقهم مرض قد استوطن قلوبهم، وكان من دلالاته أقوالهم، ولكنه يبقى أن القرآن قد غاص في قلوبهم أعماقها، حتى كشف عن مكنونها، وهو من إعجازه المعهود عنه، في طلة من طلاته العجيبة، وحين يوقفنا حينا من بعد حين آخر، على ما اكتنف هذه القلوب التي ما فتئ أهلها إلا أن يفرزوا قولا، فينة من بعد فينة أخرى، تنبئنا عن أسرارها، وأن ما تخفي صدورهم كان أكبرا، وهو موقف آخر من مواقف القرآن العظيم؛ ليبين لنا كم كانت هذه القلوب حاملة لأوزار! وكم كانت هذه الأفئدة ذات أوكار، لفساد، مستحكم، كان النفاق زعيمه، وكان مرضه دليله؟!

وحين يصل بلسان امرئ فضلا عن قلبه أن يرمي الله تعالى ربه بهكذا ألفاظ يند وصفا خروجا بها عن دائرة المعقول أو المفهوم أو عمل القرائح السوية، فإنك حينئذ لينفك عنك عجبك، وإذ قد رأيت ما رأيت، وإذ قد سمعت ما سمعت! وذلك لأنهم جعلوا قيمة الربوبية محلا لقيل لئيم، وذلك لأنهم حطوا رحال سوءاتهم أمام مقام النبوة الكريم، فكان منهم ما كان، وحين قالوا(ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا)!

بيد أن إعجازا بليغا وحين لم يذكروا بأسمائهم، وحينها فلعل قائلا سيقول: هؤلاء الذين كانوا! وليس مقصودا بها سواهم! وهذه من طلاقات الكتاب العظيم أن يأتي أوصافا؛ لتكون محلا لتنزيل الآي الكريم عليها، ولما توافرت شروطها، ولما كان في الوجود أمثالها قيلا وفعلا.

وأنبأك عن لئيم قول، وأخبرك عن سوء صنيع أنهم قالوا(ورسوله)، هكذا في إعلان عام، وتشوبه رائحة نفاقهم الزاكمة، أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله، ليس يكون إلا رسولا لربه، وبالتالي فهم خارج التكليف، ولأن صياغتهم محشوة حشوا بإعلان التفلت من الأحكام، ولأن طويتهم وحين قالوا ذلك، فإنما هم يعلنون ت من الاتباع، وهذا فضح آخر؛ لأنهم وحين يخلون فماذا هم فاعلون أمام هذه التبعات الملقاة على كل مؤمن، كان الأصل فيه أنه يراقب ربه تعالى، في حركاته، وفي كل سكناته، وأما هم فلقد جاء قولهم منبئا عما تكنه صدورهم، نحو الاعتراف، ونحو التكليف

وهكذا في أسلوب فج يقولون(ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا) وهو إسفاف قول ينبئ عن خلو قلب عن بقية من إيمان يمكنها أن تصلح هكذا اعوجاج لم يرد لمثله ذكر إلا عن أمثال أولاء قوم لا يؤمنون!

والمنافقون هم الذين في قلوبهم مرض، وهم لحمة واحدة، لكن مجيء حرف الواو العاطفة كناية عن تركيب أنبأك عنه الكتاب المجيد، ويكأنهم ولما قد طفح كيل قلوبهم من غل، حتى كان منه وكأنما قد انقسموا قسمين: قسم وهؤلاء هم المنافقون، وقسم آخر وهؤلاء هم الذين في قلوبهم مرض، هكذا في تشريح رباني معجز، مبينا لحقيقة أولاء قوم، ويكأنهم يحملون في قلوبهم عنتا ما الله تعالى كان به عليما!

خبر وديعة بن ثابت الأنصاري

كان من فعل وديعة بن ثابت اشتراكه مع من بنوا مسجد الضرار كفرا وإرصادا وتفريقا بين المؤمنين ولأنه يوجد في كل زمان لا يروق لهم إلا بهكذا وصف شين.

(ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب)كان وديعة بن ثابت من هؤلاء وحين قالوا: يرجو هذا الرجل أن يفتح قصور الشأم وحصونها! هيهات هيهات. وهو استبعاد المنافق وحسب ولأنه حرم استحضار هالة قدرة رب قدير لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.

(ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب)كان وديعة بن ثابت من هؤلاء وحين قالوا: يرجو هذا الرجل أن يفتح قصور الشأم وحصونها! هيهات هيهات. وهو استبعاد المنافق وحسب ولأنه حرم استحضار هالة قدرة رب قدير لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء وحين كان من قصوره نظره في حدود طاقة بشرية لأمثاله ولا ثمة علاقة بينها وبين قدرة رب لا يحدها حد ولا يرد عليها قيد.

(ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب)كان وديعة بن ثابت من هؤلاء وحين قالوا: يرجو هذا الرجل أن يفتح قصور الشأم وحصونها! هيهات هيهات. وهو استبعاد المنافق وحسب أنه تعالى سوف لا يعلم نبيه بهكذا خور عقيدة وبهكذا وهن دين كان الله تعالى غنيا عن أمثال هؤلاء ولأن وجودهم في الصف عامل تثبيط وتوهين وخروجهم من الصف كان أنقى

(ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب) كان وديعة بن ثابت من هؤلاء وحين قالوا: يرجو هذا الرجل أن يفتح قصور الشأم وحصونها! هيهات هيهات. وهو استبعاد المنافق وحسب حين جهل أن الله تعالى سوف يفضح صنيعهم ولأنه تعالى علام الغيوب.

(ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب) كان وديعة بن ثابت من هؤلاء وحين قالوا: يرجو هذا الرجل أن يفتح قصور الشأم وحصونها! هيهات هيهات. وهو استبعاد المنافق وحسب حين قد بغته الله تعالى بعلمه قوله لتختلف أنحاؤه بعضها متداخل في بعض وليجد نفسه محاصرا يهذي وحين قال: إنما كنا نخوض ونلعب.

(ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب)كان وديعة بن ثابت من هؤلاء وحين قالوا:يرجو هذا الرجل أن يفتح قصور الشأم وحصونها! هيهات هيهات.إنه تعالى حين أطلع نبيه على ذلكم خور كان سببه نفاقهم واستهزاؤهم وأن أمثال أولاء لم يكن لهم عهد بمثل ذلكم إطلاه أفقدهم توازنهم وحين كان منه غوصه في أعماق أعماقهم وليدلي بما قالوا لنبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم.

وإن قوما لا يذكرون لآخرين إلا مواقف السلب إن هم إلا بعدت عنهم النجعة وحين لا يتلصصون إلا الصغائر، وها هي الصفحات ملأى بما يفيض عنهم وعن غيرهم غطاء ومنا، وإن عيونا ضيقة هي تلك التي تنظر من غربال ضيقة ثقوبه، لكن نفوسا أمهرها الإنصاف، وإن هي لا ترى إلا جميلا، وإن هي إلا غاضة طرفا عما لا يمكنها تأويله تسليما لله تعالى ربهم الحق، وحين كان شأنه أنه يعلم، وحين كان أنها لا تعلم إلا أسفل قدميها أو أقل من ذلك.

وإذ كان من دلائل إنصاف حرمته تيكم نفوس أنها وكان يمكنها أن تقف مشدوهة وحسب، وحين لم تدرك علة، وحين لم يسعفها تأويل حسن عما جرى في كونه تعالى، وحسبها حينئذ أنها تقول(آمنا به كل من عند ربنا وما )ولقد كانت بذلكم مسعى يمكنها أن تدور في فلك البر والهدى والصلاح، بدل أن تفتري على الله تعالى كذبا، وبدل أن تقول على الله تعالى بلا علم، وغير ألا تقول عنه سبحانه إلا خيرا، كان معهودا عنه تعالى أبدا.

محمد صلى الله عليه وسلم

المنافقون يقولون(ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا)هكذا بأسلوب الحصر والقصر، وهو أسلوب عربي متين، لولا أن الله فضح سريرتهم، فأخرج مكنونها، وأظهر ضمائرها، وكشف ما يجول بخاطرها، ولو كانوا عند ذلك لحذروا، كما قد حذروا، حين قال الله تعالى فيهم(يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُم بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ)[التوبة:64]. ولكنه تعالى ليس يمهلهم كثيرا ليقول لهم (قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ ) [التوبة:64]!