يحاول الفرد على الدوام أن يكون مخلصا لنفسه قبل أيَّ شيء آخر، وهو في معترك تحقيق هذا الحُلم، يجد نفسه يعمل على إقامة صروح الوفاء على امتداد نظره، ويزرع بذور الإخلاص قدر ما يستطيع، وهو بذلك متأمِّلاً أن يصبح بحجم الأماني التي تسكنه، إنسانا يمسك بزمام أيَّامه، فلا يفلت منها إلاَّ ما تسرَّب ما بين أصابعه كحبَّات الرمل.

لكن وعلى عكس المتوقَّع، يواجه الفرد الإنساني معضلة الوقت/الزمن فيفاجأ، وعلى الرغم مِن علمه المسبق بهذه المشكلة الأساسية التي تعصف بأفكاره المتزاحمة والمتحلقة حول مركزية الخلود والبقاء، إلاّ أنَّه يجد نفسه في أزمة، يسميها البعض بالأزمة الوجودية، تلك النقطة التي تطرح على الفرد نفسها بلا مقدِّمات، لتضعه في امتحان حقيقيّ.

تحاول الفلسفة مساعدة الإنسان، تجيب عن سؤاله هذا بطرائق مختلفة، وعندما تعجز عن إقناعه بإحدى الإجابات المطروحة أمامه، تنسحب إلى المتاهة التي لا يتقن ممراتها سواها، وتسحب المنصت إليها كذلك، لتجد في آخر المطاف، عمقا إضافيا لا قرار له.

يتدخَّل العِلم أيضا مقترحا حلوله الجذرية، مساعدا على قضم الوسائل الأداتية، ليعد بحياة أفضل والرفاهية، ليصبغ الأيَّام بموجة مِن المقتنيات، رافعا شعارات مختلفة، لكنَّ الفرد الإنساني سرعان ما يواجه الحقيقة العلمية كما يواجه جشعا عميقا متجذِّرا في صميمه، وهكذا يصبح الفرد أكثر تطلُّبا حتى يصل بالعلوم إلى حدودها، فتنهار تلك الممالك مِن دون مقاومة.

حتى الفن له نصيب مِن محاولات مساعدة الإنسان وانتشاله مما هو فيه، لهذا تجد الرسومات، التعبير عن الثقافات، المسرحيات، الأفلام وحتى التراجيديا على اختلاف صورها وأنماطها، تستنفر كلَّ ما فيها خدمة للفرد على اختلاف ميوله وأذواقه، صحيح أنَّها تمكَّنت من رفع قدرة البشر على التخلي عن ذلك الجانب المظلم منهم ولو مؤقتا، لكنها لم تقدر على شغل منصب البديل لوقت كافي، فوجدناها هي أيضا تنكمش وتبقى تدور في نطاق معيَّن وأجوف.

الأديان والديانات على اختلافها حاولت أن تجد الحلّ، ربما ما طرحه الدين الحنيف في اعتقادي كان ولا يزال الطرح المتماسك حتى الآن، سواء من الناحية المنطقية أو من الناحية الشعورية، وهذا هو السبب الرئيسيّ لعداء جلُّ مَن يعاديه إمَّا خفية أو علنا، والسرُّ في صلابة ما تقدِّمه الديانات للإنسان هو أنَّها تشرِّح الروح وتعتني بتلك التفاصيل الوجودية للفرد الإنساني، توفر له الملجأ العميق وتجيب عن تلك الأسئلة التي لم يستطع لا العلم، ولا الفن ولا حتى الفلسفة الإجابة عنها، على الرغم مِن المحاولات المتكررة لفعل ذلك.

الدين مربوط بالمصير، وهي الفكرة المختفية خلف انقضاء الزمن وهروب الوقت، تلك التي تفضي إلى مشكلة إدامة البقاء على قيد الحياة، وبما أنَّ الدين يطرح البديل، فإنَّني أرى بأنَّ على الفرد الإنساني أن يتمسَّك بما يشرحه الدين وما يحثُّ على القيام به.

أشفق على الفرد الإنساني كثيرا، فقد وجد نفسه في ورطة حقيقية، وجد نفسه حيًّا دون إرادة منه ولا اختيار، لهذا هو في حيرة مِن أمره، لا يجد سبيلا يغنيه عن الألم والمعاناة، ولا يستطيع فهم ما هو حوله وما هو مقبل عليه، يجالس نفسه كلَّ لحظة لعلَّه يفوز بتذكرة الغفران، وينسى أنَّ الشفاعة لله وحده، وهو القادر على تخليصه مما هو فيه.

حينما تتضارب الأفكار في فؤادك كالإعصار، أنصحك بالعودة إلى الجبَّار القهَّار، هو الملجأ الأخير، حتى ولو أنكرته، فهو القادر على العفو عنك والصفح على ما اقترفته يداك، وما دام الفرد الإنساني يستظل بالقوَّة، فلا أجد قوَّة يمكنها توفير الأمان المطلوب، سوى خالق الكون والعوالِم كلَّها سبحانه وتعالى... أيّ والله!

www.tiktok.com/@euripides.dz