عن عائشة أم المؤمنين: كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا أرَادَ سَفَرًا أقْرَعَ بيْنَ أزْوَاجِهِ، فأيُّهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بهَا رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ معهُ، قالَتْ عَائِشَةُ: فأقْرَعَ بيْنَنَا في غَزْوَةٍ غَزَاهَا فَخَرَجَ فِيهَا سَهْمِي، فَخَرَجْتُ مع رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَعْدَ ما أُنْزِلَ الحِجَابُ، فَكُنْتُ أُحْمَلُ في هَوْدَجِي وأُنْزَلُ فِيهِ، فَسِرْنَا حتَّى إذَا فَرَغَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن غَزْوَتِهِ تِلكَ وقَفَلَ، دَنَوْنَا مِنَ المَدِينَةِ قَافِلِينَ، آذَنَ لَيْلَةً بالرَّحِيلِ، فَقُمْتُ حِينَ آذَنُوا بالرَّحِيلِ، فَمَشيتُ حتَّى جَاوَزْتُ الجَيْشَ، فَلَمَّا قَضَيْتُ شَأْنِي أقْبَلْتُ إلى رَحْلِي، فَلَمَسْتُ صَدْرِي، فَإِذَا عِقْدٌ لي مِن جَزْعِ ظَفَارِ قَدِ انْقَطَعَ، فَرَجَعْتُ فَالْتَمَسْتُ عِقْدِي فَحَبَسَنِي ابْتِغَاؤُهُ، قالَتْ: وأَقْبَلَ الرَّهْطُ الَّذِينَ كَانُوا يُرَحِّلُونِي، فَاحْتَمَلُوا هَوْدَجِي فَرَحَلُوهُ علَى بَعِيرِي الذي كُنْتُ أرْكَبُ عليه، وهُمْ يَحْسِبُونَ أنِّي فِيهِ، وكانَ النِّسَاءُ إذْ ذَاكَ خِفَافًا لَمْ يَهْبُلْنَ، ولَمْ يَغْشَهُنَّ اللَّحْمُ، إنَّما يَأْكُلْنَ العُلْقَةَ مِنَ الطَّعَامِ، فَلَمْ يَسْتَنْكِرِ القَوْمُ خِفَّةَ الهَوْدَجِ حِينَ رَفَعُوهُ وحَمَلُوهُ، وكُنْتُ جَارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ، فَبَعَثُوا الجَمَلَ فَسَارُوا، ووَجَدْتُ عِقْدِي بَعْدَ ما اسْتَمَرَّ الجَيْشُ، فَجِئْتُ مَنَازِلَهُمْ وليسَ بهَا منهمْ دَاعٍ ولَا مُجِيبٌ، فَتَيَمَّمْتُ مَنْزِلِي الذي كُنْتُ به، وظَنَنْتُ أنَّهُمْ سَيَفْقِدُونِي فَيَرْجِعُونَ إلَيَّ، فَبيْنَا أنَا جَالِسَةٌ في مَنْزِلِي، غَلَبَتْنِي عَيْنِي فَنِمْتُ، وكانَ صَفْوَانُ بنُ المُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ مِن ورَاءِ الجَيْشِ، فأصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي، فَرَأَى سَوَادَ إنْسَانٍ نَائِمٍ فَعَرَفَنِي حِينَ رَآنِي، وكانَ رَآنِي قَبْلَ الحِجَابِ، فَاسْتَيْقَظْتُ باسْتِرْجَاعِهِ حِينَ عَرَفَنِي، فَخَمَّرْتُ وجْهِي بجِلْبَابِي، ووَاللَّهِ ما تَكَلَّمْنَا بكَلِمَةٍ، ولَا سَمِعْتُ منه كَلِمَةً غيرَ اسْتِرْجَاعِهِ، وهَوَى حتَّى أنَاخَ رَاحِلَتَهُ، فَوَطِئَ علَى يَدِهَا، فَقُمْتُ إلَيْهَا فَرَكِبْتُهَا، فَانْطَلَقَ يَقُودُ بي الرَّاحِلَةَ حتَّى أتَيْنَا الجَيْشَ مُوغِرِينَ في نَحْرِ الظَّهِيرَةِ وهُمْ نُزُولٌ، قالَتْ: فَهَلَكَ مَن هَلَكَ، وكانَ الذي تَوَلَّى كِبْرَ الإفْكِ عبدُ اللَّهِ بنُ أُبَيٍّ ابنُ سَلُولَ، قالَ عُرْوَةُ: أُخْبِرْتُ أنَّه كانَ يُشَاعُ ويُتَحَدَّثُ به عِنْدَهُ، فيُقِرُّهُ ويَسْتَمِعُهُ ويَسْتَوْشِيهِ، وقالَ عُرْوَةُ أيضًا: لَمْ يُسَمَّ مِن أهْلِ الإفْكِ أيضًا إلَّا حَسَّانُ بنُ ثَابِتٍ، ومِسْطَحُ بنُ أُثَاثَةَ، وحَمْنَةُ بنْتُ جَحْشٍ، في نَاسٍ آخَرِينَ لا عِلْمَ لي بهِمْ، غيرَ أنَّهُمْ عُصْبَةٌ، كما قالَ اللَّهُ تَعَالَى، وإنَّ كِبْرَ ذلكَ يُقَالُ له: عبدُ اللَّهِ بنُ أُبَيٍّ ابنُ سَلُولَ، قالَ عُرْوَةُ: كَانَتْ عَائِشَةُ تَكْرَهُ أنْ يُسَبَّ عِنْدَهَا حَسَّانُ، وتَقُولُ: إنَّه الذي قالَ: فَإنَّ أبِي ووَالِدَهُ وعِرْضِي لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنكُم وِقَاءُ قالَتْ عَائِشَةُ: فَقَدِمْنَا المَدِينَةَ، فَاشْتَكَيْتُ حِينَ قَدِمْتُ شَهْرًا، والنَّاسُ يُفِيضُونَ في قَوْلِ أصْحَابِ الإفْكِ، لا أشْعُرُ بشيءٍ مِن ذلكَ، وهو يَرِيبُنِي في وجَعِي أنِّي لا أعْرِفُ مِن رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ اللُّطْفَ الذي كُنْتُ أرَى منه حِينَ أشْتَكِي، إنَّما يَدْخُلُ عَلَيَّ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فيُسَلِّمُ، ثُمَّ يقولُ: كيفَ تِيكُمْ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ، فَذلكَ يَرِيبُنِي ولَا أشْعُرُ بالشَّرِّ، حتَّى خَرَجْتُ حِينَ نَقَهْتُ، فَخَرَجْتُ مع أُمِّ مِسْطَحٍ قِبَلَ المَنَاصِعِ، وكانَ مُتَبَرَّزَنَا، وكُنَّا لا نَخْرُجُ إلَّا لَيْلًا إلى لَيْلٍ، وذلكَ قَبْلَ أنْ نَتَّخِذَ الكُنُفَ قَرِيبًا مِن بُيُوتِنَا، قالَتْ: وأَمْرُنَا أمْرُ العَرَبِ الأُوَلِ في البَرِّيَّةِ قِبَلَ الغَائِطِ، وكُنَّا نَتَأَذَّى بالكُنُفِ أنْ نَتَّخِذَهَا عِنْدَ بُيُوتِنَا، قالَتْ: فَانْطَلَقْتُ أنَا وأُمُّ مِسْطَحٍ، وهي ابْنَةُ أبِي رُهْمِ بنِ المُطَّلِبِ بنِ عبدِ مَنَافٍ، وأُمُّهَا بنْتُ صَخْرِ بنِ عَامِرٍ، خَالَةُ أبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وابنُهَا مِسْطَحُ بنُ أُثَاثَةَ بنِ عَبَّادِ بنِ المُطَّلِبِ، فأقْبَلْتُ أنَا وأُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ بَيْتي حِينَ فَرَغْنَا مِن شَأْنِنَا، فَعَثَرَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ في مِرْطِهَا فَقالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ، فَقُلتُ لَهَا: بئْسَ ما قُلْتِ، أتَسُبِّينَ رَجُلًا شَهِدَ بَدْرًا؟ فَقالَتْ: أيْ هَنْتَاهْ ولَمْ تَسْمَعِي ما قالَ؟ قالَتْ: وقُلتُ: ما قالَ؟ فأخْبَرَتْنِي بقَوْلِ أهْلِ الإفْكِ، قالَتْ: فَازْدَدْتُ مَرَضًا علَى مَرَضِي، فَلَمَّا رَجَعْتُ إلى بَيْتي دَخَلَ عَلَيَّ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَسَلَّمَ، ثُمَّ قالَ: كيفَ تِيكُمْ، فَقُلتُ له: أتَأْذَنُ لي أنْ آتِيَ أبَوَيَّ؟ قالَتْ: وأُرِيدُ أنْ أسْتَيْقِنَ الخَبَرَ مِن قِبَلِهِمَا، قالَتْ: فأذِنَ لي رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقُلتُ لِأُمِّي: يا أُمَّتَاهُ، مَاذَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ؟ قالَتْ: يا بُنَيَّةُ، هَوِّنِي عَلَيْكِ، فَوَاللَّهِ لَقَلَّما كَانَتِ امْرَأَةٌ قَطُّ وضِيئَةً عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا، لَهَا ضَرَائِرُ، إلَّا كَثَّرْنَ عَلَيْهَا، قالَتْ: فَقُلتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، أوَلقَدْ تَحَدَّثَ النَّاسُ بهذا؟ قالَتْ: فَبَكَيْتُ تِلكَ اللَّيْلَةَ حتَّى أصْبَحْتُ لا يَرْقَأُ لي دَمْعٌ ولَا أكْتَحِلُ بنَوْمٍ، ثُمَّ أصْبَحْتُ أبْكِي، قالَتْ: ودَعَا رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عَلِيَّ بنَ أبِي طَالِبٍ وأُسَامَةَ بنَ زَيْدٍ حِينَ اسْتَلْبَثَ الوَحْيُ، يَسْأَلُهُما ويَسْتَشِيرُهُما في فِرَاقِ أهْلِهِ، قالَتْ: فأمَّا أُسَامَةُ فأشَارَ علَى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالَّذِي يَعْلَمُ مِن بَرَاءَةِ أهْلِهِ، وبِالَّذِي يَعْلَمُ لهمْ في نَفْسِهِ، فَقالَ أُسَامَةُ: أهْلَكَ، ولَا نَعْلَمُ إلَّا خَيْرًا، وأَمَّا عَلِيٌّ فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، لَمْ يُضَيِّقِ اللَّهُ عَلَيْكَ، والنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ، وسَلِ الجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ، قالَتْ: فَدَعَا رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَرِيرَةَ، فَقالَ: أيْ بَرِيرَةُ، هلْ رَأَيْتِ مِن شيءٍ يَرِيبُكِ؟. قالَتْ له بَرِيرَةُ: والذي بَعَثَكَ بالحَقِّ، ما رَأَيْتُ عَلَيْهَا أمْرًا قَطُّ أغْمِصُهُ غيرَ أنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ، تَنَامُ عن عَجِينِ أهْلِهَا، فَتَأْتي الدَّاجِنُ فَتَأْكُلُهُ، قالَتْ: فَقَامَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن يَومِهِ فَاسْتَعْذَرَ مِن عبدِ اللَّهِ بنِ أُبَيٍّ، وهو علَى المِنْبَرِ، فَقالَ: يا مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ، مَن يَعْذِرُنِي مِن رَجُلٍ قدْ بَلَغَنِي عنْه أذَاهُ في أهْلِي، واللَّهِ ما عَلِمْتُ علَى أهْلِي إلَّا خَيْرًا، ولقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا ما عَلِمْتُ عليه إلَّا خَيْرًا، وما يَدْخُلُ علَى أهْلِي إلَّا مَعِي. قالَتْ: فَقَامَ سَعْدُ بنُ مُعَاذٍ أخُو بَنِي عبدِ الأشْهَلِ، فَقالَ : أنَا يا رَسولَ اللَّهِ أعْذِرُكَ، فإنْ كانَ مِنَ الأوْسِ ضَرَبْتُ عُنُقَهُ، وإنْ كانَ مِن إخْوَانِنَا مِنَ الخَزْرَجِ أمَرْتَنَا فَفَعَلْنَا أمْرَكَ، قالَتْ: فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الخَزْرَجِ، وكَانَتْ أُمُّ حَسَّانَ بنْتَ عَمِّهِ مِن فَخِذِهِ، وهو سَعْدُ بنُ عُبَادَةَ، وهو سَيِّدُ الخَزْرَجِ، قالَتْ: وكانَ قَبْلَ ذلكَ رَجُلًا صَالِحًا، ولَكِنِ احْتَمَلَتْهُ الحَمِيَّةُ، فَقالَ لِسَعْدٍ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ لا تَقْتُلُهُ، ولَا تَقْدِرُ علَى قَتْلِهِ، ولو كانَ مِن رَهْطِكَ ما أحْبَبْتَ أنْ يُقْتَلَ. فَقَامَ أُسَيْدُ بنُ حُضَيْرٍ، وهو ابنُ عَمِّ سَعْدٍ، فَقالَ لِسَعْدِ بنِ عُبَادَةَ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ لَنَقْتُلَنَّهُ، فإنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنِ المُنَافِقِينَ، قالَتْ: فَثَارَ الحَيَّانِ الأوْسُ، والخَزْرَجُ حتَّى هَمُّوا أنْ يَقْتَتِلُوا، ورَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قَائِمٌ علَى المِنْبَرِ، قالَتْ: فَلَمْ يَزَلْ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُخَفِّضُهُمْ، حتَّى سَكَتُوا وسَكَتَ، قالَتْ: فَبَكَيْتُ يَومِي ذلكَ كُلَّهُ لا يَرْقَأُ لي دَمْعٌ ولَا أكْتَحِلُ بنَوْمٍ، قالَتْ: وأَصْبَحَ أبَوَايَ عِندِي، وقدْ بَكَيْتُ لَيْلَتَيْنِ ويَوْمًا، لا يَرْقَأُ لي دَمْعٌ ولَا أكْتَحِلُ بنَوْمٍ، حتَّى إنِّي لَأَظُنُّ أنَّ البُكَاءَ فَالِقٌ كَبِدِي، فَبيْنَا أبَوَايَ جَالِسَانِ عِندِي وأَنَا أبْكِي، فَاسْتَأْذَنَتْ عَلَيَّ امْرَأَةٌ مِنَ الأنْصَارِ فأذِنْتُ لَهَا، فَجَلَسَتْ تَبْكِي مَعِي، قالَتْ: فَبيْنَا نَحْنُ علَى ذلكَ دَخَلَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عَلَيْنَا فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ، قالَتْ: ولَمْ يَجْلِسْ عِندِي مُنْذُ قيلَ ما قيلَ قَبْلَهَا، وقدْ لَبِثَ شَهْرًا لا يُوحَى إلَيْهِ في شَأْنِي بشيءٍ، قالَتْ: فَتَشَهَّدَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حِينَ جَلَسَ، ثُمَّ قالَ: أمَّا بَعْدُ، يا عَائِشَةُ، إنَّه بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وكَذَا، فإنْ كُنْتِ بَرِيئَةً، فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ، وإنْ كُنْتِ ألْمَمْتِ بذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وتُوبِي إلَيْهِ، فإنَّ العَبْدَ إذَا اعْتَرَفَ ثُمَّ تَابَ، تَابَ اللَّهُ عليه، قالَتْ: فَلَمَّا قَضَى رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَقالَتَهُ قَلَصَ دَمْعِي حتَّى ما أُحِسُّ منه قَطْرَةً، فَقُلتُ لأبِي: أجِبْ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عَنِّي فِيما قالَ: فَقالَ أبِي: واللَّهِ ما أدْرِي ما أقُولُ لِرَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقُلتُ لِأُمِّي: أجِيبِي رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فِيما قالَ: قالَتْ أُمِّي: واللَّهِ ما أدْرِي ما أقُولُ لِرَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقُلتُ: وأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ: لا أقْرَأُ مِنَ القُرْآنِ كَثِيرًا: إنِّي واللَّهِ لقَدْ عَلِمْتُ: لقَدْ سَمِعْتُمْ هذا الحَدِيثَ حتَّى اسْتَقَرَّ في أنْفُسِكُمْ وصَدَّقْتُمْ به، فَلَئِنْ قُلتُ لَكُمْ: إنِّي بَرِيئَةٌ، لا تُصَدِّقُونِي، ولَئِنِ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بأَمْرٍ، واللَّهُ يَعْلَمُ أنِّي منه بَرِيئَةٌ، لَتُصَدِّقُنِّي، فَوَاللَّهِ لا أجِدُ لي ولَكُمْ مَثَلًا إلَّا أبَا يُوسُفَ حِينَ قالَ: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ واللَّهُ المُسْتَعَانُ علَى ما تَصِفُونَ} ثُمَّ تَحَوَّلْتُ واضْطَجَعْتُ علَى فِرَاشِي، واللَّهُ يَعْلَمُ أنِّي حِينَئِذٍ بَرِيئَةٌ، وأنَّ اللَّهَ مُبَرِّئِي ببَرَاءَتِي، ولَكِنْ واللَّهِ ما كُنْتُ أظُنُّ أنَّ اللَّهَ مُنْزِلٌ في شَأْنِي وحْيًا يُتْلَى، لَشَأْنِي في نَفْسِي كانَ أحْقَرَ مِن أنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ فِيَّ بأَمْرٍ، ولَكِنْ كُنْتُ أرْجُو أنْ يَرَى رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللَّهُ بهَا، فَوَاللَّهِ ما رَامَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَجْلِسَهُ، ولَا خَرَجَ أحَدٌ مِن أهْلِ البَيْتِ، حتَّى أُنْزِلَ عليه، فأخَذَهُ ما كانَ يَأْخُذُهُ مِنَ البُرَحَاءِ، حتَّى إنَّه لَيَتَحَدَّرُ منه مِنَ العَرَقِ مِثْلُ الجُمَانِ، وهو في يَومٍ شَاتٍ مِن ثِقَلِ القَوْلِ الذي أُنْزِلَ عليه، قالَتْ: فَسُرِّيَ عن رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو يَضْحَكُ، فَكَانَتْ أوَّلَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بهَا أنْ قالَ: يا عَائِشَةُ، أمَّا اللَّهُ فقَدْ بَرَّأَكِ. قالَتْ: فَقالَتْ لي أُمِّي: قُومِي إلَيْهِ، فَقُلتُ: واللَّهِ لا أقُومُ إلَيْهِ، فإنِّي لا أحْمَدُ إلَّا اللَّهَ عزَّ وجلَّ، قالَتْ: وأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنكُمْ} العَشْرَ الآيَاتِ، ثُمَّ أنْزَلَ اللَّهُ هذا في بَرَاءَتِي، قالَ أبو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: وكانَ يُنْفِقُ علَى مِسْطَحِ بنِ أُثَاثَةَ لِقَرَابَتِهِ منه وفَقْرِهِ: واللَّهِ لا أُنْفِقُ علَى مِسْطَحٍ شيئًا أبَدًا، بَعْدَ الذي قالَ لِعَائِشَةَ ما قالَ، فأنْزَلَ اللَّهُ: {وَلَا يَأْتَلِ أُولو الفَضْلِ مِنكُمْ} - إلى قَوْلِهِ - {غَفُورٌ رَحِيمٌ}، قالَ أبو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: بَلَى واللَّهِ إنِّي لَأُحِبُّ أنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي، فَرَجَعَ إلى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتي كانَ يُنْفِقُ عليه، وقالَ: واللَّهِ لا أنْزِعُهَا منه أبَدًا، قالَتْ عَائِشَةُ: وكانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سَأَلَ زَيْنَبَ بنْتَ جَحْشٍ عن أمْرِي، فَقالَ لِزَيْنَبَ: مَاذَا عَلِمْتِ، أوْ رَأَيْتِ. فَقالَتْ: يا رَسولَ اللَّهِ أحْمِي سَمْعِي وبَصَرِي، واللَّهِ ما عَلِمْتُ إلَّا خَيْرًا، قالَتْ عَائِشَةُ: وهي الَّتي كَانَتْ تُسَامِينِي مِن أزْوَاجِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَعَصَمَهَا اللَّهُ بالوَرَعِ، قالَتْ: وطَفِقَتْ أُخْتُهَا حَمْنَةُ تُحَارِبُ لَهَا، فَهَلَكَتْ، فِيمَن هَلَكَ قالَ ابنُ شِهَابٍ: فَهذا الذي بَلَغَنِي مِن حَديثِ هَؤُلَاءِ الرَّهْطِ ثُمَّ قالَ عُرْوَةُ، قالَتْ عَائِشَةُ: واللَّهِ إنَّ الرَّجُلَ الذي قيلَ له ما قيلَ لَيقولُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ ما كَشَفْتُ مِن كَنَفِ أُنْثَى قَطُّ، قالَتْ: ثُمَّ قُتِلَ بَعْدَ ذلكَ في سَبيلِ اللَّهِ[1].

هذا حديث صحيح، رواه الإمام البخاري رحمه الله تعالى، ويحكي لنا حديثا تقشعر من ذكره القلوب والأبدان، وليس أحدهما وحده! وذلك لأنه يروي لنا قصة الصدق، في ثوب الصدق نفسه!! وبحيث إنك لست بواجد منه إلا ذكرا لحديث، قد تربع صدقا في دلالته، وكما قد تبوأ صدقا من روايته، وإذ لا علاقة بينه وبين غيره من أحاديث- ولو من طرف- إلا حديث الصدق وحده!!

ولست بسالك مسالك، وإلا كمثل أفذاذ سبقوا، وإذ لست مضيفا إلى علمهم علما، سوى ما يعد ظلالا لما حفلت به الكثير من أحاديث الناس، وإذ قد استعصت حصرا، وما ذاك إلا لاهتمامهم بشأن رد كيد كل ذي كيد إلى نحره، فرحمهم الله تعالى جميعا أحياء وأمواتا.

وإنما سوف أسلك سبيلا، تكون محطاته هي نفس محطات الأفذاذ الآخرين، وإن من زاوية أخرى، وليقبل قارئ كريم دعوتي أن يصاحبني رحلة، سيألف منها قولا رشيدا، وصوابا ورأيا سديدا، وليأخذن بلبه أخذا! وإذ نحن جميعا شركاء هما واحدا، هو ذلكم الذود عن حياض ديننا الحنيف، ولما كان هو الإسلام ﴿مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾[آل عمران: 95].

ولئن كان من حظنا، ولئن وقع من نصيبنا، أن نلوذ بحياض الدفع عن سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وإذ كان ذلك من أقل واجب، ندين به نحو ربنا العلي الأعلى سبحانه، ونحو ديننا، ومنه تجاه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم،  وإذ كان ذلكم كذلك نحو آل بيته صلى الله عليه وسلم أيضا.

* * *

﴿لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ﴾!

وإذ كان ذلك جريا وراء نظم القرآن المجيد، وإذ جعل ذلكم الحدث العالمي خيرا لنا كلنا، وإذ كان هو نفسه لا سبب خير وحسب، بل هو الخير نفسه!! وهذا تعبير جليل القدر، عظيم الأثر، وحين تسري منه قشعريرة في سائر عروق العباد، وإذ كان هذا التأثير القرآني المجيد في أوصالهم جميعها أيضا! وإذ كان من حسن ظنهم بربهم أنه تعالى ليس يقدر في ملكوته الواسع العريض، إلا شأن الخير كله، ولعل هذا هو مصداق قول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من حديث صهيب بن سنان الرومي: عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له[2].

وإذ كان خيرا كله، وذلك ما يقدره الرب الرحيم لعبده، إلا أنه صرف عنه كل سوء، وإلا أنه محا عنه كل شر، يمكن ورود معنى له في قواميس الألفاظ، وحين قال تعالى: ﴿لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ﴾! وهذا أيضا في تعبير رباني حان لطيف، يأخذ بمجامع العبيد أيضا، وإذ كان من لطفه تعالى أن جعل حديث الإفك منفكا عن كل شر، ممكن تخيله، وفي ذات الوقت متضمنا لمعاني الخير كله، فجمع بين إثبات الخير كله، ونفي نقيضه كله، وهو الشر كله أيضا!! وباستعمال حرف الابتداء بل، وما يحمله من إضراب كلي عن الشر كله، بل ليس إضرابا وحسب، وإنما إبطالا له ولمعناه ولأثره معا! وإلى إقبال كلي على الخير كله أيضا! لا إثباتا له وحسب، وإنما إثباتا لمعانيه وآثارها أيضا، وهذه من لفتات القرآن العظيم، الموجبة علما يسري لأداء مهمات التذكر والاعتبار الأعلى، وفي أعلى معانيها أيضا!

قال الله تعالى﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ ۚ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ ۚ وَالَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾[النور:11].

* * *

تعدد روايات حديث الإفك وأثره: وإذ قال ابن إسحاق رحمه الله تعالى: حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن عائشة وعبد الله بن أبي بكر عن عمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة عن نفسها حين قال فيها أهل الإفك ما قالوا.[3].

وهذان طريقان جاءنا منهما حديث الإفك المشهور، وإذ قد تضمن كل طريق اثنين منفصلين، وحيث كان الأول من طريق عبد الله بن الزبير عن أبيه، وهذان اثنان، وحيث كان الثاني من طريق عبد الله بن أبي بكر عن عمرة بنت عبد الرحمن، وهذان اثنان آخران أيضا، وكلا الطريقين عن عائشة رضي الله تعالى عنها، فصار الرواة من ههنا أربعة، ويحال تواطؤهم جميعا على الكذب، كما يحال تواطؤهم على الصدق! سوى أنهم قد تربوا على مائدة الحق، وفي الصدر الأول منه، وبالتالي فيكون كل واحد منهم صادقا منفردا عن غيره، فكان خبره وحده قول الحق الذي فيه يمترون، وحين نجمع كل صدق إلى صدق مثله، فسنحصل على صدق مضاعف مركب، ليس يكون أمامنا معه سوى التصديق، ولأن هذا كان حديث الشارع في محيطه، وإذ كان هذا الانتشار وحده آية عظمى!!!

ولأن ألسنة كثيرة ستتناوله، مما يعنى إخراجه في قالبه الذي وقع به، وبحيث يسجل التاريخ شهادات مؤتلفة لا مختلفة، وبما رآه رأي عينه تماما، وبلا محاباة لأحد كائنا من كان هذا الأحد، ولأن التاريخ وظيفته كشف النقاب عن الحقائق؛ لتبدو جلية مجلاة ناصعة بيضاء بادية، لا خفاء فيها، ولو بوجه!!!

فعن الزهري: وكل قد حدثني بهذا الحديث، وبعض القوم كان أوعى له من بعض، وقد جمعت كل الذي حدثني القوم[4].

و"هذا الذي ذكره الزهري من جمعه الحديث عنهم جائز لا منع منه، ولا كراهة فيه، لأنه قد بيّن أن بعض الحديث عن بعضهم، وبعضه عن بعضهم، وهؤلاء الأربعة أئمة حفاظ ثقات من أجلِّ التابعين، فإذا ترددت اللفظة من هذا الحديث بين كونها عن هذا أو ذاك لم يضرّ، وجاز الاحتجاج بها لأنهما ثقتان، وقد اتفق العلماء على أنه لو قال حدثني زيد أو عمرو وهما ثقتان معروفان بالثقة عند المخاطب جاز الاحتجاج به" [5].

وقال البخاري رحمه الله تعالى: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح عن ابن شهاب قال حدثني عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب وعلقمة بن وقاص وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين قال لها أهل الإفك ما قالوا، وكلهم حدثني طائفة من حديثها، وبعضهم كان أوعى لحديثها من بعض، وأثبت له اقتصاصا، وقد وعيت عن كل رجل منهم الحديث الذي حدثني عن عائشة، وبعض حديثهم يصدق بعضا، وإن كان بعضهم أوعى له من بعض. [6].

وهؤلاء أربعة أخرون عن ابن شهاب قد رووا حديث الإفك، مما كان مجموعهم ثمانية، وجميعهم عن عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها، ونعيد التأكيد مرة أخرى، أن هذا الرهط يحال تواطؤهم على الكذب؛ ولعدالتهم وضبطهم، وكما اشتهروا به لدى أئمة هذا الفن.

فكل قد دخل في حديثها عن هؤلاء جميعا، يحدث بعضهم ما لم يحدث صاحبه نصا، ولو من وجه، وكل كان عنها ثقة، فكلهم حدث عنها، بما سمع[7].

هذا؛ "ومعنى هذا أن الرجل إذا جمع بين حديث جماعة وساق الحديث سياقة واحدة فالظاهر أن لفظهم لم يتفق، فلا يقبل هذا الجمع إلا من حافظ متقن لحديث، يعرف اتفاق شيوخه واختلافهم كما كان الزهري يجمع بين شيوخ له في حديث الإفك وغيره".[8].

* * *

وحدة موضوع حديث الإفك وإن تعددت رواياته: وهذا الذي ذكره التاريخ، توكيدا لذكر حديث الإفك! والذي منه يحال تغاير الحق الذي جاء به، ولأن صاحبة البلوى فيه قد ذكرت حديثها غيرة مرة، وأنبأت به عدة مرات: مرة لأبيها، وأخرى لأمها، وثالثة لزوجها نبينا صلى الله عليه وسلم، ولعل غيرها...، ويحال عليها أن تحفظ ما قالته نصا كل مرة، وكما يقع من آحاد الناس، وحين يقصص قصته غير مرة، فإنك لا بد واقف على نبرة صوتية هنا، وعلى أخرى هناك! ولئن كان يحال الخلاف بين مضمون كل حديث سبق عنها أو عن غيرها في مثل ما حكينا وقررنا.

وذلك مقتضاه أن يكون تعدد الحق الذي ورد مستويا على حظه من التوكيد، وليتكون من مجموع ذلك سفر، يوضع أمام وجانب ما يشبه التحقيق النيابي، الذي أفرز من خلاله أن يكون القاضي ملما بأوراق الدعوى المختلفة، ومن ثم ليصدر حكمه التاريخي النهائي البات، وهو ذلكم الذي تركه لنا التاريخ؛ لنعيش على أمجاده مغربلا بغرابيل الحق، لا غربالا واحدا!!!

زكاء نفوس وطهارة قلوب: إن قوما خرجوا يوم غزوة بني المصطلق، وإذ كان مبتغاهم فيها الجنة، لم يكن لديهم ذلكم الذي أفك الأفاكون إفكه! ولأن كل واحد منهم ما أخرجه إلا ذلكم الاهتمام العالي بمعالي الأمور، وخاصة أنهم رجعوا بفيء عظيم، كان منه نساء بني المصطلق!!! وبالتالي فيحيل العقل على مثل وضعهم هذا أن يروح تفكير أحدهم لحرام! وهذا هو الحلال الطيب بين أيديهم! وصبر عليه ريثما يوزعه نبيهم صلى الله عليه وسلم، هو ذلكم الفارق الزمني بين شهوة حلال منتظرة، وبين شهوة حرام يحال على من كان في وضعهم يومهم هذا أن يقوده شيطانه إليها، ولو كلمح بصر، ولو خاطرة نفس أمارة!!! والذي منه أيضاً وكانوا يعرفون، كما يعرف العقلاء، أن لوثة من هذا النوع من السيرة تظل لصيقة بصاحبها وما ولد! ما بقي التاريخ يسجل! والتاريخ باق مسجلا أبداً!!!

هذا؛ وقد زُعِمَ أن تأخر صفوان بن المعطل عن القوم يوم بني المصطلق كان لحاجة في نفسه! وهذا قول معرى عن كل صدق، وكما أنه متلبس بكل كذب، ومكتنف بسائر الشك والريب!

وهذا هو قول عائشة، ولم يكذبها التاريخ في شهادتها تلك، فدل على صدقها فيها: واللَّهِ إنَّ الرَّجُلَ الذي قيلَ له ما قيلَ لَيقولُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، فَوَ الَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ ما كَشَفْتُ مِن كَنَفِ أُنْثَى قَطُّ، قالَتْ: ثُمَّ قُتِلَ بَعْدَ ذلكَ في سَبيلِ اللَّهِ.

و" قالت فبلغ الأمر ذلك الرجل فقال سبحان الله والله ما كشفت كنف أنثى قط أي ما جامعتها والكنف بفتحتين الثوب الساتر ومنه قولهم أنت في كنف الله أي في ستره والجمع بينه وبين حديث أبي سعيد على ما ذكر القرطبي أن مراده بقوله ما كشفت كنف أنثى قط أي بزنا قلت وفيه نظر لأن في رواية سعيد بن أبي هلال عن هشام بن عروة في قصة الإفك أن الرجل الذي قيل فيه ما قيل لما بلغه الحديث قال والله ما أصبت امرأة قط حلالا ولا حراما وفي حديث بن عباس عند الطبراني وكان لا يقرب النساء فالذي يظهر أن مراده بالنفي المذكور ما قبل هذه القصة ولا مانع أن يتزوج بعد ذلك فهذا الجمع لا اعتراض عليه إلا بما جاء عن بن إسحاق أنه كان حصورا لكنه لم يثبت فلا يعارض الحديث الصحيح "[9].

ولئن قيل وما سبب تأخره يومها؟ قلت: قال ابن شهاب: والله إن الرجل الذي قيل له ما قيل، ليقول: سبحان الله، فو الذي نفسي بيده ما كشفت من كنَفِ أنثى قط، وأن سبب تأخره الصحيح، هو أنه يتتبع ما يسقط من الجيش مما يخفيه الليل[10].

سياج منيع وحصن حصين: إن الناس يرون بأم أعينهم كيف يكون انتقال زوجات السلاطين!!! وكل منهم يشعر من نفسه حارسا على إحداهن، إن كان في فرق الحراسة المباشرة، أو كأنه يرقب ومن بعيد، ذلكم السياج الحصين، مما كان منه عيون ساهرة على حرم الرئيس!!! ويحال مع وضع كهذا أن يتخلل لأحدهم إفك أو قريباً منه!!! أو أن يتخللها هي الأخرى إفك أو طرفة عين منه أيضا!! وخاصة أننا نرى بأعين رؤوسنا كيف هي تحركات زوجة الرئيس!! وإذ كل العيون عليها، ومن منزلها الذي خرجت منه، وإلى أن تعود إلى عشها مرة أخرى! وهذا عرف جار ما جرى تاريخ، وعلى اختلاف تمليه طبيعة البيئات المصاحبة للحدث لا أكثر !!

عمر الصديقة الصغير وتربيتها يتأبيان عن نقيصة: كان عمر عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها أربعة عشر عاما يوم بني المصطلق!!! وهذا عمر طفولة بريء طاهر، ويشهد واقع الأحوال أن صاحبة عمر كهذا يحال أن تفكر في إثم أو يخاللها ظله!! لا سيما والحال أنها ربيت في محاضن العفة كبيت أبيها أبي بكر!! وتزوجت في محاضن العفة والستر كبيت النبي الكريم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم!! وهذان الأمران يمثلان وإن جاز التعبير شهادتي حسن سير وسلوك لحقها رضي الله تعالى عنها.

وانظر قول بريرة الجارية! وحين ناداها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: أيْ بَرِيرَةُ، هلْ رَأَيْتِ مِن شيءٍ يَرِيبُكِ؟. قالَتْ له بَرِيرَةُ: والذي بَعَثَكَ بالحَقِّ، ما رَأَيْتُ عَلَيْهَا أمْرًا قَطُّ أغْمِصُهُ غيرَ أنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ، تَنَامُ عن عَجِينِ أهْلِهَا، فَتَأْتي الدَّاجِنُ فَتَأْكُلُهُ!!!

وأقول: إن شرف الانتساب إلي بيت النبوة أمر ذو بال، وتعرف ذلك أمهات المؤمنين، وكما يعرف ذلك غيرهن، والذي منه يكون الحرص الشديد ألا تلاك سمعة إحداهن ولو بريب أو في جزء منه! ولأن ذلك سوف يكون ثمنه خلع صفة أمهات المؤمنين، وإذ كان وساما على صدورهن جميعهن، وبالتالي كان هذا هو جواز مرورهن- وإن جاز التعبير- على الجنة دارا لخلودهن ونعيمهن.

وإن أنفة طبعية تمتزج بها نفوسهن الطاهرة، وألا يخالجهن منه شيء مما تلاسن به من تلاسن!

* * *

﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾: إذ وكيف كنا سنفهم، وعلى أي وجه كان ذا فهمنا لقوله تعالى﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾]الأحزاب:33]. ولو لم يكنّْ- كلهن- طاهرات مطهرات، وبحكم السماء، وقول رب الأرضين السبع والسماوات السبع، العلي الأعلى سبحانه؟!

مقتضى الطعن في أمهات المؤمنين: إن وحلا أصاب الخائضين في إفكهم، ليس كان ذاك الذي ألم بهم وحده، وحين كان إفكهم من مقتضى الطعن في خبر السماء نفسه! ولعل خبيئة قلوبهم ههنا؛ وليكشف القرآن المجيد عوارها، وحين يتنزل كشفا لحقائق، كانت منشأة تنشئةً، وإنما أكدها، وبعث فجرها من جديد، وكأنما كل حين، ما بقي قرآن يتلى، وإلى يوم الدين!!

* * *

الحقائق التاريخية أدلة قاطعة: ذكر التاريخ ولا مراء في ذكره، أن عائشة كانت خفيفة، مما يستوي معه حملها في الهودج أم غير حملها فيه!!! وهذه حقيقة تاريخية، بمثابة دليل إثبات قاطع، في أوراق الدعوى؛ لأنها حين تركت فكان القصد الجنائي منتفيا، ولتسقط الدعوى من سببه تلقائيا، ولأنه ركنها، ومن حيث لا ركن فلا مركون به أو عليه! ولا سيما والحال كما ذكر منضافا إليه ذلكم الجيل الذي كانت تعرف بهم نسائم عفتهم وطهارتهم و تقواهم، ليس من باب إلا مما سجله التاريخ في صحيفة كل واحد منهم على حده!!! وخاصة الخصوص أولاء أصحاب الواقعة كلها، فما ذكر التاريخ عنهم إلا صحائف لا بيضاء فحسب، بل كان البياض عنوانا لها!!!

انعدام الأدلة الجنائية: في أعراف التحقيق النيابي الجنائي يقولون: إن مسرح الجريمة غدق بأدلة الإثبات المتضافرة!! وبقي على المحقق الماهر كيفية استلابها من زقاقها، وحاراتها المتشعبة، والمتقابلة، والمتداخلة، والمتعامدة، والمتوازية والمتخالفة، والمتعاكسة، والمتحالفة، والمتوافقة، والمتراصة جنبا إلى جنب، وعلى هيئة خيوط داهمها التمويه مرة هنا وأخرى هناك! وإذ لم يذكر لنا التاريخ عن أحدهم قولا واحدا، تطمئن إليه محكمة العدل العليا، وإلا ما يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى!!!

والشأن أنهم متفقون على بقاء أدلة الإثبات، وعلى مسرح الجريمة، ويحال على مجموعة المحققين التاريخيين أن يفوتهم بصيصها، أو ألا يحالفهم حظهم، والفرض أنهم أولاء المصطفين الأفذاذ لمثل هكذا قضية! وحالَ إثباتِ ولو طرف منها لسقط الدِّين كله، ولم تكن لتقوم له قائمته، التي يتربع على عرشها الآن، وكل آن آخر، فضلا من ربنا العزيز الغالب المتعال سبحانه! وإذ حرص الشيطان أن يلعب فيها الدور الرئيس، والذين كانوا حريصين ولا زالوا للظفر بمجد؛ لتحقيق سبق تحقيقي، يكتب في صحائفهم مجدا لهم، وهذا هو التاريخ لم يذكر سبقا ولو واحدا أيضا، لواحد من هؤلاء جماعتهم وفرادى!! فدلت وقائع الدعوى خلوها من دليل إثبات واحد يشهد لصحتها، وبالتالي فليس أمام القاضي إلا حكمه بالبراءة حكما نهائيا باتا!! وهو ما توافق فيه السرد التاريخي مع التنزيل الإلهي، والذي ما عهد عنه إلا ذكر الحقائق مجردة عن شخوصها، ولو كان نبيا رسولا!!!

إن الشأن في التحقيق النيابي، أنه يتكرر بين فينة وأخرى، من نفس أشخاص التحقيق الابتدائي أو غيرهم، وبتنوع يحفظ له جديته، وحين يتفاجأ المتهم بكيل من الاستجوابات التي لا تخطر له على بال!! والتي يمكن استلال الحقيقة بها من أقواله المتعارضة أو المبهمة، والتي بها يصل المحقق إلى خيط، يسوقه إلى تحقيق مجد نيابي، لطالما سهر الليالي من أجله، وهذه هي أقوال الصديقة بنت الصديق رضي الله تعالى عنها، وقد سيقت غيرة مرة، وعلى صغر سنها، فلم يجد المحققون ثغرة- ولو كشعرة- ينفذون من خلالها إلى فوز بسبق تحقيقي نيابي جنائي!!!

ضمير الجمع وأثره في الدعوى! وإذ قالت عائشة أم المؤمنين: وكان النساءُ إذ ذاك يَأْكُلْنَ العَلَقَ، لم يَهِجْهُنَّ اللحمُ فيَثْقُلْنَ، وكنا إذا رَحَل لي بَعِيرِي جَلَسْتُ في هَوْدَجِي، ثم يأتي القومُ فيَحْمِلُونَنِي يأخذونَ بأَسْفَلِ الْهَوْدَجِ فيَرْفَعُونَه، ثم يَضَعُونَه على ظَهْرِ البَعِيرِ ويَشُدُّونَه بالحِبالِ وبَعْدَئِذٍ يَنْطَلِقُونَ[11]. هكذا جاءت أقوال المتهمة بلفظ الجمع، ودلك عليه ضمير الرفع المتصل- واو الجماعة- في الأفعال: (فيحملونني، ويأخذون، فيرفعونه فيضعونه، فيشدونه، يأخذون)!!!؛ ولأنه يمكن للمحقق الماهر استلال الحقيقة من تضارب الأقوال في وقائع الدعوى- إن وجد- ، ومن أقوالهم جميعا أيضاً، وهو واقع لا محالة!!! ولما لم يجد التاريخ لذلكم ولو ثغرة، ولو كشعرة! فكان حكمه النهائي البات في الدعوى لصالح المتهمة البريئة! وحين برأها ربها من عليائه، وحين وفت السماء بسرعة براءتها، وحين لزمت بيتها، وفوضت إلى الله أمرها، وحين كان ذلك يقينها بربها، وألا يتركها هملا؛ ليخوض الخائضون، وإنما نزل ببرهان قاطع، ودليل ساطع، كفى به أنه كان إفكا، وكما قال تعالى ﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ ۚ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ ۚ وَالَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾!!

* * *

وإذ قالت عائشة: فلما فرغ رسول الله ﷺ من سفره ذلك، وجه قافلا حتى إذا كان قريبا من المدينة نزل منزلا فبات به بعض الليل، ثم أذن مؤذن في الناس بالرحيل، فارتحل الناس وخرجت لبعض حاجتي، وفي عنقي عقد لي فيه جزع ظفار، فلما فرغت انسل من عنقي ولا أدري، فلما رجعت إلى الرحل ذهبت ألتمسه في عنقي فلم أجده، وقد أخذ الناس في الرحيل، فرجعت إلى مكاني الذي ذهبت إليه فالتمسته حتى وجدته[12]. وهذه سياقات تحكي الصدق، وكأنما تراه عيونا تجري غدائرها، ولا تحكي سواه، ولأنها كما ترى سليقة بريئة، وكبراءة الذئب من دم يوسف بن يعقوب عليهما السلام.

وهذا أيضا حكي لنا قصة البراءة في أطراف الدعوى المختلفة.

شهادة الشهود: قالَتْ عَائِشَةُ: وكانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سَأَلَ زَيْنَبَ بنْتَ جَحْشٍ عن أمْرِي، فَقالَ لِزَيْنَبَ: مَاذَا عَلِمْتِ، أوْ رَأَيْتِ. فَقالَتْ: يا رَسولَ اللَّهِ أحْمِي سَمْعِي وبَصَرِي، واللَّهِ ما عَلِمْتُ إلَّا خَيْرًا، قالَتْ عَائِشَةُ: وهي الَّتي كَانَتْ تُسَامِينِي مِن أزْوَاجِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَعَصَمَهَا اللَّهُ بالوَرَعِ، قالَتْ: وطَفِقَتْ أُخْتُهَا حَمْنَةُ تُحَارِبُ لَهَا، فَهَلَكَتْ.

ومهما يكن من أمر فقد نزلت براءتها من السماء.

ومهما يكن من أمر أيضا فقد تحلى نبينا صلى الله عليه وسلم بأروع مقامات الصبر والحكمة في مواجهة أمر ضار كهذا، والتزم أدبا علمه إياه ربه، وحين تحلى بحلم   عز، وبهذا المستوى الرفيع السامق، إلا فيه صلى الله عليه وسلم، وحين انتظر براءة السماء لزوج كانت أحب أزواجه إليه صلى الله عليه وسلم.

* * *

قالَتْ أم عائشة: يا بُنَيَّةُ، هَوِّنِي عَلَيْكِ، فَوَ اللَّهِ لَقَلَّما كَانَتِ امْرَأَةٌ قَطُّ وضِيئَةً عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا، لَهَا ضَرَائِرُ، إلَّا كَثَّرْنَ عَلَيْهَا،:هذا ربت أم حانية على ابنتها، وحين وقوع ابتلاء؛ تخفيفا وترويحا وإذهابا لبعض ما ألم بها، وهذا عامل نفسي عظيم، يؤتي أكله وأمام حملات التشهير المقابلة الضارية، والتي لا ينفك عنها العاملون في حقل ما، ولاسيما حقل العمل الإسلامي، والقائم على مراعاة مشاعر الناس لدرجة عالية، ومن بعد كفر بالطاغوت وإيمان بالله تعالى العلي العظيم، وهذان أساسان جنبا إلى جنب مع منظومة الأخلاق الحسنة في ديننا؛ ولتقوم عليها من قديم ركائز هذا الدين المجيد، فهذه يد تحمل بوتقات العقيدة والتوحيد الخالص لله تعالى وإفراده تعالى بهذا التوحيد والنذارة عن الشرك والبراء منه وأهله، وهذه يد أخرى تحمل قناديل نور الخلق الحسن المجيد، وليبدو بها المسلم منارة خير وعطاء، يمد يد السماحة من دينه، ولأننا لن نسع الناس بأموالنا، وقدر أن نسعهم بحسن أخلاقنا، وهذا هدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وكما روى أبو هريرة: إنكم لا تَسَعُونَ الناسَ بأموالِكم، فَلْيَسَعْهُم منكم بَسْطُ الوَجهِ، وحُسْنُ الخُلُقِ[13].

* * *

وإذ قال نبينا صلى الله عليه وسلم: يا مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ، مَن يَعْذِرُنِي مِن رَجُلٍ قدْ بَلَغَنِي عنْه أذَاهُ في أهْلِي، واللَّهِ ما عَلِمْتُ علَى أهْلِي إلَّا خَيْرًا، ولقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا ما عَلِمْتُ عليه إلَّا خَيْرًا، وما يَدْخُلُ علَى أهْلِي إلَّا مَعِي: وهذا نصيب العاملين، وهذا قدر المخلصين، لا تفتأ تهدأ عاصفة النيل منهم، ما أصروا على تقديم الخير للناس، وبدل أن يشكروا، وإذ بهم ينكل بهم، وحين لم يريدوا إلا الإصلاح لمن فسد، وإلا الهدى لمن ضل، وإلا الرشاد لمن غوى، وهذه منظومة عصية على الفهم! غير التسليم بأنها موجودة وجود ابن آدم على ظهر البسيطة!

ولعل النيل كان من حاملي مشاعل الخير للناس كان زادا للناس أن يصروا على نور يبعثوه رسالة محبة، ورسالة أخرى كان مفادها الإصرار على رش قطرات الندى، وعلى وجوههم، وإن خالفوا، وإن ضيقوا؛ ولأن نخلة ترمي بالحجر!!

* * *

مفارقة بين حمنة بنت جحش وزينب بنت جحش!

وأما حمنة فأشاعت من ذلك ما أشاعت تضارني لأختها فشقيت بذلك: وإذ كانت قد تكونت جبهة إعلامية؛ لتصيد في مائها العكر، وحين تزعق ظانة أن طنين صراخها ذو أثر، وحين لم تعلم أن السماء تظلل دعاة الحق بسكينتها المعهودة، وأن ذلك هو وقود مشاعل الخير للناس، وفي وقت يوقن أصحاب الدعوات ان هذا الصراخ لا محالة خامد، وحين يحل ليل يرخي سدول سباته على الخيرين، وليصبحوا دعاة الحق من جديد، وإنما كان زادهم في عون السماء، ولئن شنع ابن أبي وحمنة بنت جحش أخت زينب بنت جحش! وحين لم ترع في زوج أختها ميثاق الشرف الاجتماعي، والذي حال إثبات شيء من ذلك لتنالن شرره حمنة! ولأنه يطاير إليها مما أعاب بيت أختها زينب! والذي تنهال بنوده بندا بندا وأمام نفوس غوت، وأكلت قلوبها نار تأجج!!!

ولأنه وحال إثبات شيء من ذلك، لتنالن شرره حمنة! ولأنه يطاير إليها مما أعاب بيت أختها زينب! وما حمنة عنه ببعيد! ولكنه هكذا وحين يرخي الجهل سدوله على حمنة فينسيها أصولا ويقعدها عن مروءات!

* * *

زعماء فتنة الإفك: تولى مسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش وبقيادة عبد الله بن أبي بن سلول كبر هجمة إعلامية شرسة على بيت نبينا صلى الله عليه وسلم في يوم إفكهم، وهذا شأن باعث على الخلود! وحين لم ينج منه قائد العالم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، فما بالك بمن هو دونه، وهذه بحد ذاتها تسلية ربانية عظمى، ورسالة أن هذا الدين ذو كلفة، وأن الابتلاء فيه سنة، وأن الإيذاء فيه تعالى ماض، وإلى قيام الساعة، وأن غير ذلك ليس من شأن دعوات التوحيد والعقيدة الثابتة فيه تعالى. وأن ثمنها هو ذلكم البأساء والضراء والزلزلة الشديدة، وأنه دون ذلك انطراح سلبي أمام ضوء خافت هافت، ﴿ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ ۗ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾  [النور:39]!

إن المرء ليعجب عجبه الشديد، وحين تجند امرأة نفسها لتحارب دينا أتاها بالهدى ودين الحق؛ ولأن المرأة من رقتها أنفة تجاه الشدة والنيل والكيد، وحين تخرج نفسها عن إلف طبيعتها إلى قسوة وعناد لا تزيداها إلا دفع ثمن غال! وحين تفقد أنوثتها الحانية الرقيقة، فتخسر دينا هداها، وتخسر حنوا يوما كساها! وهاك مثلا حمنة بنت جحش! وحين لم ترع في أختها زينب رحما، وحين تولت كبر إثم الإفك، مثلما فعل مسطح وابن سلول وكانا رجلين!!

إن تولي حمنة بنت جحش كبر يوم الإفك لا مبرر له؛ ولأنه لا ناقة لها فيه ولا جمل، اللهم إلا حنق على هذا الدين وحامليه، وهذا شأن آخر!! ولربما لو كانت أختها زينب قد ركبت هذه الموجة العاتية لكان هناك شبه مبرر، ولدافع الغيرة المشينة، وحين تخرج امرأة عن ضبط مشاعرها، ولكن لأن حدود العقيدة أقوى وأعلى وأسمى، فقد أكرمت بها زينب نفسها، وحين تزيت بزينة وقارها وسكينتها، ووقفت موقف الرشاد، وحين أثنت خيرا على ضرتها عائشة، وأمام زوجها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا إكبار حفظه لها التاريخ، وحين لا ينسى لكل صاحب خلة خلته، وحين لا يغفل أيضا لكل ذي زلة زلته! وإذ لا يغمض طرفا عن شفيع شفاعته.

وهكذا نرى كثيرا راكبي موجات التشهير بالحق وأهله، وها هم أولاء لا يعرفون حقا، ولا يعلمون أهله! وكأطرش الزفة! وإن هو إلا ضجيج الإعلام السلبي، وقد عمل فيهم! وإن هو إلا أخذ الصالحين بجريرة أنهم يريدون الإصلاح ما استطاعوا، ولئن كلموا من أهليهم! ولئن ثلموا من ذويهم! ولئن ضربوا من سجانيهم!

* * *

لاكت السنة كثيرة يوم الإفك، وكادت ريحها أن تقصف الجبهة، وأخذ كل يصول، وراح جل يجول، فهذا أسيد بن حضير يقول: يا رسول الله إن يكونوا من الأوس نكفيكهم، وإن يكونوا من إخواننا من الخزرج فمرنا أمرك، فو الله إنهم لأهل أن تضرب أعناقهم! وهذا سعد بن عبادة يقول لأسيد: كذبت لعمر الله ما تضرب أعناقهم، أما والله ما قلت هذه المقالة إلا أنك قد عرفت أنهم من الخزرج، ولو كانوا من قومك ما قلت هذا.

وليرد عليه أسيد بن حضير: كذبت لعمر الله، ولكنك منافق تجادل عن المنافقين. وهذا أسامة بن زيد يقول: يا رسول الله أهلك، وما نعلم منهم إلا خيرا، وهذا الكذب والباطل.

وهذا علي يقول: يا رسول الله إن النساء لكثير، وإنك لقادر على أن تستخلف، وسل الجارية فإنها ستصدقك.

شهادة بريرة كدليل إثبات البراءة ودليل نفي التهمة معا: وإذ وكأن كلمة لبريرة كانت بردا وسلاما! وحين ناداها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: أيْ بَرِيرَةُ، هلْ رَأَيْتِ مِن شيءٍ يَرِيبُكِ؟. قالَتْ له بَرِيرَةُ: والذي بَعَثَكَ بالحَقِّ، ما رَأَيْتُ عَلَيْهَا أمْرًا قَطُّ أغْمِصُهُ غيرَ أنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ، تَنَامُ عن عَجِينِ أهْلِهَا، فَتَأْتي الدَّاجِنُ فَتَأْكُلُهُ!!! وهذه إصابة امرأة جارية! وإذا قيست بحمنة بنت جحش، لغارت أرض حمنة بها؛ حياء حرة! لو كانت حرة! وأمام جارية!

وهكذا جعل الحق على ألسنة عباد لله، لو وزنوا بملئ الأرض ذهبا لرجحوا به! وقول بريرة هذا هو الذي تأيد به قولنا: إن هذه المسكينة المغبونة عائشة، وإن تزوجت إلا أنها كانت من الصغر والغبن ما يرفع عنها هذا، وكان حريا بمجتمعها أن يرحمها، ولعلمهم بها أكثر من علمنا عنها، وكبربرة رضي الله تعالى عنها!!

* * *

النبي الزوج الحاني وسط وطيس الفتنة! أمَّا بَعْدُ، يا عَائِشَةُ، إنَّه بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وكَذَا، فإنْ كُنْتِ بَرِيئَةً، فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ، وإنْ كُنْتِ ألْمَمْتِ بذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وتُوبِي إلَيْهِ، فإنَّ العَبْدَ إذَا اعْتَرَفَ ثُمَّ تَابَ، تَابَ اللَّهُ عليه: وهذه هي لمسات زوج حان، وحين تلبس بصبر، وحين تزيا بجلد، ومواجهة لهذا السيل العرمرم، والذي لو كان غيره فيه لكان في الأرض ما كان! لكن الحكمة ضالة المؤمن، وحين يربت على مبتلى، ولا يزيد من همه هما آخر؛ ليصير هما مضاعفا، ولربما ابتلعته أرضه به! ولكن هذا النبي ﷺ كان مأدبة عطاء، واستشرافا لتوبة ربه، وإن أسرف امرئ على نفسه، وإن زلت قدمه يوما، ولأن الله تعالى يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم. ولينسى حينئذ مشاعره الشخصية، ولئن كلمه كلمه، ولئن أصابه ثلمه، وليعود أدراجه وأهله معه إلى خيمة تظللها التقوى والبر والمغفرة والتوبة والتعلق بحبل الله، وهذا الاستشراف ربما كان ماء اكفأ نارا مؤججة، وحين جاءه من بعدها لطف مولاه ببراءة مغبونة، كانت تنام عن عجينها فتأكله الشاة!!!

استصغار النفس وأمام إعظام الرب الأعلى وأثره! ولَكِنْ واللَّهِ ما كُنْتُ أظُنُّ أنَّ اللَّهَ مُنْزِلٌ في شَأْنِي وحْيًا يُتْلَى، لَشَأْنِي في نَفْسِي كانَ أحْقَرَ مِن أنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ فِيَّ بأَمْرٍ، ولَكِنْ كُنْتُ أرْجُو أنْ يَرَى رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللَّهُ بهَا: وهكذا وحين يستصغر عبد نفسه أمام خالق نفسه، وليعظم ربه قدره؛ ولأن الجزاء من جنس العمل، وكما أكبر ربه، فيكبره ربه، وحين ينزل في عائشة قرآنا يتلى، ويصلى به! وهذا تعبير مغبونة، وكأنما نطق ملك بلسانها! ولأن ثقة العبد بربه تفعل معه الأفاعيل! فيقول أقوالا تنهد لها الجبال هدا قوة ورصانة وبلاغة وييانا، وحين يكون بحبل تعالى مستعصما، وذلك مواجهة أنه تعالى أبى إلا أن يذل من عصاه، وعلى قول الحسن البصري رحمه الله: إنهم وإن طقطقت بهم البغال ،وهملجت بهم البراذين ، إن ذل المعصية لا يفارق قلوبهم ، أبى الله إلا أن يذل من عصاه! ومنه قوله تعالى ﴿وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾[الحج: 18].

إن استشراف الفرج مؤذن بمجيئه، وإلى عند من استشرف قدومه! بل وزيادة! وانظر عائشة مثلا، وحين كان غاية مرادها أن يرى زوجها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في المنام رؤيا تبرؤها! إلا أنه تعالى أراها بنفسها وغيرها إلى يوم الدين أن الله تعالى مع البرآء، وأنه تعالى يؤيدهم بأكثر مما تاقت إليه نفوسهم، وكنزول قرآن يتلي ويصلى به في إعلان براءة الصديقة بنت الصديق! وهذا ما يجب ألا يغيب عن حس، ولا يغرب عن نظر، استشرافا، وكمثل عائشة!!

* * *

إن التأمل في حديث الإفك ليخرج أحدنا مقتنعا، وأيما قناعة بصدق راويته! وذلك لأنك تشعر بانسياب، وإنك لتلمس تزاحما، وأنك ترقب صدقا، ولايزال منسابا على الحديث، ومنه أطرافه كلها، وأن إحكاما في هذا الانسياب أحال معه كل شيء سوى الصدق، ومن جانب آخر فإن نظم الحديث لا تكاد تشعر فيه خلالا يمكن لهفوة أن تناله! وهذه كلها أمور مشاهدة، فإن الصادق وحين يتكلم يغمرك بصدقه الذي يصدق فيه، لست أنت وحدك، بل كل محيط به، أو سامع له، أو مستمع! وكاد الوجود كله حكاية صدقه، وكما وقع من هذا الحديث، ومنذ أربعة عشر قرنا، وإلى يوم الناس هذا، فما وجدت له عيبة، ولا التمست فيه نقيصة، وهو على دربه هذا وإلى يوم الدين إن شاء الله تعالى.

إن إلقاء التهم وريبها سهل ويسير! لا سيما وحين تطلق الحبال على غرائبها، ودون استشهاد من حس، ودون استدلال من منطق، وبغير برهان من واقع، أو سياق أو شهود، ولأن الشرط يأتي من هنا، من دليل مادي قاطع، ومن برهان واقعي ساطع، أو استشهاد بمن تاريخه أو تاريخها حسن السير والسلوك، وبغير هذا لا يمكننا الانتصاب لنقاش خلا من دعائمه ابتداء، وهذا الذي يمكن تنزيله كله على واقعية حديث الإفك، فلا نحن أمام شيء يصلح للاحتجاج، ولا نحن فقدنا شيئا يمكننا الاستماع إليه، فنعض أصابع الندم عليه! وأن ههنا نقصا، أو بترا، أو حشوا، أو خلالا في هذا الحديث، الذي بين أيدينا، والمقول من مغبونة، كان عمرها حينها أربعة عشر عاما!! وها نحن وغيرنا نطوف حوله من بعيد، ونفند حروفه حرفا حرفا من قريب، ونزداد كل مرة يقينا فوق يقيننا الأول، أن هذا هو قول الصدق الذي فيه يمترون!!!

* * *

هجا حسان بن ثابت صفوان بن المعطل؛ ولتسمع نبا إليه أن صفوان قد أثم، فضربه صفوان! وحين اختصما إلى نبينا صلى الله عليه وسلم، قال لحسان: يا حسان أتشوهت على قومي إذ هداهم الله». ثم قال: «أحسن يا حسان فيما أصابك» فقال: هي لك يا رسول الله، فعوضه منها بيرحاء التي تصدق بها أبو طلحة وجارية قبطية يقال لها: سيرين، جاءه منها ابنه عبد الرحمن[14]. وهذا برهان أن الأصل في المتهم براءته، وحتى تثبت إدانته، وهذا أصل في القانون الجنائي، سبق به ديننا، ومن خلال واقعة توا ذكرناها! وهو ما يسمى بالبراءة الأصلية، وإذ له كل الحقوق وعليه جميع الواجبات المقررة له، وبموجب قوانين ألأهلية وجوبا أو أداء، ولا يحرم من حق واحد قررته الشريعة، ولطالما لم يصدر بحقهم حكم يقيد من أهليته، بل وتحفظ عليه كرامته، ويحاط بسياج التقدير والإكرام، وإن حدث ونيل منه فعلى المحكمة أن ترد إليه اعتباره، وكما حدث حين أمر نبينا صلى الله عليه وسلم حسان أن يعطي صفوان! وبتنزيل هذا المشهد على عالم الناس يومهم هذا لتكاد تنفرط دهشة مما أسمي عدلا!!!

أحسن يا حسان فيما أصابك، فقال: هي لك يا رسول الله: هذه مداولة نبوية مع أحد الرعية، وتكاد تتلمس منها عبق الإحسان، وطيب الكلام، وحميد الأخلاق، إن من هذا النبي صلى الله عليه وسلم طيب السريرة، حسن الأخلاق، رفيع الشأن، وإن من هذا حسان شاعره رضي الله تعالى عنه، وحين طرح نفسه بين يديه صلى الله عليه وسلم ليقرر أمره بالإحسان، وما أجمل الإنسان! وحين يكون من رضا، وحين يتألف من سماحة، وحين ينساب كسيل وكماء عذب يروى الظمآى في هواجر قيظهم!! وهذا الدين وإذ تراه أبدأ يطرق على أبواب الإحسان، والإحسان درجة لا يسأل معها عن حقوق! بل هو أعلى قامة! ولا يبحث فيها عن واجبات! بل هو أسمق همة! ولأنه به ينخلع المرء من بقية نفسه!

* * *

﴿ وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾[النور:22] ؟! كان عزم أبي بكر وحين كان محسنا لصفوان أن يمانعه عطاءه الذي كان منه عليه غدقا! وإذ يسعفه ربنا تعالى بقوله: ﴿ وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾[النور:22] ؟! وهذه مقامات الإحسان في ديننا، وأنت خبير أن هذا صنيع عال سامق رفيع، وحين يقطع كيد النفوس مدحورا، وبإحسانها الأقصى! إلى من أساء إليها الإساءة العظمى! ولهذا قال أبوبكر: بلى ، والله إنا نحب - يا ربنا - أن تغفر لنا

و" إن الجزاء من جنس العمل ، فكما تغفر عن المذنب إليك نغفر لك ، وكما تصفح نصفح عنك . فعند ذلك قال الصديق : بلى ، والله إنا نحب - يا ربنا - أن تغفر لنا" [15].

* * *

اهتمام القرآن بحديث الإفك: عالج القرآن الحكيم حديث الإفك في مساحة واسعة منه، بلغت ست عشرة آية من سورة النور، والقرآن حين يعطي هكذا مساحة واسعة لعفاف في الأرض وقع، وهكذا دفع لظلم فيها قد حدث، فلاهتمامه تعالى البالغ بتثبيت قواعد العفاف والطهر ولإعمالها، وحين تمثلت في صفوان وغيره، وكذا أسس الظلم ولنفيها، وحين تمثلت في مسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش وعبد الله ابن أبي بن سلول وغيره!

شرف الانتساب إلى بيت النبوة وأثره: كان يجب على العقلاء رفس تهمة عائشة رضي الله تعالى عنها يوم الإفك ابتداء! وذلك لأنها اكتسبت شرف الانتساب إلى بيت النبوة، مما كان حاصله أنها من أمهات المؤمنين، وبالتالي فإن لها الجنة! وعاقل لا يتهم امرأة كان هذا حظها الجميل من الدنيا، وما كانت بحاجة حسا يوما أن تخلع عنها هذه الميزة، ووالله لو كان ثمن ذلك هو الدنيا بأسرها!!

 [1][ صحيح البخاري:4141].

 [2][صحيح مسلم: 2999].

 [3][البداية والنهاية، ابن كثير: ج ٤/١٨3].

[4][البداية والنهاية، ابن كثير: ج ٤/١٨3].

[5][النووي على مسلم: 17/ 102- 103].

[6][صحيح البخاري، باب حديث الإفك: 355].

 [7][البداية والنهاية - ابن كثير - ج ٤ - الصفحة ١٨3].

 [8][ شرح العلل، ابن رجب :359].

 [9][ فتح الباري، ابن حجر: 8/462، دار المعرفة - بيروت ، 1379].

 [10][معالم السنن، الخطابي: 3/ 337] و [فتح الباري: ابن حجر: 4/ 316].

 [11][ فقه السيرة، الألباني: 288].  

[12][ السيرة النبوية، ابن هشام الحميري: ج / ٧٦٥].   

[13].[السلسلة الضعيفة، الألباني  :634].

[14][البداية والنهاية، ابن كثير: ج ٤/١٨٧].   

[15][تفسير القرآن العظيم، ابن كثير: 6/31].