ماذا تعرف عن نموذج "ASC" ؟

أحمد بابكر حمدان


- مقدمة:

نموذج آسك أو ASC form تقنية وأسلوب جديد للتعرف على هوايات الطلاب وما يرتبط بها من مواهب وطموحات، إلى جانب استخدامات أخري مثل: التوجيه الدراسي والمنشطي وجمع البيانات لأغراض تربوية مختلفة وتقويم البرامج التدريبية وغيرها.. والنموذج عبارة عن استمارة من “صفحة واحدة فقط” تتضمن ثلاثة عناصر رئيسة هي: المواهب والهوايات والطموحات، ويقسم كل عنصر رئيس إلى أقسام محددة، ومن ذلك تصنيف المواهب إلى "ذهنية وبدنية ونفسية"، وتصنيف الهوايات إلى "معرفية ورياضية وعملية وتطوعية"، وأخيرا تصنيف الطموحات إلى "معرفية ومهنية واجتماعية".


تقوم فكرة آسك ASC form على "دراسة" قدمت فيها مفاهيم جديدة وأكثر تحديدا لمفردات الموهبة والهواية، بمستوى يمنح مستخدم النموذج طريقة سهلة وحاسمة للتفريق بينهما من الناحية النظرية، وتجنب ما يترتب على الخلط الاصطلاحي من اضطراب في نواحي التطبيق والممارسة. حسب دراسة لي بعنوان "نحو مفهوم جديد للهوايات" فإن المواهب عبارة عن "ملكات وقدرات ما قبل التعلم"، أما الهوايات فهي أنشطة تتطلب سلة “قدرات” لممارستها. و بين ما يقدمه النموذج من مفاهيم وما يكشفه من علاقات بين عناصره الثلاث، تتكشف للمستخدم خيوط مهمة للربط بين قدراته وأنشطته، ولتفسير ميوله المهنية والاجتماعية والمعرفية.


- هل يجسر بين المصطلحات؟

في ميدان التعليم والتربية ثمة عقدة مصطلحية ومفاهيمية حقيقية تشوش على الفاعلين في حقل التعليم، وفي ساحات التدريب وتنمية القدرات، وهي الخلط الشائع بين مفردات (الموهبة، الهواية، والمهارة) وما ينتج عنه من تشويش بالغ في رؤى الناشئة، ومن ثم في اهتمامهم وتفاعلهم؛ إذ إن وضوح الفكرة أفضل محفز للتفاعل معها وتبنيها. إن عدم اهتمام الطلاب بتعزيز هواياتهم، غالبا ما يعود الى غياب (الفكرة) وأعني بذلك: عدم امتلاكهم فكرة صحيحة وجيدة وفعالة عن الهوايات نفسها.. ومن الطبيعي ألا يهتم الشخص بما لا يدركه بشكل جيد.


- استمارة ASC:

في أواخر عام 2015م، بدأت برنامجا تعليميا لاكتشاف هوايات الطلاب، مستخدما استمارة خاصة، قمت بتصميمها تلبية لحاجة البرنامج.. وكانت الفكرة المسيطرة على ذهني حينها: أن الطالب بحاجة إلى إعداد سيرة ذاتية تتضمن مواهبه وهواياته؛ بغرض تتبع أنشطته وتطورها خلال فترة دراسته الجامعية.. وكانت الاستمارة الجديدة، مساعدة للطالب في إعداد السيرة الذاتية المقصودة. أطلقت على الاستمارة اسم: نموذج أحمد حمدان للسيرة الذاتية للطالب، وأصبح اختصارها الجاري: نموذج ASC أخذا بالأحرف الأولى من الاسم الإنجليزي: AHMED HAMDAN STUDENT CV FORM ليستقبل مجتمع التعليم، أداة ووسيلة تعليمية مساعدة، وتطبيقا جديدا لإعداد السيرة الذاتية للطلاب.


- عناصر النموذج:

تحتوي استمارة آسك على ثلاثة عناصر رئيسة هي: المواهب والهوايات والطموحات.. ويمثل اختيار العناصر المذكورة، أهم خطوة نحو حل عقدة الخلط المصطلحي الشائع، بأسلوب تطبيقي دون حاجة إلى تفصيل نظري مطول؛ إذ إن المستهدف بالفكرة معلمون وطلاب، وهم أكثر حاجة إلى حلول عملية، وأدوات فعالة وسهلة الاستخدام في ميدان العمل. في القسم الأول من النموذج، قدمت تعريفا موجزا للمواهب، مستخدما تقنية (الكلمة الواحدة) حيث وصفتها بالقدرات/ الملكات Abilities وقمت بتصنيفها الى ثلاثة أقسام هي (مواهب ذهنية، بدنية، ونفسية).. أما القسم الثاني، فقد عرفت فيه الهوايات بأنها أنشطة Activities وصنفتها الى أربعة أقسام هي (هوايات معرفية، رياضية، عملية، وتطوعية).. أما القسم الثالث في النموذج، فقد خصصته للطموحات، ووصفتها بالتطلعات Aspirations وصنفتها إلى ثلاثة أقسام (طموحات مهنية، اجتماعية، ومعرفية).


تطبيقيا.. نجد تناظرا كبيرا بين أقسام كل من المواهب والهوايات والطموحات، وتقوم فكرة النموذج على اكتشاف شبكة العلاقات المتوفرة بين العناصر المذكورة، وتأكيد ترابطها وتآزرها بشكل دائم، ما دامت متعلقة بنفس الشخص.. والتأكيد على تصحيح التعارض المصطلحي الشائع حولها، وتصحيح الأخطاء الشائعة فيما يتصل بجملة مفردات ذات صلة بها، كالمهارة والإبداع.


يقدم نموذج ASC لطلاب المدارس والجامعات، تطبيقا عمليا، يجمع بين ايديهم شتات مصطلحات عديدة في استمارة واحدة، وفي قالب سهل الاستخدام. يطلب النموذج من الطالب كتابة هواياته (أنشطته المفضلة) حسب التصنيف المذكور سابقا، ومن ثم يقدم له روابط لعلاقات أنشطته بمواهبه (قدراته) وما يتطلبه كل نشاط (هواية) من سلة قدراته (مواهبه).. وفي الجانب الآخر، يقدم النموذج ملامح لعلاقة كل هواية من هوايات الطالب بطموحاته (تطلعاته) المستقبلية؛ حيث تمثل الهوايات ميولا في الحاضر، بينما تعبر الطموحات عن ميولات المستقبل.


يقرر النموذج بأسلوب تطبيقي، أن الموهبة ليست هي المهارة أو التميز.. بل ليست مجرد الذكاء والعبقرية والتفوق الذهني. إن هناك ثمة مواهب بدنية ونفسية يوليها ASC اهتمامه أيضا، ويقدمها للطالب في إطار علاقاتها بأنشطته الجارية. ويقرر ASC دون طرح نظري مطول، أن الهوايات ليست مجرد أنشطة ترفيهية تستهلك أوقات فراغنا!! لكنها جميع أنشطتنا المفضلة، معرفية ورياضية وعملية وتطوعية. ويقدم للطالب ما يربط بينها وبين طموحاته المستقبلية، مهنية واجتماعية ومعرفية.. وما على الطالب كمستخدم للنموذج، سوى الاستمرار في اكتشاف المزيد من العلاقات البينية بين قدراته وأنشطته وميولاته، مستفيدا من استمارة آسك.


- هل يعزز اهتمام الطلاب بهواياتهم؟

إن عدم توفر بيئات جيدة لممارسة الهوايات ليس العائق الوحيد أمام الطلاب  للاهتمام بهواياتهم وتنميتها. يعاني الشباب والناشئة، من مشكلة أعمق، تتمثل في عدم توفر مفهوم سهل وواضح للهواية نفسها بمستوى يحفزهم على الاهتمام بها وتعزيزها حال توفر ما تتطلبه من أدوات. وكان أحد أهم دوافعي لابتكار نموذج ASC: تقديم فكرة واضحة عن الهوايات والتفريق بينها وبين المواهب، إلى جانب بناء علاقات ذهنية أكثر وضوحاً بينها وبين الطموحات المهنية والاجتماعية والمعرفية للطلاب في مرحلتي الثانوية والجامعة.


في الجزء الثاني من النموذج، وصفت الهوايات بأنها "أنشطة" كمدخل في غاية الأهمية للتفريق بينها وبين المواهب التي وصفتها في الجزء الأول بوصف "قدرات".. وقمت بتقسيم الهوايات لأربعة أنواع "معرفية، رياضية، عملية، وتطوعية" لتشمل كافة الأنشطة تقريباً. إن المعرفة والتعلم، والرياضة والتسلية، والعمل والإنتاج، إلى جانب الأنشطة التطوعية تمثل عامة الأنشطة المفترضة للطلاب ولغيرهم أيضا. وفي الجزء الثالث من النموذج، وصفت "الطموحات" بأنها "تطلعات" وتشمل المهنية والاجتماعية والمعرفية، وإن كانت الطموحات المهنية هي الأقرب لتفكير طالب الثانوية أو الطالب الجامعي نفسه وكلاهما يستهدفه ASC.. ويفترض النموذج توفر علاقات جيدة بين هوايات الطالب وطموحاته لا سيما الهوايات المعرفية والمهنية.


- اكتشاف الهوايات:

• في سؤال الهوايات المعرفية يتعرف النموذج على أبرز الميول المعرفية لدى الطالب ورغباته الدراسية وما يهواه من موضوعات مثل: التاريخ، الفلك، العلوم، الإدارة، الرياضيات.. إلخ.

• ويتعرف ASC على الميولات الرياضية للطالب في السؤال الثاني في قسم الهوايات لتحديد أبرز أنشطته الرياضية الفعلية مثل: كرة القدم، السباحة، المشي، الجري، ركوب الخيل أو الدراجات،.. إلخ.

• ومن ثم ينتقل النموذج إلى جانب المهن والأعمال والأنشطة الإنتاجية ليتعرف على ميول الطالب ورغباته في هذا الجانب مثل: استخدم الحاسوب، برمجة الهواتف النقالة، تربية الدواجن، زراعة الخضر، صيانة السيارات،.. إلخ.

• وفي السؤال الأخير في قسم الهوايات يطلب النموذج من الطالب تحديد ميوله في الأنشطة التطوعية مثل: البرامج البيئية، الإسعافات الأولية، التدريس، التشجير.. إلخ. وقد تكون مماثلة لما قبلها من الأنشطة المهنية أحياناً أو مختلفة عنها بحسب الأشخاص.. وقد علق طالب بالثانوية بعد مشاركته في دورة استخدامات ASC بقوله: "يساعد النموذج في تنمية الهوايات وإثراء الأنشطة وتحسين مستوى الاهتمام بالمعرفة، ومن أهم إضافاته إدراج التطوع ضمن هوايات الطلاب".


- خاصية اكتشاف العلاقات:

تنطلق أداة ASC من فكرة الهوايات و”الأنشطة” وما يتصل بها من مواهب وطموحات. إن الاهتمام بالأنشطة الجارية، والانطلاق منها في رحلة التطوير، مدعاة للفاعلية؛ إذ إن الأنشطة ليست سوى شاشة لعرض قدراتنا وجداراتنا بمختلف تقسيماتها (ذهنية، بدنية، نفسية) حسب توصيف النموذج. ومن أفضل ما يمتاز به ASC خاصية اكتشاف العلاقات، سواء بين الهوايات نفسها، أو علاقة كل منها بالمواهب وقدرات "ما قبل التعلم"، وبالطموحات المستقبلية أيضا. إن النموذج لا يكتفي باكتشاف الهوايات بمختلف أنواعها، أو اكتشاف العلاقات بينها فحسب، بل يهتم بالتباين في مستوى الهوايات ودرجاتها، ويعمل على رسم لوحة فنية دون أن يخفي تباين الألوان وتدرجات كل لون على حدة. ويعد نموذج ASC من أكثر الأدوات تركيزا على الهوايات واهتماما “بالأنشطة الجارية” كمنطلق لاكتشاف الذات وتعزيز قدراتها باستمرار. ويعد اكتشاف العلاقات بين المفردات مرحلة متقدمة في التعلم والمعرفة، تتطلب تفكيرا وتأملا وجهدا ذهنيا، مما يدفع بقدرات المتعلم وينميها. وحسب النموذج فإن أول ما يهدف إلى تحقيقه، تنمية مختلف ملكات المستخدم عبر نافذة الهوايات والأنشطة المفضلة.


- استخدامات ASC:

في الاستخدام الأساسي لنموذج ASC، تتشكل ملامح الطموحات المهنية، أما في الاستخدام المتقدم، فإن المستخدم يوظف نظارة جديدة، ذات قدرة على الغوص بعيدا؛ للنظر إلى أنشطته المعتادة برؤية أكثر عمقا، وينتظر من مستخدم النموذج التعامل مع المعرفة كمشروع، والرياضة كاحتياج، والعمل كميدان لتطبيق المعرفة، وإلى جانبه التطوع بوصفه من أنماط العمل. وينتظر منه الانتقال من التعامل مع المعرفة كمفردات ورغبات، إلى النظر إليها كمشروع مستمر وضرورة حياتية. وعادة ما ترتبط أبعاد المشروع المعرفي الشخصي، بمستوى القدرات الذهنية والاستعدادات النفسية والبدنية؛ مما يصنع رابطا أكثر وضوحا بين النشاط المعرفي وسلة القدرات الشخصية.


في الاستخدام الأساسي للنموذج، يتم توظيفه تقنيا بوصفه أداة ووسيلة مساعدة للمعلم. أما الاستخدام المتقدم، فهو مرحلة أكثر عمقا، حيث يتقدم المستخدم إلى جوهر الفكرة، مهتما بطريقة النموذج في تفكيك العناصر وأسلوب الربط المنتج بينها؛ بغرض القيام بأنشطة أكثر منطقية وترابطا وديناميكية. في الاستخدام الاساسي المحدود، يهتم المستخدم بتوظيفه في رسم خطة محددة الأنشطة حسب تصنيف آسك.. أما في الاستخدام المتقدم، فإن اهتمام المستخدم يتجه إلى عرض أنشطته الجارية على مجمل النموذج، وملاحظة ما إذا كانت شاملة ومناظرة لكل من عناصره. ورسم روابط بين كل من أنشطته وما يناظرها في متن النموذج؛ ليجد كل عنصر مناظرا له في سلة أنشطته الحقيقية الجارية، وكأنه يقوم بمحاكاته عمليا في جميع الأنشطة (معرفية ورياضية وعملية وتطوعية)، والطموحات (مهنية ومعرفية واجتماعية). ويهدف آسك في جوهره، إلى تعزيز شخصية المستخدم وتحفيزه ودعم نجاحاته؛ وذلك حسب أسلوب مبتكر في اكتشاف تفاصيل كان يراها صغيرة قبل استخدامه للنموذج.


استخدامات متقدمة:

(1)

- تحديد الاحتياجات المعرفية:

يوفر النموذج أسلوبا ذا مرونة كبيرة، يتيح للمستخدمين فرصا أكبر لاكتشاف قدراتهم وميولاتهم وتحديد احتياجاتهم المعرفية. وتساعد استمارة “ASC” في قراءة مجمل شخصيات المستخدمين، وتشخيص احتياجاتهم الأكثر إلحاحا؛ وذلك لاعتمادها على فكرة الهوايات و”الأنشطة الجارية” كمؤشر لاكتشاف مختلف القدرات والميول والاحتياجات. عند استخدامه للنموذج، يلاحظ المستخدم زيادة قدرته على اكتشاف ملامح ميولاته في جانب الأنشطة المعرفية، لينتقل من بعد- من مجرد الملاحظة إلى دائرة أكثر تحديدا، وذلك حين يربط بين قدراته واحتياجاته الدافعة نحو مختلف الأنشطة. أما المعلم فيمكنه ملاحظة الفروق الفردية بين مستخدمي النموذج بكل سهولة ويسر، وقراءة كل من القدرات والاحتياجات المعرفية، والاستدلال بكل منها على الأخرى، فضلا عن ملاحظة اتصالهما بالأنشطة الجارية للمستخدم.


يلاحظ المعلم أن بعض المستخدمين أكثر محدودية في تفاعلهم مع النموذج، ويتحرك بعضهم في دائرة مهنية (تقنية) شبه ثابتة، لا تتعداها أسئلتهم أو استفسارتهم، بينما يلاحظ آخرين أكثر تمردا على الأسئلة التقنية المحدودة، وأعلى رغبة في التواصل مع الأفكار. وما بين هؤلاء وأولئك يرسم المعلم منحنى “القدرات والاحتياجات” ومن ثم له أن يتوقع ما يمكن أن يحققه كل فريق من نجاحات عادية أو طفرات. بطبيعة الحال، ليس من مقاصد النموذج المفاضلة بين المستخدمين وترتيبهم، وإنما مساعدتهم في التعرف على ميولاتهم وقدراتهم واحتياجاتهم بشكل أفضل من ذي قبل.


إن نموذج ASC أشبه ما يكون بأداة لإعادة ضبط الإعدادات الشخصية للمستخدم، ومن ثم له تثبيت ما يشاء من برامج وتطبيقات مدعومة من نظامه، وداعمة لأهدافه المستقبلية. ويعمل “ASC” كأداة للغوص بعمق أبعد من مجرد تنظيم أنشطة المستخدم أو تكثيفها. إن الجانب المهم في النموذج قدرته على إعادة ضبط الإعدادات الشخصية إن جاز الوصف، واعني بها: الاهتمام بالأفكار الموجهة لأنشطة المستخدم واهتماماته، ومخاطبة احتياجاته، وتحديد ما إذا كانت معرفية أو غير معرفية. إن المفتاح الأهم في النموذج هو العمل على نقل المستخدم من النقطة (أ) إلى النقطة (ب)، والنأي عن تقديم وصفات تطويرية "جاهزة". إن الاحتياجات المعرفية للشخص، عادة ما تكون مؤشرا لملكاته وقدراته الذاتية، ويتطلب إشباع احتياجات كل شخص نوعا وكما مختلفا من الأنشطة.. ويمكننا تمثيل ذلك لاحقا بمنحنى الاحتياجات والأنشطة. ويعد ASC مساعدا جيدا للمعلم في قراءة أنشطة المستخدمين والتعرف على مؤشرات عامة حول قدراتهم واحتياجاتهم المعرفية، كل على حدة، ومن ثم العمل على مساعدة كل منهم، في رسم خارطته المعرفية، حسب احتياجاته وقدراته.


(2)

- اختيار التخصص الجامعي:

عادة ما تكون عمليات الانتقال من مرحلة إلى أخرى، معقدة وعسيرة، إذا كان التعامل معها جزئيا بوصفها "حدثا" لا أكثر. إن الانتقال بين المراحل والمستويات لن يكون بكل ما نراه من الصعوبة والعسر، إن استطعنا النظر إلى "الصورة الكاملة" وعملنا على وضع العناصر في إطار مترابط، بدلا من الاجتهاد في صناعة تقابل دائم بينها. ويأتي الحديث عن اختيار التخصص الجامعي، في نفس السياق، حيث تبذل جهود كبيرة في لحظة "الحدث" لمساعدة الطلاب في انتقال سهل من الثانوية إلى الجامعة، بتقديم نصائح وإرشادات وبرامج وتقنيات، تبدو جيدة وإن كانت في توقيت غير جيد. إن التعامل مع موضوع اختيار "اختيار التخصص"، كحدث مستقل يتطلب حلولا عاجلة، ليس غريبا في سلوكنا الاجتماعي؛ فإننا نتعامل بنفس الطريقة والأسلوب في معظم تفاعلاتنا الاجتماعية. في هذه المقالة محاولة للنظر إلى "اختيار التخصص" ضمن دائرة أوسع، ودعوة للاهتمام بها في وقت أبكر، واقتراح أداة حديثة نسبيا من شأنها مساعدة الطالب في اكتشاف الخيوط الواصلة بين أنشطته الجارية، وما يناسبه من أعمال مهنية في المستقبل، ومن ثم ما تتطلبه تلك الأعمال من تخصصات جامعية.


وترجعُ عامة الصعوباتُ التي تواجه الطالبَ عند اختيار التخصص الجامعي، إلى سببين:

1- ضعف الأنشطة المعززة لهوايات وميول الطلاب في المدارس الثانوية على وجه الخصوص، والتي يفترضُ اهتمامها ببناء روابطَ جيدةً بين أنشطةِ الطالب وطموحاته المهنية، ووضع رؤيةٍ واضحةٍ تدعم هذا الاتجاه.  

2- ما يحصل من تجاذب داخل الأسرة عند اختيار التخصص، كمظهر للفجوةِ النفسيةِ الكبيرةِ ومؤشرٌ لضعف التواصل المعرفي بين الآباء وأبنائهم. وعادة ما يتم اختيار التخصص دون استشارة الابن، ودون مراعاة رغباته وميوله وقدراته؛ مما يؤدي عادة إلى التعثر الدراسي، ومن ثم الفشل، أو التحطم والإحباط، وحرمان المجتمع من مبدعين يعشقون مجالاتهم الدراسية والمهنية فيما بعد.


من المهم أن يبدأ تعرف الأسرة على اهتماماتِ الابن وميولاته الدراسيةِ والمهنية منذ وقتٍ مبكر، وذلك عن طريق الملاحظة في المقام الأول، أو باستخدام بعضِ النماذج التربوية ذاتِ الصلة، مثل نموذج السيرة الذاتية للطالب ASC، وأن تعملَ الأسرة على رعاية هواياتِ الابن وتنميتها وتوجيهها؛ لتصبحَ رغباتٍ واعيةً وناضجةً، وذاتَ صلاتٍ حقيقيةٍ بواقعه الاجتماعي، وبفرصِ العمل المتوفرة.  وتعد السيرة الذاتية للطالب student cv اداة مهمة لمتابعة نموه الشخصي في الجوانب المضمنة في  الاستمارة.


- اختيار التخصص الجامعي أم اختيار المجال المهني؟

إن طلابنا في المرحلة الثانوية، بحاجة إلى من يمنحهم رؤية أبعد مدى من مجرد (التخصص الجامعي)، ويمنحهم فرصة للتعرف على (المجالات المهنية) قبل اختيار التخصص. في استخدامنا لنموذج ASC نعمل على توجيه الطالب إلى التركيز على المجالات المهنية الملائمة لميولاته، ومن ثم اختباره في تحديد أي التخصصات أكثر صلة بها.


- العناوين الكبيرة للمجالات المهنية:

إن الدراسة الجامعية الاولى، ليست سوى إبحار عام في مجال مهني واسع، وتمليك لمفاتيح العلوم الأساسية في المجال المعني، مما يتطلب منح الطالب إتاحات اكبر في المراحل الدراسية والمعرفية التالية. وحسب تجربتنا في حقل التعليم فإن حاجة طالب الثانوية لرؤية وفكرة، أكثر من حاجته لتوجيه وإرشاد. في جلسة تدريبية مع طلبة جامعيين خلال فترة كورونا الأولى، طرحت سؤالا عن العناوين الرئيسية للأنشطة المهنية في المجتمع، لتأتي الإجابات مفاجئة حتى لأصحابها؛ فقد اكتشف كثير منهم أن تخصصاتهم الدراسية فروع متكاملة في "مجال مهني واحد". فما هي هذه العناوين المهنية الكبيرة دون اعتبار للترتيب؟ كان ملخص جلسة الحوار أن أنشطتنا المهنية تتلخص في:

1- التجارة.

2- الصحة.

3- التعليم.

4- الانشاءات.

5- الصناعة.

6- الزراعة.

7- التوجيه.

8- الأمن.

9- القضاء

10- الترفيه

......


عندما يكتشف الطالب ملكاته وميولاته المعرفية والمهنية في وقت مبكر، ويتعرف على طبيعة المجالات المهنية نفسها في ذات التوقيت، فإن عملية اختيار التخصص الجامعي ستصبح إجرائية، ولا تعدو كونها خطوة لتحصيل معرفي منتظم في مجال مهني تم اختياره مسبقا، بناء على قدرات وملكات وميولات شخصية، من شأنها أن تقدم للمجال المعني هواة قادرين على العمل والإبداع والتطوير، لا سيما وقد أصبحت المؤسسات الناجحة أكثر ميلا للهواة والمبادرين وأصحاب الإنجازات الشخصية.


- خاتمة:

بتقديمه مفهوما فعالا للهوايات وتقسيماً جديداً لها والربط بينها وبين الطموحات، يرسم نموذج ASC أداة تربوية جديدة من شأنها الإسهام بفاعلية في تعزيز اهتمام الطلاب بهواياتهم. وينتظر من ASC أن يخطو بمستخدمه خطوة كبيرة لتحقيق تحول ذاتي حقيقي؛ من خلال اكتشافه للأنشطة المفضلة المرتبطة باحتياجاته المعرفية والنفسية، وبقدراته الذاتية وملكاته (مواهبه)، ومن ثم مساعدته في الانتقال بمشروعه الشخصي، من مشروع مهني محدود، إلى مشروع معرفي مستمر.

-------------------------

* معلم سوداني