هَدْيٌ من وَحْيٍ
(زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، فَقَالَ لِخَدِيجَةَ وَأَخْبَرَهَا الخَبَرَ: لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي، فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ)[1]
هذا جزء من حديث صحيح رواه الإمام البخاري رحمه الله تعالى في شأن بدء الوحي على رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، وكان من شأن قوم أن حُرِموا التوفيقَ رأيًا، كما قد مُنِعوا الرشادَ قولًا، أن جعلوه مادة للغط والمراء أخذًا وردًّا.
وإذ كان من شأنهم أنهم قالوا: وإذا كان الله تعالى قد أوحى فيما أوحى إلى عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم إعدادًا له لتحمُّل مهام الرسالة، والقيام بأعباء النبوة، كما هو الشأن في رسل الله تعالى الكرام وأنبيائه عليهم السلام، فلم إذًا ذلكم الخوف قد أصابه، ولم إذًا ذلكم الوجل قد ألَمَّ به، وهو إذ يتلقى الوحي عن الروح الأمين عليه السلام، ومن ثم لِمَ لَمْ يثبته الله تعالى، وإذا كان الأصل أنه مثبت ربانيًّا، فدل على أن الحديث فيه مطعن؟!
وإن الإنسان ليعجب أن يقال هذا، وفي حق رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، وهو في مرحلة الإعداد للرسالة، وإنه ليزداد عجبه وهو إذ لا يخرج عن مقتضى بشريته صلى الله عليه وسلم، وهو إذ يتلقى أمرًا جديدًا لا عهد له به من قبل! فدل أيما دلالة على البشرية، كما أبان أعظم بيان على عدم خروجٍ عن ذلكم الناموس الذي هو عهده تعالى فيمن خلق من إنسي، وفيما قد برأ من آدمي، فضلًا عن أن يكون نبيًّا رسولًا؛ إذ هم - عليهم السلام - أشد بلاءً من غيرهم!
ورسول الله محمد صلى الله عليه وسلم بشر من البشر، ويسري عليه قانون أحكمه الله تعالى في سائر البشر، ولا يكاد يخرج عنهم في شيء من ذلكم، إلا ما اقتضته طبيعة الرسالة وأعباؤها من جانب، وإلا ما أودعه الله تعالى في سائر رسله، مما يفوق الأغيار في جوانب عديدة، دلك عليها صبرهم لا كصبر أحدنا، ودلك عليها رضاهم لا كرضاء أحدنا، ودلك عليها قناعتهم لا كقناعة أحدنا، ودلك عليها قوتهم لا كقوة أحدنا، ودلك عليها شجاعتهم لا كشجاعة أحدنا، وفي كل ذلكم هم بشر، وكما قلت ويسري عليهم سَنَنُهُ تعالى في كل بشر.
ألم تر أنه صلى الله عليه وسلم وُعِكَ لا كوعك غيره في مرضه الأخير الذي قد توفاه الله تعالى فيه، كما أخرج الإمام البخاري رحمه الله تعالى عَنِ الحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا، فَمَسِسْتُهُ بِيَدِي فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَجَلْ، إِنِّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلاَنِ مِنْكُمْ فَقُلْتُ: ذَلِكَ أَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَجَلْ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُه أَذًى، مَرَضٌ فَمَا سِوَاهُ، إِلَّا حَطَّ اللَّهُ لَهُ سَيِّئَاتِهِ، كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا) [2].
والشاهد قوله صلى الله عليه وسلم: (إِنِّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلاَنِ مِنْكُمْ)، فدل على الاشتراك في لأواء المرض ووعكاته، وهو ناموس رباني مودع في كل بشري، كما دل على اختلاف في نصيبه صلى الله عليه وسلم من ذلكم الوعك، وأنه على الضعف ممن سواه من الناس. اقتضاء لعهد النبوة، واتساقا مع أمر الرسالة.
ولا علاقة لذلك بثبات امرئ من عدمه، خاصة إذا كان رسولًا نبيًّا؛ ذلك أن مثبتات الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم لكثيرة، أخصك منها بمثالين بتثبيته تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم، أحدهما ما كان بسبب ظاهر كالقرآن العظيم؛ كما قال تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا ﴾ [الفرقان: 32].
وثانيهما دونما ذكر لسبب ظاهر؛ كما قال تعالى: ﴿ وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا ﴾ [الإسراء: 74]، فتثبيته تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بعصمته إياه عما دعاه إليه قومه من الفتنة، وهو ما عوفي بسببه من ميل، وهو ما برئ من أجله من ركون، ولذا كان من شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزلت هذه الآية، أنه قال: لا تكلني إلى نَفْسي طَرْفَةَ عَيْنٍ[3].
بيد أن نفرًا من هؤلاء قد تغطى عنهم نور أضاء ما بين سطور قول رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه: (إنَّا كذلِكَ، يَشتدُّ علينَا البَلاءُ ويُضاعفُ لنَا الأجرُ، فقالَ: يا رسولَ اللهِ، أيُّ النَّاسِ أشدُّ بلاءً؟ قالَ: الأنبياءُ ثمَّ الصَّالِحونَ، وقد كانَ أحدُهم يُبتلَى بالفَقرِ، حتَّى ما يجِدُ إلَّا العَباءةَ يجُوبُها فيلْبسُها، ويُبتلَى بالقُمَّلِ حتَّى يقتُلَه، ولأحدُهُم كانَ أشدَّ فرَحًا بالبَلاءِ، من أحدِكم بالعَطاءِ)[4].
وقد كان يمكن بناءً على تخرُّص هؤلاء أن يقولوا: ولِمَ لَمْ يخفف الله تعالى عنه لا كمثل غيره من سائر البشر؟!
وهو كما ترى سماجة قول، وتهافت رأي، وبلادة حس، أنبأك عنه ما سبق بيانه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشر كسائرهم من حيث هي البشرية، وأنه - وكما قلت آنفًا - إن اختلف عنهم في شيء، فإنما لا يخرجه ذلكم عن بشريته، كما أنها من طبيعة الأنبياء، كيما نتعلم عنهم صبرًا وحلمًا وجلدًا وعطاءً وبذلًا.
وأنهم إذا لم يكونوا كذلكم بشرًا، كما نحن مثلهم في البشرية، لا ستبعد أحدنا أن يطاولهم في مَكْرُمَة أو منقبة، أو أن يشاركهم في مَحْمَدَة أو مأثرة، أو أن يحذو حذوهم في خَصْلَة أو مفخرة، أو أن يكون مثلهم في مَزِيَّة أو فضيلة، أو أن يسلك سبيلهم في نافِلة أو شميلة!
وهو المتناغم مع مقتضى رحمته تعالى بمن أُرْسِلَ فيهم رسولٌ، أو فيمن بُعِثَ فيهم نبي؛ ذلك لأنه تعالى قال: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128]، فإنه منكم، وتعرفونه صادقًا أمينًا: ﴿ قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [النحل: 120]، وإنه ليس من غيركم, فتتهموه على أنفسكم في النصيحة لكم، وإنه عزيز عليه عنتكم, وهو دخول المشقة عليكم والمكروه والأذى بكم، وإنه لحريص على هُدَى ضُلالكم وتوبتهم ورجوعهم إلى الحق، وإنه بالمؤمنين به لرؤوف رفيق رحيم[5].
وليحص أهل الإحصاء فضائل حميدة كهذه فيمن تواتر نعته بها إلا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم؛ من حيث إنه (رَسُولٌ، مِّنْ أَنفُسِكُمْ، عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ، حَرِيصٌ عَلَيْكُم، بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ، رَّحِيمٌ).
ولقد بحثت وفتشت لأجد مسوغًا ولو واحدًا لزعمهم، ولما لم يكن ذلك ممكنًا، فرأيت نعيهم بأنه لم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقع منه ذلكم الروع، أو ذلكم الذي منه جاء دالًّا عليه قوله: (زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ)، وهو صلى الله عليه وسلم؛ إذ ذاك نبي في علم الله تعالى، وكان منه أن يثبته الله سبحانه، فلا روع له من أساس، أقول: رأيت أنه متهافت أيما يكون التهافت واقعًا، كما أن منه أنهم أخذوا طعنًا في صحة الحديث من أساس أيضًا؛ كيما يمكنهم من بعد الطعن في كتب الصحاح التي أوردت الحديث سالف الذكر، ومنه يكون المدخل للطعن في السيرة نتيجته المرة الحنظلة اللئيمة، ومن ثم يكون المدخل الطبيعي لذلك إلى الطعن في القرآن الكريم نفسه، ومنه ينال من دين الله تعالى ربنا الرحمن في زعمهم.
وذلكم مكر وقفنا له، كما قد أوقف أغيار صالحون أنفسهم قبلنا ومعنا ومن بعدنا، ذودًا عن هذه الجبال الشم الشوامخ، ومنه قوله تعالى: ﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ﴾ [إبراهيم:46].
فتحصل من إيراد ما سبق، ومما حصل مع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وما كان يمكن أن يقع مع غيره من أنبياء الله تعالى لأقول: إنه قد تحصل من ذلكم كله أنها مقتضى بشرية الأنبياء، كيما يكون متفقًا مؤتلفًا مع قوله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110]، وقوله تعالى: ﴿ أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا ﴾ [الإسراء: 93].
وهو إذ يتفق أيضًا مع سنته تعالى في إرسال رسله بشرًا، وفي بعث أنبيائه من جنس بني آدم، وبلسان قومهم، كيما يفهموا عنهم، ويفهموهم من مقتضى علمهم بلسانهم، كيما لا يكون هنالك مجال تمحل في لججهم عدم الفهم عنهم؛ إذ كانوا من غير جنسهم، أو هم قد أرسلوا بلسان لا على لسان أقوامهم؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [إبراهيم: 4].
وذلكم هو دأبهم إذ يشيعون في كل مرة زعمًا، وإذ ينشرون في كل محفل ريبًا، كما رد الله تعالى عليهم في عدم مسايرتهم طلبهم إلا أن يكون الرسول من غير جنسهم، وليس ناطقًا بلسانهم؛ كيما يجدوا عندها المدخل طعنًا، للمخرج ذمًّا؛ كما قال تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا ﴾ [الفرقان: 21]؛ "أي: هلا أنزل علينا الملائكة، فيخبروا أن محمدًا صادق، أو نرى ربنا عيانًا، فيخبرنا برسالته"[6].
وذلكم من كبرهم، وهو من عُتوِّهم، وهو من استعلائهم في الأرض، وانظر كيف جاء اختيار النظم بليغًا أيما بلاغة، موحيًا أيما إيحاء في قوله سبحانه: ﴿ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا ﴾؛ إذ لما كان العتو هو أشد الكفر وأفحش الظلم، فناسب أن يأتي النظم به دلالة على ما في قلوبهم من غي، وما تحمله ضمائرهم من غيظ، ومن نفرتهم من حق، هو لخيرهم هم بدرجته الأولى، وهو لغيرهم بالأولى والأخيرة؛ "حيث سألوا الله الشطط; لأن الملائكة لا تُرَى إلا عند الموت، أو عند نزول العذاب"[7].
والله تعالى ﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الأنعام: 103].
وهم وإذ لم يكتفوا بالمعجزات الساطعات، والبراهين الدامغات، وآيات القرآن البينات، فكيف يكتفون إذًا بالملائكة الكرام عليهم الصلوات والتسليمات؟!
ومن لَججهم حكايته تعالى عنهم في قوله سبحانه: ﴿ وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا * أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا * وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا * قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا * قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا ﴾ [الإسراء: 90 - 96].
وقال تعالى: ﴿ فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ ﴾ [الزخرف: 53]، وهو من التمحل المعهود في كل ذي علة من نفاق، وهو من المراء الذي لا يكاد يفارق كل ذي عاهة من كبر؛ إذ ما علاقة إلقاء أسورة منْ ذَهَبٍ بالتأييد من عدمه، وهي إذ لا تعدو أن تكون ممَا يُجْعَلُ مِنَ أجل الْحُلِيِّ، وحسبها ذلك سبب تحلية وزينة! وإذ ما علاقة أن يَكْتَنِفَه الملائكةُ خِدْمَةً لَهُ، ويَشْهَدُونَ بِتَصْدِيقِهِ، وإذ هم معروفون بوصفهم الذي قد تواتر خلفًا عن سلف أنهم ﴿ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم:6]؟!
ومن زعمهم أيضًا ما حكاه القرآن المجيد عنهم؛ كما قال تعالى: ﴿ وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ﴾ [الزخرف:31]؛ "أي: هلا كان إنزال هذا القرآن على رجل عظيم كبير في أعينهم من القريتين؟ يعنون مكة، والطائف"[8]؛ إذ ماذا سوف يفرق - ديانةً - أن يكون الرسول المصطفى هو محمدًا صلى الله عليه وسلم أو غيره، ومن حيث إننا قد سلمنا لله تعالى في قوله الحق المبين: ﴿ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [القصص: 68]، وقوله تعالى: ﴿ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ﴾ [الأنعام: 124]، وقوله سبحانه: ﴿ اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾ [الحج: 75]؟!
[1] [صحيح البخاري، بدء الوحي، كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديث رقم: 3].
[2] [صحيح البخاري، كتاب المرضى، باب وضع اليد على المريض، حديث رقم: 5360].
[3] [تفسير الطبري (جامع البيان في تأويل القرآن): ج8/ 120].
[4] [صحيح الأدب المفرد، الألباني، الصفحة أو الرقم: 395].
[5] [جامع البيان - ابن جرير الطبري - ج 11- الصفحة 101].
[6] [تفسير القرطبي - القرطبي - ج 13- الصفحة 19].
[7] [ تفسير القرطبي - القرطبي - ج 13- الصفحة 20].
[8] [تفسير ابن كثير (تفسير القرآن العظيم)، أبي الفداء إسماعيل بن عمر، ابن كثير الدمشقي: ج7/ 207].
رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/142315/#ixzz6ZyJqTl4E