جمال الحياة

سأل مسافر يقترب من مدينة كبيرة رجلا يجلس على قارعة الطريق قائلا:

" ما حال الناس في هذه المدينة؟".

فسأله الرجل: وما كان حالهم في المكان الذي جئت منه؟

فأجاب المسافر: كانوا بشعين.. سيئين.. غير أهل للثقة.. تستطيع القول بأنهم بغضاء من كل ناحية لذلك تركتهم ورحلت.

فرد الرجل قائلا: آه .. ستجدهم على نفس هذه الشاكلة في هذه المدينة أيضا.

وبعد أن غادر هذا المسافر بفترة بسيطة مر مسافر آخر بجوار هذا الرجل ليستعلم عن أحوال أهل المدينة وطبيعة الناس فيها، فسأله الرجل كما الأول عن طبيعة الناس في المدينة التي أتى منها، فأجاب المسافر: كانوا أشخاصا رائعين ولطفاء .. أشتاق إليهم وحزين لتركي إياهم.

فرد الرجل: هذا بالضبط ما ستجد لدى الناس هنا.

يقول جون ماكسويل تحت عنوان (مبدأ العدسة) : " أنت من يحدد الطريقة التي ترى بها الحياة". بل ويضيف " شخصيتك الحقيقية تظهر للعيان عندما تتحدث عن الآخرين وتتعامل معهم، بل إن تعليقا بسيطا تقوله قد يكفي".

أحب أن أردد عبارة بل واستمتع بكتابتها ونشرها وهي ( حينما ترى الحياة جميلة فليس لأنها جميلة في ذاتها بل لأنك جميل من داخلك).

كذلك.. انظر للصباح..

يستهل الناس في استقبال بعضهم البعض بــ(صباح الخير.. الحب.. الورد.. الجمال.. السعادة.. النجاح.. إلخ...) وما إلى ذلك مما يصف الإنسان به الصباح. الصباح لا يختلف، صباح الأمس كصباح اليوم ستشرق الشمس غدا كما أشرقت بالأمس بل على مدى آلاف السنين إلى قيام الساعة، فالصفات التي نضيفها بعد كلمة (الصباح) هي الجمال المنبثق من ذواتنا، إنها تلك الكلمات التي نريد من خلال قولنا أن نُسمع الآخرين بأننا نصف حالنا، نقول لهم شاركونا ونحن سنشارككم.

ذلك الرجل الذي يستقبل المسافرين لم يكن مخطئا البتة بل إنه حكيم وعين الحكمة ما فعل، وصْفنا للعالم الخارجي هو صورة عما نحمله في داخلنا. إن كنا نرى الحياة كئيبة سيئة لا تحمل في طياتها الخير فسنظل نحمل هذا الشعور في كل مكان ذهبنا إليه. يصفها البعض بـ(قيمة الحياة لديك) بــ(رؤيتك للحياة).. بل من حقك أن تسأل من تصاحب عن رؤيته للحياة ومن إجابته وتعليقه تستطيع أن تحكم في أي طريق تمضي معه كما قال ذلك ماكسويل.

الجمال ليس ما تراه العين فقط بل ليس ما تنقله الحواس، الجمال عالم مكتمل يصل إلى كل ما يُكوِّن الوجود الإنساني. له قيمه ومفاهيمه ، يظهر شعورا وإحساسا وعاطفة، ينعكس على الصحة والنشاط والتفكير وطريقة الكلام، إنه يوجه السلوك الحضاري للفرد والأمم.

اهتمامك بالجمال يعني أن ترتدي الجميل وتنطق بالجميل حتى إن اضطررت في موقف ما لعبارة قاسية فاختر أهون العبارات. السلوك الإنساني هو الموصل بين الذات و العالم الخارجي.

هناك نقطة .. الجمال لا يكون من الخارج إلى الداخل وفي ذلك التغيير كله يتفق. يقول الشاعر إليوت: " نصف الأذى الذي يحدث في العالم يحدث بسبب أناس يريدون أن يشعروا بالأهمية. إنهم لا يقصدون إحداث الأذى، إنهم مستغرقون في الصراع الأبدي للشعور بمشاعر طيبة تجاه أنفسهم". إنهم يحاولون أن يغيروا العالم ليسعدوا.

الحديقة الجميلة الرائعة لن ترى جمال تفاصيلها وأنت من داخلك حزين مكتئب. جمال السماء وتداخل السحب وتراكم الغيوم لن تراه وأنت متشائم قلق. الابتسامة والخلق الحسن لن تفعله وأنت حاقد حاسد. وهذا ما كان يعنيه المفكر الكبير مالك بن نبي –رحمه الله- في قوله: " فبالذوق الجميل الذي فيه فكر الفرد ، يجد الإنسان في نفسه نزوعا إلى الإحسان في العمل، وتوخيا إلى الكريم من العادات".

ومثلما أن جمال الذات ينعكس في رؤيتنا إلى الحياة وهو الأصل والأساس فإن ما يحيط بنا يغذي ذواتنا ويؤثر فيها. فالبيئة القبيحة والمنظر القبيح مع الوقت يستطيع أن يُكيف الذات للتوافق معه. وهذا ما انتبه إليه أيضا مالك بن نبي في كتابه شروط النهضة حينما ذكر ذلك الطفل الذي يرتدي الملابس المهترئة وكيف أن مالك لم يصفه بالفقر فقط بل أضاف إلى ذلك قوله بـ(تفريطنا في الحياة). ويذكر ( لا يمكن لصورة قبيحة أن توحي بالخيال الجميل، فإن لمنظرها القبيح في النفس خيالا أقبح؛ والمجتمع الذي ينطوي على صور قبيحة، لابد أن يظهر أثر هذه الصور في أفكاره وأعماله ومساعيه).

........

بقلم:

عادل عواض