محمد إقبال وأسرار خودي

جسد اهتمام محمد إقبال ما قاله المفكر محمد قطب: ( الإنسان في حس إقبال طاقة كونية ضخمة، تتمثل فيها كل طاقات الوجود، إنهاقبس من نور، قبس من القدرة الخالقة، وذلك معنى أن الإنسان خليفة الله في الأرض، وهو بذلك أثمن ما في الوجود كله، وأقدر ما فيالوجود كله... وذلك حين يستمد من الله. فهكذا خلقت الروح الإنسانية أو النفس بحيث تستمد من قوة الأزل والأبد فتشرق وتشتعل،وتصبح طاقة كونية مريدة فاعلة).

محمد إقبال وضع الإنسان أمامه ودخل في عمقه وحلله، وضعه تحت الملاحظة والمشاهدة، يحاول جاهدا أن يفهمه ليوصل ما عرفهللناس، دالا إياهم نحو الخير، مجتهدا بكل ما استطاع.

فيلسوف شاعر وفي غير قليل من شعره يمتزج الشعر بالفلسفة، قدم أول دواوينه عام 1915 م .. وهو لم يتجاوز الثلاثين من عمره. قدم ديوان فلسفي تحت عنوان (أسرار خودي) ....

فما هي (خودي) إذن؟

يقول محمد إقبال بعد أن وضح أن هذا اللفظ لم يتم التوصل إليه إلا بعد جهد شديد وصعوبة بالغة :( تعني خودي في استعمالي لها،الاعتماد على الذات، واحترام الذات، والثقة بالذات، والحفاظ على الذات، بل تأكيد الذات حينما يكون ذلك ضرورة لمصالح الحياة،والقدرة على الاستمساك بقضية الحق والعدالة والواجب... ). وفي موطن آخر ( ولفظ خودي غير لفظ شعور. خودي هي الوحدةالوجدانية، نقطة استنارة في الشعور الإنساني).

وفي رسالة بعثها إلى أحدهم يقول: ( إن هدف الإنسان الديني والأخلاقي إثبات الذات لا نفيها، وعلى قدر تحقيق انفراده أو وحدته يقربمن هذا الهدف.

إننا نسأل ما الحياة؟ واضح أن الحياة أمر فردي، وأعلى أشكاله التي ظهرت اليوم (أنا). وبها يصير الفرد مركز حياة مستقلا قائما بذاته،فالإنسان من الجانبين الجثماني والروحي مركز حياة قائما بنفسه).

كل هذا يوضح لنا أهمية الذات الإنسانية لدى إقبال مما جعله يكتب عنها ديوانا كاملا ترجم إلى العربية تحت عناوين: أسرار الذات ..أسرار إثبات الذات .. الأسرار والرموز..

· فلسفة إثبات الذات:

في الحقيقة استقى إقبال فلسفته عن الذات من القرآن الكريم فهو يذكر في كتابه "تجديد التفكير الديني في الإسلام" في محاضرة ألقاهاعن الذات الإنسانية:( ويؤكد القرآن الكريم شخصية الإنسان وفرديته .. فهناك ثلاثة أمور واضحة كل الوضوح في القرآن:

1- أن الإنسان قد اصطفاه الله (ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ ﴿١٢٢﴾)

2- أن الإنسان خليفة الله في الأرض (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً)

3- أن الإنسان أمين على شخصية حرة أخذ تبعتها على عاتقة (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَاوَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا )

· مراحل ارتقاء الذات:

رائع إقبال –رحمه الله ورفع منزلته- فبقدر أهمية الذات عنده إلا أنه يصفها بالضعف وأنها تموت أحيانا؛ لذلك بين لنا كيف الحفاظ علىمستوى عال من الطاقة في الذات، وكيف أن نعلو بها ونرتقي.. وهناك ثلاثة مراحل:

1- توليد الرغبات أو المقاصد:

ويعني هنا أن حياة الذات بالأمل الدائم، بأن هناك مقصد ورغبة نطلب تحقيقها، وتعظيم الذات على قدر عظم المقصد ومواجهةالمشاق والصعاب في الطريق.يقول في ذلك :(حياة الذات بتخليق المقاصد وتحقيق الأهداف. والإنسان هو الوحيد صاحب الهدفالمقصود، وليس الحيوان ولا الجماد ويكون ذلك بالعلم. تحقيق القصد هو الذي يجعل الذات في نشوة السكر من العمل ولإبداع، هوالذي يفجر ثورة ضد الباطل والسكون والعشوائية. وإن كنا أحياء بتخليق المقاصد فنحن منيرون بشعاع الأمل، فالأمل باعث علىالحياة ولا يموت إلا من لا أمل له).

أمل الذات لهيب يستعر

أو هو الموج الذي لا يستقر


المرحلة الثانية 
الجهاد لتحقيق تلك المقاصد 

الحياة لا تكون إلا بالبذل، بالعمل، بالجهاد والمجاهدة .

فاخلق لروحك من زئيرك نشوة .... في المجد ترهب في العرين أسودا

3- مقام المؤمن الكامن:

وهو يمثل آخر قوة خودي، ويكون ذلك بما سبق ذكره في فلسفة إثبات الذات مضافا إليها أن الإنسان عزيز النفس لا يقبل الإهانة،صبور في كل مجالات الحياة، غني النفس عفيف لا يسأل الناس شيئا، لا يخاف أحدا إلا الله، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.

أما تلك العوامل المضعفة للذات فهي في العبودية والسؤال والخوف والتفاخر والدعة.

وأخيرا ،،

يربط إقبال دوما الذات بالعمل والحركة والانبثاق، بالنهوض والتغيير والتعبير عن وجودها، إنه يرى أن الذات (خودي) كل شيء وكلما حولها انعكاسا لها، فالذات كما عبر ليست أجيرة في قصر غريب، وليست في واقع الحياة غبارا.

لست آجرة لقصر غريب .... لست في وقعة الحياة غبارا

......

عادل عواض