لا يكاد يمر يوم مؤخرا دون أن يشارك احدهم حسابه في صراحة و يدعو الجميع للنقد بكل أريحية ..هذا التطبيق الذي صممه شاب سعودي تصدر قائمة التطبيقات حتى في المتجر الأمريكي و لفت انتباه العالم الغربي و كتبت عنه الصحف الاجنبية.  

غالبا ما تتم الكتابة عن مصمم التطبيق وتسليط الضوء عليه وعن الفكرة وراء تطبيقه واستخدامه والأعداد الكبيرة لمستخدميه .. وتوحي هذه الكتابات أن فكرة تقبل الناس للتصميم شئ مفروغ منه و تُلبسهم صيغة المجهول..وتتنسى الدور الفاعل للمستخدمين و الأشياء - أي الناس في حياتهم اليومية. هذه النوع من الكتابة بدأ يُتنقد على الأقل في عالم التصميم كونه متأثر بالثقافة البصرية.. هنا ليس المقصد التقليل من دور المصمم لكنه يدعو إلى نوع من الموازنة  وجعل المستخدمين في دائرة الضوء أيضا وهنا يأتي دور الثقافة التصميمية و قراءتها للأشياء وهو في الحقيقة علم حديث.

الثقافة التصميمية تقرأ الأشياء(أو التصاميم بإعتبار أن كل شئ حولنا مصمم بطريقة أو أخرى) في الحياة اليومية للناس، هذه القراءة تذكرك أن التصميم عملية مستمرة في الحياة. قد يعتقد البعض أن تصميم الأشياء(خدمة / منتج) تقع على عاتق المصمم و ما أن ينتهي التصميم تنتهي دورة التصميم… لكن الذي يحدث يدخل التصميم دائرة تصميمنا لحياتنا اليومية.

بعض النظريات في علم الاجتماع تعتبر الناس مصممون لحياتهم اليومية .. يصممون أو يعيدون تصميم ما يقع بأيديهم بما يتناسب وإحتياجاتهم يكيفونه بما يتلائم وحياتهم لذلك يمكن اعتبار أنهم هم من جعلوه يتصدر قائمة التطبيقات. إن دورة التصميم لا تنتهي مع انتهاء المصمم لكنها تمتد لما بعد ذلك، عندما تصبح في يد الأفراد في حياتهم اليومية. هذه الحلقة تدور وتعود إلى المصمم الرئيسي و الذي يقوم بالتطوير و التعديل ثم ما يلبث أن يعود التصميم إلى دائرة الحياة .. لذلك يمكننا القول أن التصميم دوائر وحلقات تتقاطع و تؤثر إحداها على الأخرى. قيس على ذلك انستقرام أو سناب شات الذي ما أن دخل حياة الناس تفننوا في استخدامه و أثروا عليه بشكل مباشر.. و هناك أيضا التأثير غير المباشر لكن يمكن ملاحظته على سبيل المثال مع بدايات استخدام انستقرام نلاحظ زيادة هوس التصوير و زيادة أعداد المصورين،و كذلك زيادة مبيعات الكاميرات..  

الثقافة التصميمية تركز على العلاقات بين الأشياء و الأفراد و محيطهم.. تلك العلاقات البديهية ، وأيضا العلاقات غير المحسوسة أو غير المباشرة. الثقافة التصميمية تنزع من التصميم الهالة التي حوله، و تعيد تعريفة كشئ في الحياة اليومية.. نعم (شئ) و (حياة يومية) والتي كنت في يوما ما أجهل أن هذه العبارات علم بحد ذاته و مباحث آكاديمية.

لنعود لتطبيقنا صراحة..و التي كانت فكرته أساسا موجهة للأشخاص العاملين في الشركات والمؤسسات بين رئيس وموظفينه أو بين أفراد الفريق.. الفكرة تعطي الشخص إمكانية تلقي النقد والإقتراحات مع المحافظة على سرية الشخص المُرسل. التطبيق لا يسمح بالتواصل المباشر مع المرسِلين والرد عليهم.. يمكن اعتبار أن التواصل يحدث باتجاه واحد من المُرسل إلى المرسَل إليه.

Image title

تجربة العميل تجربة بسيطة صفحة بيضاء و مربع محدد باللون التركوازي بزوايا شبه دائرية، تعلوه رسالة بسيطة تدعو لترك رسالة بنائه و تنتهي الجملة بابتسامة، رغم بساطة الجملة لكنها اعتقد تترك اثر ايجابي في العقل الباطن لذلك قد يكون هذا سبب أنه في كثير من الأحيان أقرء تعليق من مستخدمي لتطبيق عن أن أغلب الرسائل إيجابية بشكل عام و ليس كما توقعو .. برغم أن البعض أيضا تحدث الرسائل السلبية. تطبيق صراحة يعتمد لونين بشكل رئيسي الأبيض الذي يوحي  بالايجابية و البساطة و كذلك التركواز الذي يوحي بالمودة و اللطف و سهولة التواصل. التطبيق يعتمد صورة رمزية لظرف .. فيها شئ من النوستالجيا (الحنين للماضي) لفكرة الرسائل ..الجماليات المستخدمة في رسم الظرف لطيفة و توحي بأن الظرف سيُفتح لوجود منطقة الظل..

التطبيق كما أسلفنا لم يكن مصمم للمشاركة الإجتماعية كان فيه شئ من الخصوصية حيث لا يمكن الاطلاع على الرسائل المرسلة من الغير.. لكن ما حدث أن الكثير قام يتجاوز ذلك ويصور التعليقات والاقتراحات و يشاركها الجميع في تويتر أو سناب أو فيس بوك لذلك اتجه البعض لإستخدامه كمنصة لطرح الاسئلة ايضا .. لماذا حدث ذلك؟

يمكننا القول أن هناك سلوكيات أصبحت من ثقافة المستهلك وعاداته اليومية .. الثقافة التشاركية الإجتماعية أثرت على استخدام صراحة ..المصمم يصمم لأهداف و رؤية معينه (خدمة او منتج ) لكن وكما ناقشنا ما أن يدخل حيز الحياة اليومية ويتفاعل معه الناس يبدأ التصميم بالتغير.

جزء من ثقافة تصوير الحوار و نشرها موجودة في سناب و انستقرام وتويتر.. أثرت على استخدام تطبيق صراحة. عمد الأفراد لإعادة صياغة استخدام التطبيق بما يتناسب وحياتهم  ومُمارستهم اليومية بأدوات بسيطة ومتوفرة بكل بساطة قاموا بتصوير المحتوى المرسل .. لذلك قد يعتقد المصمم انه هو المسيطر أو المؤثر لكن في كثير من الحالات الوضع ليس كذلك.. لم يكن الهدف شبكة للتواصل الاجتماعي أو المشاركة و لكن أداة تخدم فئة معينة.


بداية انتشاره كانت في العالم العربي خصوصا تونس و مصر والسعودية ثم انتقل للعالم  الغربي بعدما فعلت سناب خاصية تضمين الروابط في سناب فانتشر في أوساط شبابها.. فيه نوع من أشباع لحاجة ما ذا يعتقد الناس عنا.  لدى من هم خلف التطبيق كم هائل من المعلومات في فترة زمنية اعتبرها بسيطة عن السلوكيات الإنسانية وكذلك social listening  التي بالإمكان استخلاصها consumer insight للتطوير.. خصوصا أنه بدأ يأخذ منحى مشابه لمنصات أخرى تحمل نفس الفكرة sayat.me وask.fm .. كيف سيكون تطوير صراحة؟كيف سيستمر؟ هل سيسمح بالتفاعل بين جميع الأطراف؟ ماهي الخصائص التي يمكن إضافتها؟ هل يأخذ بعين الإعتبار أن المستهلك الحالي يحب التجربة لما هو جديد؟  

و الصراحة راحة  :)