قد يكون أن سمعت أو قرأت عن .. أسبوع دبي للتصميم، و حي دبي للتصميم ،و مؤتمر نقاط في الكويت، الأسبوع السعودي للتصميم، و المبادرة الوطنية للإبداع و غيرها... كلها مناشط تهتم بالتصميم و الإبداع وهذا إهتمام ملحوظ في الخليج بشكل عام و على الصعيد المحلي في السعودية ، لا أقصد هنا الجانب الجمالي أو الفني أو الصوري - الذي كان سائداً لبعض الوقت- بل هو إهتمام لما هو أبعد من ذلك كالجانب التجاري، الأقتصادي و الصناعي. ساهم في زيادة الأهتمام أيضا التغيرات الإجتماعية، والإقتصادية وغيرها التي مرت بها المنطقة.

قد يكون أحد أسباب قلت الإهتمام بالتصميم سابقاً و أبعاد عملية التصميم هو أهمالنا و أبتعادنا عن الحرف و الفنون المحلية و أعتمادنا فيها على الغير و التي غالباً تستهلك وقت فأصبحنا غير مقدرين لها.. من الجميل أن نجد إهتمام و شغف من الشباب محلياً، لكن المشكلة تكمن أن الأغلب هو إهتمام بالتصميم القرافيكي وهذا له أسبابه التي أرجو أن تتضح عند قرأة المقال. التصميم ممارسة فيها عمق بحثي و تستهلك وقت ، ولكن غالبية المجتمع غير مهتمين وغير مقدرين لأبعاد العمليات التي تسبق خروج المنتج أو الخدمة النهائية.

ما سأطرحه هنا بعض ملاحظاتي على العوامل التي ستأثر في ارتفاع موجة التصميم و الأهتمام به كقيمة استراتيجية تدعم الاقتصاد. أود أن أنوه هنا أني لا ألغي أو أهمش ما هو موجود من ممارسات للتصميم الحالية أو السابقة كوني سأتحدث عن تصاعد موجة التصميم. التجارب والخبرات السابقة هي عبارة عن تراكمات تساعدنا على صعود المنحنى.. ما هو موجود يعتبر بداية المنحنى. صحيح أن حديثنا عن التصميم لكن سنبدأ سردنا من الفنون و أعتذر مقدما أن الموضوع قد يكون طويلاً.

الفن

كان لموجة الفن الأثر الكبيرالتي إجتاحت المنطقة و خصوصاً دبي مع اتجاه أنظار الاستثمارات الاروبية المهتمة بالفنون بعد الازمة العالمية الماليه عام 2008 للأسواق الناشئة مثل الشرق الاوسط و شرق أسيا و افريقيا. برزت في هذه الفترة أسماء فنانين معاصرين يعملون على الفن المفاهيمي تسابقت بيوت المزادات الأجنبية بالأستثمار بها وصل بعضها لأسعار خيالية.قامت أيضا بعض مؤسسات من القطاع الخاص ببرامج تستقطب و تشجع الشباب على ممارسة الفنون. من تباعات هذه الأشياء أنها أوجدت روح المنافسة و نشأت موجة تهتم بالفن في المجتمع و بين أوساط الشباب. كان لها تأثيرها خصوصا مع توفر الأدوات و التكنولوجيا..شبكات التواصل الإجتماعي و الإنستقرام خصوصا سمح للكثير بمشاركة الأعمال مع جمهور واسع لذلك كان أغلب الإهتمام منصب على فن الجرافيك.سمح ذلك بمشاهدة صور من هويتنا على مخرجات حديثة وهي أقرب ما تكون للبوب أرت. شجع ذلك أيضاً أن تظهر بعض الأعمال في معارض مختلفة كان هناك مواهب مميزة ولكن الأغلب كان تقليد و محاكاة. البعض لاحظ أيضا أن الكثير من الأعمال في بعض المعارض كانت  تخلط بين مفهوم التصميم و الفن، و هذا أمر طبيعي لأن الجامعات تقليدية و ليس بها تخصصات التصميم. لذلك نجد البعض أخذ هذا الشئ على أنه موضة، و هو أمر لابأس به .. التقليد و المحاكاة من أساليب التعلم... لكن من ركب الموجة كموضة لن يستمر و لكن على الأقل سيكون عنده إحساس بالفن والتصميم ، و سيبقى من يريد حقاً أن يتعمق و يتعرف على مجالات جديدة ويصل للأحتراف فغالبا مع السنوات سيعمل على تطوير نفسه. الجدير بالملاحظة أن غالب الممارسين المحترفين طورو أنفسهم بالتعليم الذاتي. وهو شي مدعاة للفخر خصوصا أن المصادر نادرة أوغير موجودة بالعربي .

دبي

رأينا كيف ساهمت دبي في حركة الفنون في منطقة الخليج وهي ستلعب دورا في الإهتمام بالتصميم. فقد عمدت لإنشاء مجلس دبي للتصميم و التي من إهتماماته إعداد البحوث والدراسات و كذلك أنشاءت حي دبي للتصميم وهو فضاء إبداعي يسهم في دعم قطاع التصميم.  تسعى دبي جاهدةً للتحول من أحدى وجهات التسوق والتجارة الى منصة ثقافية. تستعد دبي لذلك بإستراتيجيات مدروسة ..خصوصاً مع إقتراب معرض إكسبو دبي 2020 الإستعدادات قائمة لجعل دبي أحدى وجهات التصميم بشكل عام و كذلك الأزياء العالمية . يوضح ذلك المدير التنفيذي لمجموعة إعمار العقارية ان هناك ضخ لإستثمارات ضخمة لقطاع التجرئة و التصنيع و التصميم و منشآت تعليمية بالتعاون مع جامعات مرموقة. من الطبيعي أن يكون له أصداء و أثر على منطقة الخليج بشكل عام. هذا يأخذنا لعامل آخر وهو بناء الماركات.

البراند

تصاعد الوعي بمفهوم بناء الماركات (Brand) في المنطقة بين أفراد المجتمع يزيد من أهمية التصميم سواء كان المنتج نفسه أو الشعار أو الديكور الداخلي أو حتى ملابس وأزياء المنظمة، الإعلانات وغيرها. الحقيقة في أي قطاع التصميم جزءلا يتجزء منه.. لابد في مرحلة من المراحل الإهتمام به. يرى أحد الباحثين الأكاديميين أن الإهتمان بمفهوم البراندنغ دائما ما يكون من أحد العوامل المؤثرة في تصاعد الإهتمام بالتصميم. لذلك بدأ الإهتمام بشكل كبير بالتصميم الجرافيكي محليا بشكل عام لإعداد الشعارات و غيرها من التطبيقات. ثم مع الوقت بدأ ظهور وكالات تصميم محلية من أبناء المنطقة تظهر عليها الإحترافية بعد أن كانت الأجنبية مسيطرة على السوق. المآمول حقيقة من المحلي أن لايقتصر على تصميم الهوية و مخرجاتها أو الإسم… بل أن يظهر قدرة ايضا ان تعمل على تصميم الإستراتيجيات.

حركة الإستثمار

السوق السعودي سيكون قريباً مفتوح للشركات العالمية و كذلك مدينة الملك عبد الله المالية ستجلب معها الكثير من الإستثمارات الاجنبية السنوات القادمة, أيضاً ستعمل السعودية على إصدار فيزا  سياحية قريبا مما يعني أن هذه الجموع التي ستأتي للزيارة ستبحث عن أشياء و خدمات محلية..مما يجعل هناك حاجة لتصاميم منتجات وخدمات تمثل هوية البلد. مؤتمر التنافسية في الرياض لهذا العام خصص إحدى جلساته للحديث عن أهمية الثقافة والتراث وكيفية الإستفادة منها إقتصاديا.

يوجد هناك منتجات محلية... و السياحة و الآثار تقوم بجهود لتشجيع الحرف و الصناعات اليدوية كبرنامج بارع على سبيل المثال لا الحصر. لكن  المشكلة ان المنتجات الحرفية مرتبطة بصورة ذهنية معينه.. فهي أما مرتبطة بالتراث و الماضي بصوره التقليدة التي دائما ما نراها في الجنادرية أو المعارض التراثية  الحرفية.. رجل أو أمرآة جالس على الأرض بملابس تقليدة يقوم بالعمل على سعف النخيل لعمل سحارة او سلة. هذه الصورة الجميلة مطلوبة و هي جزء لا يتجزء من تراثنا، لكن نحتاج لصوراخرى فالسوق على درجات و قد كتبت عن ذلك في تدوينه سابقة. نحتاج ان نغير هذة الصورة و نربطة بالحاضر و المستقبل و هذا لا يكون إلا بربطة بالتصميم مع اشخاص ذو هيئة معاصرة في أستوديو تصميم و منتجات إبداعية.

هناك متاجرمنتجاتها  تأخذ إلهامها من التراث مثل منتجات سليسة التابعة للجمعية الفيصلية بجدة، فنون التراث  التابعة لجمعية النهضة بالرياض وحرفة التابع للجمعية التعاونية النسائية في القصيم. إهتماهم رائع في الحقيقة ولديهم منتجات جميلة لكن أنها تحتاج اهتمام أكثر بال(Brand Management).

العولمة

تحدثت عن هذا الموضوع في تدوينه سابقة..صحيح أن العولمة زادت من التنوع الثقافي و الاختلاف لكن من المفارقات أيضا أنها زادت من التمسك بالهويات المحلية في المجتمعات الاستهلاكية. العالم تقريبا وصل لمرحلة تشبع و كنوع من الموازنة فإن الاحساس بالهويات الوطنية بازدياد. يقول Miles Young وهو الرئيس التنفيذي Ogilvy & Mather  في مؤتمر قمة فوربز لرؤساء التسويق القياديين Forbes CEO Summit 2014  في السابق كان الشعار السائد  "Think global, act local"   فكر عالميا و أعمل محليا ..ونحن متجهين نحو شعار آخر  وهو " Think global, think local...Act global, act local" و هو قد يعني بذلك لتصل للعالمية فكر وأعمل حسب ثقافتك.. المنافسة ليست مقصورة على الغرب بل ستأتي من كثير من مناطق العالم.

منطقة الشرق الأوسط تمر بمتغيرات اجتماعية و ثقافية و سياسية.. مما يجعل الوقت مناسب لظهور براند تستجيب للمتغيرات خصوصا أنه فيه حالة ملل من العنف و الصورة النمطية للشرق الأوسط مما يشجع بظهور براند تكسر هذا النمط و تظهر الثقافة المحلية للمجتمع. خصوصاً أن المؤشرات السكانية تشير إلى أن فئة الشباب عالية في المنطقة و هذا يُوجِد احتياجات و تطلعات جديدة بين هذه الفئة، مثال على ذلك القناة اليوتيوبية UTURN.

التكنولوجيا

آخر العوامل التي أود أن أشير إليها التقدم التكنولوجي في الطابعات الثلاثية الأبعاد و معمل الفاب لاب التي حاليا يوجد اثنان منها في السعودية ارامكو و اخر في جدة و نأمل أن يكون قريبا في الرياض. التوقعات كبيرة لمستقبل هذة الصناعة و التي من المهم الإهتمام بها.

كانت هذه بعض المتغيرات التي لاحظتها التي قد تؤثر على الإهتمام بالتصميم. يختلف الإهتمام فيه من دولة خليجية لإخرى وكل له استرتيجية معينه ،على سبيل المثال دبي تحاول أن تكون منصة للمحلي و العالمي ولكنها تستقطب العالمي ليدرب المحلي وينتج كذلك، لكن في الكويت غالبا المحلي ينتج محلي  الأفراد عندهم حس ابداعي عالي.. نظرة على انستغرام أو إعلانات زين كفيلة أن تحسسك بقدرت الأفراد المحلية. الجامعات مثل جامعة الدمام ، جامعة نورة و جامعة اليمامة وغيرها بدأت بتقديم تخصصات جديدة أيضا كتصميم المنتج و غيرها. معهد المهارات و الفنون ،ومعهد رافال كلها مهتمة بالتصميم ،بلإضافة الى جاليري الآن و الفن النقي و نيلا تعمل أيضا على إبراز أعمال المصممين المحليين و جميعها تقع في مربع واحد تقريباً قد تكون نواة لمنطقة تصميم و فنون مستقبلا.