المقبرة-----



ذات يوم نسيت نفسي ,,,في المقبرة ,,,حيث قبر السيد العارف “هاشم الحداد “,,الذي عاش عابدا زاهدا,,بنور المعرفة والهداية ,,,
كان المساء قد حل في ارجاء المقبرة,,ولاتسمع شيء سوى نباح الكلاب وعويل الذئاب,,والصمت يخيم في كل مكان ,,,
وما ان هممت بالرحيل,,خائفا مذعورا,,من وحشة المكان ,,وغفلة الزمان ,,حتى خرج لي شبح ازرق ,,قصير القامة ,,وعلى رأسه يقف غراب اسود ,,,وبيده عصا توت ,,,تتحول بين حين وآخر الى افعى رقطاء ,,,تنفخ في وجهي,,
فقال لي,,وهو يبتسم ابتسامة صفراء,,تنم عن خبث وسوء قديم,,,يمتد عمره لملايين السنين ,,,
-اسمع ايها الكائن البشري ,,,ما اقول,,,ولاتقاطعني,,,قبل ان انتهي مما اقول ,,,والا,,,ساجعل منك قطعة لحم صغيرة ,,في فم هذه الافعى ,,,
لم أحر جوابا,,,الا,,وانا اقول له
-لابأس ,,,ساسمع ما تقول,,,وعندما تنتهي من مقالتك ,,,دعني اعود الى اهلي بسلام ,,
فاجاب,,,
-هذا عهد بيني وبينك ,,,متى ما انهيت مقالتي فعليك السلام ,,,الى ان تصل ديارك,,,
ثم اردف قائلا
-هذا العالم المختفي في الظلام ,,,يئن من وجع الخطايا ,,,فلاضوء ينفذ اليه,,ولاباقة ورد عطرة تتقد في نوافذه,,
ولاادري,,كيف لهؤلاء الحمقى يصورون للكائنات البشرية ,,,مقاسات ومسافات للحب والفضيلة والقداسة ,,وكل الاشياء ,,ومنذ سقوط آدم وحواء,,في فخ الشجرة الملعونة ,,تتسخ بالكذب والزيف والخداع ,,فلامسجد يأوي اليتامى ,,,ولاكنيسة تحدب على الجياع,,ولامعبد يطهر الارواح العفنة والمتماسة مع روح الشياطين ,,دون ثمن ,,,
حتى هؤلاء الذين تراهم يتعبدون ليلا ونهارا ,,,يتباكون,,ويتصارخون ,,,ليس من اجل رضا السماء,,وانما من اجل السطوة والسلطة والمال,,,فان اصابهم الخير اطمأنوا به,,وان اصابهم الشر ,,انقلبوا على اعقابهم ,,,فهم يلجأون للدين والتدين ,,من اجل الدنيا ,,وشهواتها ,,,وملذاتها ,,,من النساء والولدان والخيل المسومة ,,,والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة ,,لا,,من اجل السعادة الابدية,,,التي وعدكم بها الرب في الانجيل والتوراة والقرآن,,
ولعل هذا الكائن البشري ,,الذي يلهث في الليل والنهار ,,عاضا نواجذه,,ومتحسرا على ما فاته من المال والجاه والشهوة ,,يعرف حتما ان مصيره الى هذه المقبرة ,,التي تتسع رغم انوفنا,,,لكن الأنا والغفلة والطمع ,,,تمنعه من الوصول الى الحقيقة ,,,
ولعل ابسط مقومات الحقيقة ,,هي نبذ الحرص,,والحسد ,,,والشهوة ,,,شهوة البطن وشهوة الفرج ,,,ولعل هذه المسميات لا تخرج بتاتا عن دائرة الأنا “أنا خير منه”,,,
وهذا لعمري اقسى ما عانته البشرية طوال ملايين السنين التي مرت على هذا الكون المترامي الاطراف,,,
صمت لبرهة وهو يتمتم بكلمات غريبة ,,لن افهم منها شيء ,,وكانه يتكلم مع شخص آخر,,او,,,شبح آخر ,,,
وبعدها اخرج علبة سجائر من ماركة “الاسبين الابيض”,,واخذ يدخن سيجارة ,,,ثم تابع قائلا
-هناك هوة عميقة بين السماء والارض,,
هناك هوة عميقة بين الملائكة والشياطين ,,,
هناك هوة عميقة بين الانس والجان ,,,
لكن من يعرف الحقيقة ,,,اخيرا ,,,
سينتصر,,,
والا فان الجميع ,,غارقون في وحل الزيف والخديعة ,,,
بعدها,,,ابتسم في وجهي,,قائلا
-امض الى ديارك ,,بسلام
امض,,واعمل,,,واجمع المال,,كما تجمع الحطام ,,,
وقبل ان يختفي ,,من امام ناظري,,
سمعت رنين المؤقت الصباحي’’’
فاستيقظت من النوم ’’’’’’
ياللخسارة؟؟