وإن ظللت الطريق تارة،
صرت أبصر بأني كغصن هش أخضر، تملؤه الحياة والبهجة،
يعيش على الحافة، وبالقرب من منبعه وأصله، والجذع الذي ينتمي إليه،
ولكنه في الهواء الطلق البحت،
تؤثر به الرياح، لتتلاعب بأوراقه وتبعثرها، وتهز ثباته، وتزعزع قوته، حتى يصبح ضعيفا هالك،
هو ضعيف البنية، ولكنه لم يكن يدرك ذلك،
حينما أتت الرياح، وأختلفت ظروف المناخ التي أعتاد عليه،
واجه ضعفه، فأعتقد أن الرياح هي السبب،
بينما السبب الحقيقي هو ضعفه هو،
وكان عليه أن يكون أقوى من ذلك،
ليستطيع مجابهة الرياح بصرامة،
ليثبت ذاته وليتشبث بالحياة،
لكي لا يكون أجزاء متناثرة على الأرض،
أنا أشبه ذلك الغصن الطري،
ترعبني رؤية الرياح الهائجة المائلة نحوي،
مهلا عزيزتي فأنا لا أحتمل كل ذلك الهيجان،
تغريني رؤية جذعي وأصلي ثابت على مر السنين،
وأنا أقف ألهث على حافة الحياة،
تستنزفني أدنى طاقة،
قولي لي يا أمي كم عمر لابد لي أن ألبثه،
كي أصبح قوية شامخة مثلك،
ولو كنت ميالا مع كل نسمة هواء،
وأثقل مع كل قطرة مطر،
وتتبلل أوراقي مع جو رطب ومع كل ندى،
لن أعود لأهاب شيء،
سأستبدل ضعفي بقوة وإن كنت لا أمتلكها،
سأتدرب عليها وأمارسها حتى أتمكن،
سأكون قوية يا أمي ولو كان عودي طري،
لن أخشى الرياح الهائجة ولا المطر،
لن أخاف صوت الرعد والصواعق تهوي بي،
ولن أحسب حساب للبروق وهي تشيح لي،
لن أعد يا أمي حتى أترقب خذلان من يسقيني اليوم،
وغدا يكسرني ويحرقني ليستمتع عذب نيراني،
سأتلبس القوة،
القوة وحدها يا أمي من تجعلني صامدة،
على مر السنين لأحيا عمري مثلك أنتِ،
سأحيا وأبذل كل ما بوسعي،
لأظلل الإنسان من لهيب الشمس،
ولأكن مأوى للطيور بمختلف أنواعها،
ومستراح للحيوانات،
لأمنح الإنسان الأوكسجين والهواء النقي،
لأسر الناظرين، ولأداوي المريض،
لأمنح الأرض الدفئ،
ولن أخشى النار بل سأكون سعيدا جدا،
لأني منحت أخر ما تبقى مني بعد مماتي،
لشيء يستفاد منه، لخدمة الأخرين،
لسمرة عائلة حولي تعلو ملامحهم الضحكات،
ولأقدم لهم وجبة عشاء لذيذة في يوم مميز،
وحين تنتهي سمرتهم وليلتهم ينظرون إلي،
وقد أصبحت رمادا أبيضا،
تهب الرياح التي لم أعد أخشاها،
أتناثر نحو الأرض،
فتتفرق أشلائي فلا يعود لي أثر،
هذه هي النهاية،
ولكن الأثر الحقيقي في القوة،
القوة التي دفعتني لمساعدة البشرية،
القوة التي أخذتني للعطاء،
هذا هو ما يتبقى وما يجعل للشيء قيمة،
حين يقف عن الخوف على ذاته،
ويبحث عن شيء خارج عن ذاته، ويمنحه شيئا منه.