(رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) مهما بلغت النعم في الحياة الدنيا وعظم فضلها على الإنسان، تظل الرغبة الحقيقية عند المؤمن هي الوفاة على دين الإسلام، وأن يلحق بالصالحين، وأن تكون الجنة هي داره وأمانه، ومهما كثر سعي الإنسان للحصول على مراكز عليا والتعلم وتكاثر الأبناء والمال، يبقى السعي الأصدق والأعظم هو السعي لرضا الله والتمسك بدين الإسلام والفوز بالجنة والنجاة من النار.

(فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) الله مطلع على النيات وما في القلوب يعلم ما تفكر به وحقيقة أفعالك وهذا فضل كبير، يعلم ما تعمل، فالإنسان بصير على نفسه فيما يعمل ومسؤول عن حياته، راقب نيتك وعملك، هل ما بداخلك وما تعمله يرضي الله، حين تكون لديك رقة القلب للخشوع ومراقبة الله وذكره والتقرب منه، والتوبه في كل مره تخطئ، أن تسخر كل حياتك من أجل الله في صلتك بنفسك وعملك وعلاقاتك بالناس أن تبتغي بكل شيء تعمله رضا الله والإحسان، حين تتعامل مع الله فأنت تتعامل مع ربك في صورة لن تستطيع تصورها، الله العظيم الذي تعددت أسمائه وصفاته وعظم خلقه، لن يضيع وقتك الذي تسخره لله أبدا و (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان)، فلا تعلم ما أخفي لك من قرة أعين بعد ذلك بعملك الذي تعمل.

(وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ) النفقة من رزق الله على الإنسان، حين ترزق بمال لا تولد لديك الأنانية بالأحتفاظ بكل ذلك لك، فالمال زائل ولكن ما تعمله به هو الذي يبقى، والصدقه والنفقة وما تقدمه لله خير، بأجر وحسنات تبقى لك زاد في أخرتك تتنعم بنعيمها وفضلها، الصدقة تكثر المال وتبارك به وتزيد من عطايا الله لك، وفي عطائك تأثير أيجابي عليك وشعور بالرضا، فاليد التي تمد المساعدة للناس سيسخر الله لها الخير والبركة والسرور، الرزق قد لا يكون بالمال فقط ولكن بالوقت والمنصب والصحة أو بمهارة تمتلكها.

(هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا) لقد مرت الكثير من الأزمنة والعصور والقرون وسنوات طويلة وأنت لم تكن شيئا مذكورا بعد، لم تخلق بعد لم يأذن الله بخلقك ووجودك في الحياة، ولكن خُلقت بعد ذلك وجائتك الفرصة لتؤمن بالدين وتلحق بالصالحين وأن تؤمن بوجود الله الخالق الذي خلقك وأوجدك في حين لم تكن شيئا مذكورا.

(قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى (71) قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73) إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (74) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى (75) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى) (76)

تشكل هذة الأيات تحدي من السحرة ضد فرعون، بالرغم من قوة فرعون وسلطته والتهديد الشديد الذي هددهم به إلا أنهم لم يكترثو له وسجدو لله أمامه وأعلنو إسلامهم بصوت عالِ، حين شعروا بصدق موسى وصدق رسالته ودخل الإيمان قلبهم أمنوا باله وعرفوا الحق ورغبوا في مغفرة الله والتوبة إليه والتقرب منه وإيثار ما عند الله من ثواب دائم على عذاب فرعون في الحياة الدنيا الفانية المنتهية، ما يدفعني للتساؤل في حين أن السحرة لم يؤثرو فرعون على ما جائهم من البينات وقبلوا بالعذاب منه بشجاعة وقوة مقابل إيمانهم وثباتهم، هل اليوم نحن لا نؤثر الحياة وما فيها من متع زائلة على ما جائنا من البينات، في حين كان لديهم خيار بين الإيمان وعذاب فرعون، نعيش نحن الخيار بين الرفاهية والمتع وبين الإيمان والثبات، في الأيات الثلاثة الأخيرة كلام قصير ولكن في تدبره معنى عميق، ليأتي السؤال بماذا تريد أن تأتي الله بإجرام أم إيمان، هل تود الإقبال عليه بفرحة الفوز والصبر أم بخسارة وكفر، عمل في الدنيا ولكنه يشكل نتيجة نهائية بالأخرة، أيتان كل أية لها مصير مختلف لنتيجتان مختلفتان يسبقهما أعمال مختلفة، إجرام أم عمل الصالحات، جنات عدن ذلك جزاء من تزكى. 

(لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ) 

لو علم الكفار بانهم لن يمنعو النار عن وجوههم وظهورهم حين تلفهم بلهيبها وحرارتها ولن يستطيعو دفع هذا العذاب عنهم ولن ينصرهم أحد وينقذهم من العذاب لما كفروا وأمنوا، ولكن بسبب عدم علمهم وإنكارهم وغرهم النعيم في الدنيا كانو من الهالكين.