عن أَنَس بْن مَالِكٍ رضي الله عنه؛ قال: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِفَاطِمَةَ: ((مَا يَمْنَعُكِ أَنْ تَسْمَعِي مَا أُوصِيكِ بِهِ، أَنْ تَقُولِي إِذَا أَصْبَحْتِ وَإِذَا أَمْسَيْتِ: يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ، أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، وَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ)).
أخرجه النسائي
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) سورة الفاتحة
بيع الأوهام
من المؤكّد أنّ الإنسان في هذه الحياة يحتاج أحيانا بل ، وفي الكثير من فترات حياته إلى من يعينه لكي يواجه مشكلاته الخاصة، سواء كانت هذه المشكلات مادية أو نفسية، قد يلجأ المرء إلى صديق مقرّب أو إلى أخ شقيق أو قد يبحث عن حل لها عبر الكتب. فالبحث عن حل للمشكلة هو كل ما يتمنى أنْ يجده من يتخبطون في مشكلاتهم، ولأجل ذلك يسلكون أي طريق يرونه مخرجا من مشكلاتهم. لكن في كل عصر تستفحل ظاهرة تجارة بيع الأوهام يحترفها بعض الناس، يتلاعبون بهؤلاء الذين يعانون من مشاكل وأزمات. فمنذ القديم وُجد من يزعم أنّه يمتلك وصفات سحرية تحل جميع المشكلات العويصة ك: مشكل الفقر، والزواج، والصحة والعلاقات الاجتماعية، والصحة النفسية. وإذا كان تجار الأوهام القدماء قد اشتغلوا على وصفات السحر والشعوذة والطلسمات مدّعين أنّ لهم تواصل مع قوى غيبية خارقة تمنحهم القدرة على إنقاذ الناس وتحقيق أمانيهم، فإنّ عصرنا هذا لا يخلو من مثل هؤلاء.
مثل هذه الأوهام نجدها في كتب التنمية البشرية التي تزرع تصورات تضخِّم وتُبالغ في قدرات الإنسان، كونه يحوز على قدرات خارقة وعجيبة يستطيع لو اكتشفها وبخطوات بسيطة أنْ يُحقق أهدافه وطموحاته، وذلك بإتباع التخيُّل وجذب الهدف والتنفس العميق والكتابة على الورق.
هذه الكتب تقدّم للقارئ عبارات من مثيل: لا شيء مستحيل أمامك، لأنّك محور الكون ، ركِّز على هدفك ويأتي كل شيء بعد ذلك، لك قدرات غير محدودة، أنت تستطيع فعل كل شيء.
هذا الكلام يُوهم القارئ ويُشعره بسعادة مؤقتة وتنفخ في نفسه ثقة كبيرة، ولكنها للأسف الشديد زائفة.
لعل الكتاب الذي يعتبر نموذجا لهذه الأفكار هو كتاب السر. وهو من تأليف روندا بايرن وتقوم فكرته على قانون الجذب ويدّعي أنّ التفكير الإيجابي يمكن أنْ يخلق نتائج تجعل الحياة أفضل مثل: زيادة في الثروة، والصحة، والسعادة. من الأفكار الموجودة، حسب الكلام الحرفي للكاتبة: "أفكارك الحالية تشكل حياتك المستقبلية. ما تركز عليه غالباً أو تفكر فيه سوف يظهر في حياتك".
وتقول أيضا " ينص قانون الجذب على أن الشبيه يجذب شبيه، وهكذا حين تفكر في فكرة ما، فإنك كذلك تجذب الأفكار الشبيهة إليك"
ولها عبارة أخرى تقول فيها" الكون يحب السرعة. لا تتباطأ. لا تفكر مرة ثانيه. لا تشكك. فعندما تجد الفرصة أمامك، وتوجد الدافعية، ويكون الحافز الفطري بداخلك فتحرك. فهذه هي مهمتك"
وتقول " انظر للأشياء التي تريدها على أنها ملكك بالفعل، واعلم أنها سوف تأتي إليك عند الحاجة. دعها تأتي ولا تقلق ولا تفكر بشأنها"
وتقول في الكتاب أيضا " كل ما يحدث في حياتك فأنت من قمت بجذبه إلى حياتك. وقد انجذب إليك عن طريق الصور التي تحتفظ بها في عقلك"
وتقول " يمكنك أن تحظى بما تريد، إذا علمت كيف تصوغ القالب الخاص به في أفكارك. فليس هناك حلم لا يمكن أن يتحقق إذا تعلمت فقط استخدام القوى الإبداعية التي تعمل من خلالك" (كتاب السر روندا بايرن).
فكرة الجذب بين الفلسفة الإلحادية والعقيدة الاسلامية:
من المؤكد أنّ التنمية البشرية ظهرت بدفي أمريكا وفي أوروبا، حيث عرف الغرب نهضة صناعية، وتقنية، واجتماعية هائلة. وكان يُحتاج في ذلك إلى تنشيط الإرادات الخاملة، وبعث الهمم من أجل حث الناس على العمل. ففي الغرب المصانع موجودة، والشركات الاقتصادية تبحث عن موظفين وعمّال، لذا جاءت التنمية البشرية في بيئتها كخطاب تحفيزي للإنسان الغربي لكي يعمل وينشط وينتج ويتحرّك. فما على الإنسان سوى التحرك فقط لكي يحقق هدفه.
ومن زاوية أخرى، ينطلق مشاهير التنمية البشرية في البلاد الاسلامية من أفكار إلحادية وأفكار علمانية في جذب والدعوة الناس إلى أفكارهم، ذلك أنّ تلك الأفكار مأخوذة من الفلسفة المادية الغربية. فالانسان في الغرب لا ينطلق من فكرة تأثير الله في أحداث العالم، بل يتصور أنّ الإنسان له كامل الإرادة في التحكم في مصيره. إذْ يعتقد أنّه بمجرّد ممارسة الجذب والتركيز سوف تتحقق جميع أهدافه وكأن الإنسان إله، أو في مكان الإله يقول لشيء: كن فيكون فتتحقق جميع أهدافه.
ولكن في الإسلام، يؤمن المسلمون بأنّ أحداث الحياة تعود إلى إرادة الله، وأن لا إرادة مطلقة للإنسان يفعل ما يريد. يقول تعالى:
﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ ۗ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [ سورة الأعراف: 54]
فقد جاء في تفسير البغوي : "له الخلق لأنه خلقهم وله الأمر ، يأمر في خلقه بما يشاء ".
وهذا لا يعني أنّ الإنسان محكوم بالقدر أو بالمكتوب. بل هناك مجال واسع جدا للإرادة الإنسانية. فالانسان هو الذي يختار بين الإيمان والكفر، الجنة أو النّار، بين أنْ يكون إنسان خيّر أو شرير، بين أنْ يعمل أو لا يعمل.
إنّ دور الله في تصور الإنسان الغربي في حياته يكاد يكون معدوما أو هو غائب، بينما نحن كمسلمين يجب أنْ نضع هذا بعين الاعتبار: لا يستطيع المرء أنْ يحقق أمرا ما، إلّا بإذن الله.
العالم لا يحكمه البشر. بل لله الأمر من قبل ومن بعد، الله هو الذي يهب ويمنع، يرزق ويبسط، مالك الملك يؤتي الملك من يشاء وينزعه عمن يشاء، وهذا ما يغفل عنه أشهر مدربي التنمية البشرية في الغرب.
تخيّل معي وافترض أنّ هناك شخصية مشهورة: لاعب كرة قدم عالمي، أو فنان، أو ممثل سينمائي. لا شك أنّ شخصية من هذه الشخصيات هي حلم للكثير من الفتيات في هذا العالم ليكون لها شريك حياتها وتتمناه كزوج. فإذا مارست كل فتاة قانون الجذب على هذا الفنان، فهل سيكون لهن جميعا كزوج؟ أم يكتفي بزوجة واحدة فقط. فكم من شخص مارس بما يسمى بالجذب ولم يحصل على مراده ولم يرتبط بذلك الشخص الذي تمناه.
ومثال آخر: إذا تمنيت زوال نعمة شخص ما تحسده، أو تمنيت رحيل الملِك أو الرئيس من منصبة لتكون في مكانه، ومارست قانون الجذب، فهل هذا سيحصل؟
ومثال آخر: إذا تمنى كل شخص يمارس الجذب أنْ يكون غنيا ويمارس في فكره وخياله جذب الثروة، وتخيّل أنّه غني وكان له تفكير إيجابي في ذلك. هل سوف يكون غنيا ؟. إنّ الثروة تتطلب الاجتهاد والعمل والسهر، ولا يتم تحصيلها من خلال التخيل والجذب.
عندما يطلع قارئ كتب التنمية البشرية على تلك الأفكار يشعر وكأنّه يمتلك العالم وأنّه محور الوجود. ولكن السلبي في تلك الكتب أنها تدفع بك إلى الوهم إلى حد بعيد، فهي تشحنك بطاقة وهمية وتُنمّي في الإنسان تضخُّم الأنا، وعندما يتضخّم الأنا ويتم تكبِيره وتفخِيمه لن يرى الشخص الواقع كما هو، ولن يرى العلاقات البسيطة بين الأشياء كما هي. فهي تدفع المرء لكي يحقق أهدافه على مستوى الخيال، وليس على مستوى الواقع. بينما في الحقيقة أنّ تحقيق الأهداف لا يكون من خلال تفخيم الأنا، بل يجب أنْ يتم ذلك من خلال معرفة حقيقة الذات وإمكانياتها ومعرفة الواقع وتفاصيله.
وهذا لا يعني أنّ الإنسان لا يجب أنْ يكون إيجابيا وواثقا من نفسه ومتفائلا، بل هذه الايجابية والثقة تعتبر من أساسيات النجاح وجوهره الذي من المفترض أنْ يقوم عليهما. ولكن هناك فرق بين الثقة في النفس على نحو واقعي بمعرفة حقيقة إمكانياتها وخصائصها النفسية والعقلية وبين ثقة في النفس منفوخة من خلال الوهم والخيال باعتبار الذات هي مركز الكون ومحوره.
فعندما نسمع أو نقرأ كتب تنفخ في ذواتنا بالأوهام والاكاذيب، لن نرى عيوبنا وأخطاءنا، بل نتكبّر على كل نصيحة تُوجّه إلينا ونستصغر الناس ونحتقرهم. وسنفرح بشخصيتنا حتى ولو كانت تافهة، وهذا ما ينطبق على بعض أصحاب بعض القنوات على وسائل التواصل الاجتماعي، إنّه يثق بالتفاهة التي ينشرها، لأنّه واثق من نفسه على أساس النفخ الذي تلقاه من كتب التنمية البشرية.
إنّ الثقة المطلوبة هي الثقة القائمة على التواضع والتعلم المتواصل والواقعية.
فبعض الأخطاء والانحرافات: الأخلاقية والعلمية والسلوكية التي يقع فيها البعض ناتجة كونهم لا يسمعون للغير ولا يتقبّلون النصيحة نتيجة لانتفاخ ذواتهم. فالثقة الحقيقية ليست تلك التي تضخم الذات وتحييها في الوهم والتي توصل إلى الديكتاتورية واحتقار الناس. بل تلك الثقة في النفس التي تقوم على التواضع وتُبنى على تقبل النصائح والتعلُّم المتواصل.
ما سبب انهزام هتلر؟
تذكر كتب التاريخ أنّ سبب انهزام هتلر أمام الاتحاد السوفياتي يعود إلى المعلومات المغلوطة التي تسرّبت إلى المخابرات الألمانية حول قدرات السوفيات العسكرية. فالألمان عندما توغلوا في الاتحاد السوفياتي لم يستطيعوا التوغل أكثر ولا الصمود. لأنهم تجاوزوا قدراتهم وإمكانياتهم. أيْ أنهم هاجموا عدوا أكبر منهم بكثير ولم يحسبوا لهذا الأمر، فكذلك بالنسبة إلى الإنسان الذي لا يعرف قدراته الحقيقية وحجمه الطبيعي، لن يحقق أهدافا أكبر منه، فتحقيق الهدف مرتبط بمعرفة حجم وإمكانيات الذات.
كان هتلر مصابا بتضخُّم الذات وبجنون العظمة. الأمر الذي أغراه إلى مهاجمة الاتحاد السوفياتي. وبما أنّ هتلر استصغر الاتحاد السوفياتي، قد دفعه ذلك لإعلان الحرب عليه، وبذلك فقد وقع في الفخ، فقد تجاوز حُلمه قدراته بكثير.
والنتيجة من هذا الدرس التاريخي: لا يجب على الإنسان أنْ يحلم بأحلام تتجاوز قدراته وإمكانياته بكثير. وهذا لا يعني أنّ الإنسان لا يجب أنْ يحلم، ولكن الحلم يجب أنْ يرتبط دائما بالواقعية وبالحسابات الدقيقة. كان بإمكان هتلر أنْ ينتصر في الحرب لو لم يهاجم الاتحاد السوفياتي وتفرّغ بدل من ذلك بالانتهاء من احتلال إنجلترا.
انّك لا يمكن أن تحقق أهدافك في الحياة وأنت لا تعرف حقيقة أهدافك وما تتطلّبه من إمكانيات، فالنرجسية المفرِطة والوهم بالعظمة، قد تكون هي أسباب خسارتك لكل شيء، الإنسان ليس إلها حتى يستطيع أنْ يُحقق من تخيلاته جميع أهدافه.
لهذا فإنّ الخيال يبقى خيال من حيث له القدرة على تصور واقع جميل ومثالي، وتمنِّي أشياء غير موجودة على أرض الواقع. ولكن الواقع الفعلي الذي يعيش فيه الإنسان مليئ بالصعوبات والعراقيل، وهو مجال الصراع القائم بين البشر .هكذا، فليس بالوهم والتخيل يستطيع المرء حل مشكلاته، وليس الإنسان محور الكون كما ترى ذلك الفلسفة الغربية. فمن الأفكار التي تدعو إلى التخيل الذي يدعو إلى الخمول والكسل فكرة: أنّ سر العالم كامن في الإنسان، وأنّه كلما فكرت في هدفك، كلما تحرّك العالم نحوك ليحققه لك. ويُخيّل إليك: أنّ العالم مائدة تأكل منها ما تريد من خلال التركيز على الهدف ببعض الخطوات.
إنّ هذه الأفكار ليست إلا مهدّئات للألم الذي يعيش فيه البعض نظرا للفشل الذي يعانوه في واقعهم، أو كمسكّنات للرغبة الإنسانية في نزوعها لتحقيق حاجياتها المختلفة. فيحقق القارئ من خلال هذه الأفكار إشباعا مؤقتا في لحظة القراءة. وهي في الواقع نوع من السِّحر الذي يحوّل حقيقة الحياة الفعلية من ألام، وصعوبات، وعوائق إلى حقيقة سهلة، فيحسبون أنّ كل مشكلات العالم تزول بمجرد التفكير الايجابي بمعزل عن دعاء الله.
إيّاك نعبد وإياك نستعين
لا شك أنّ الشباب في مقتبل العمر تسحرهم وتجذبهم أفكار التنمية البشرية وخاصة قانون الجذب. وهذا طبيعي أنْ يتأثر الشباب بهذه الأفكار، حيث تكون طموحاتهم بلا حدود وتكون إرادتهم في عنفوانها، فينجذبون إلى مثل قانون الجذب الذي ملخصه: كن مريدا ويأتيك كل شيء. وهو يعبر بلا شك: عن طموحات كل شاب في العالم.
لكن شخصيا بعدما عرّفتني الحياة على تجارب قاسية ومريرة، وبعد أنْ عرفت أنّ الحياة ليست مجرّد مائدة يأخذ منها من يريد ما يشاء، أدركت حقا أنّ إرادة الإنسان وعقله لا يكفيان لمجابهة الأمواج العاتية التي تحملها مشكلات الحياة. وليس بمقدور إرادته لوحدها تحقيق طموحات المرء.
وتيقنت أنّ العالم لا يستجيب لك بمجرّد أنْ تتخيل أو كما تريد أنت، فليست هذه إلا نظرة من يعتقدون أنّ الوجود بلا خالق، وأنّ العالم هو الأوّل والآخر. فمن يؤمن بقانون الجذب يعتقد شيئا فشيئا أنّ هذا العالم لا يحكمه شيء، وأنّه خاضع فقط لأفكارنا. لكن الإيمان بهذا القانون سيفقد معه الإنسان الطمأنينة والأمان والراحة النفسية التي لا نجدها إلا في الإيمان، بأنّ هناك رب للعالم يتحكم فيه، ينصر الضعيف والمظلوم ويستجيب دعوة المضطر.
والكثير من الناس راحوا ضحية لهذه الممارسة الخرافية: فتمنوا وطمحوا وأرادوا بكامل قوتهم وتخيلوا أنْ تتحقق جميع أحلامهم، وطموحاتهم. ولكن مع ذلك لم يتحقق منها شيء. فالعالم الذي اعتقدوا أنّه يستجيب لهم لم يستجب. كما أنّ أعداء المسلم من شياطين الإنس والجن سيجدون له ممرا وقدرة على التمكن منه إذا آمن بمسلماتهم بالاعتقاد أنّ العالم هو الذي يحقق المطلوب بمجرّد أنْ تجذبه بأفكارك. هذه الفكرة لا يحبذها إلا الملاحدة والزنادقة والشياطين وتؤازر من يؤمن بها. فالمؤمن بالله لا يعتقد بربوبية الكون. بل إنّ الله هو خالقه ومدبره.
الإرادة الإنسانية لا تحقق مرادها إلا بالاستعانة برب العالمين. فهو مالك السموات والأرض، وهو الذي نلجأ إليه في قضاء شؤوننا كلها. فعندما تؤمن بأنّ العالم ينجذب لأفكارك ويحقق طموحاتك فأنت هنا تُربب الكون، وتجعله إلها يُعبد بدون أنْ تشعر. فعندما تمارس جذبه فأنت بهذا المعنى أو ذاك تدعوه خِفية وتعبده. ولكن حتى ولو مارست هذا الجذب لساعات طويلة فلن يحقق لك مرادك، وما تعتقده أنّه تحقق من خلال الجذب، ليس إلا تحيزات من عقلك، وتأكيدات مزيفة منك على إثبات هذا المبدأ لأنّك تنسى المرّات الكثيرة التي لم يستجب فيها لك.
وبدل أنْ أمارس الجذب ومختلف الخرافات الأخرى عليّ أنْ أثق في الله رب العالمين ليحقق لي جميع طموحاتي، ويكشف عني كل سوء
﴿أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ﴾[ النمل: 62]
فالكون جامد غير حي يسير على قوانين طبيعية سخرها الله ليسير عليها، وهذه القوانين غير عاقلة لا تبالي بأحد، أمّا الله فهو الحي القيوم يقول للأمر: كن فيكون. فالله مع الإنسان في وقت ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾[ غافر: 60]
معرفة الحياة بواقعية وبتفاصيلها هي أساس نجاح المرء فالإنسان كائن ضعيف، كما أنّ العالم مليء بالأخيار والأشرار، بالآلام بالمفاجآت بالمصائب بالصعوبات. هذه هي النظرة الواقعية التي يُغيِّبها مدربو ومؤلفو كتب التنمية البشرية. فهل يمكن أنْ ينجح المرء دون أنْ يعرف حقيقة الواقع والحياة؟
ثم بعد، لسنا لوحدنا، بل هناك الله الواحد، الأحد، الصمد، خالق الوجود. فإذا كانت إرادتي تفعل ما تشاء، فأين هي إرادة الله التي تعمل في الكون؟ وإذا افترضنا أنّ كل واحد من البشر يريد أنْ يُحقق السعادة والمال والسلطة والشهرة. فهل يُحقق كل هؤلاء أهدافهم؟ وكيف يُصبح العالم إذن؟ سيحدث: أنْ يتحوّل إلى ساحة صراع وحروب لتعارض المصالح.
والمسلم لا يستطيع عن طريق الجذب والتفكير الايجابي أنْ يحقق أهدافه، بل إرادته تبقى قاصرة عن تحقيق مطلوباته إلا إذا استعان بالدعاء مثل: "يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ، أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، وَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ". ولتسهيل أموره يستعين بدعاء: " اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً ". فدعاء الله والتوكل عليه هو الذي يجذب إلينا أهدافنا بتقدير الله لمصلحتنا. والحق أنْ نعرف العالم بواقعية دون تسهيله وتمييعه كما تفعل ذلك كتب التنمية البشرية التي تعتمد على أفكار التخيل والجذب. كما يجب أنْ نعرف أنّ للإنسان رسالة يجب أنْ يؤديها وهي عبادة الله مع تحقيق أهداف دنيوية تعينه على ذلك.