عن النبي عليه السلام أنه قال:
أَكْثِر مِن قولِ: لا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا باللَّهِ، فإنَّها كَنزٌ مِن كَنزِ الجنَّةِ قالَ مَكْحولٌ، فمَن قالَ لا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا باللَّهِ ولا مَنجا منَ اللَّهِ إلَّا إليهِ: كشَفَ عنهُ سبعينَ بابًا منَ الضُّرِّ أدناهنَّ الفَقرُ
المصدر: صحيح الترمذي
وقود الإرادة:
إنّ طاقة الإنسان محدودة، كما أنّ إرادة هذا الكائن مهما بلغت قوتها، فإنها في أحيان كثيرة تخمل وتتوقف دافعيتها، ومهما بلغ العقل من ذكاء، فإنّه في الكثير من اللحظات يفقد صوابه، ولن يحقق للإنسان أهدافه ومراده. ويبقى الإنسان في الأخير كائن ضعيف بأتم معنى الكلمة. والدليل على ذلك أنّه مهما حقق الإنسان جميع أهدافه، حتى ولو تم ذلك سيدخل الإنسان في لحظة كآبة وحزن في مرحلة من مراحل حياته.
وإذا كان الإنسان كائن ضعيف بطبعه، فإنّه يحتاج إلى قوة علوية وسامية تُعينه على أنْ يكون قويا، ونشيطا. الإنسان لوحده لا يستطيع أنْ يخرج من حالة الضعف التي هو فيها إلا بمعونة من يعرف أدق تفاصيله ويعرف كنهه وأسراره.
وحده الله هو الذي خلق الإنسان عارف بطبيعة الروح التي في هذا الكائن، ويعرف أسرار قوتها وضعفها. لذا فإنّ الإنسان يحتاج إلى صانعه وخالقه ليطلب منه القوة والطاقة لمواجهة مصاعب الحياة.
فكما أنّ السيارة المعطوبة لا يمكن أنْ تصلح نفسها، وتحتاج إلى صانع ليكتشف فيها العطب، كذلك الإنسان عندما يعيش لحظات ضعف وحزن وأزمة يحتاج فيها إلى الله، لأنّه خالقه وصانعه. ومهما بذل الإنسان من جهود ذاتية لكي يخرج من حالة الضعف التي هو فيها والحزن العميق الذي يعانيه والأزمات التي تخنقه، لن يستطيع ذلك لوحده. بل سيخرج من حالة سيئة ويدخل في حالة أُخرى أسوء.
وإذا كان الإنسان الغربي يستعين بعلم النفس والتنمية البشرية في علاج الحزن والكآبة بتدريب المخيِّلة على التركيز وجذب السعادة والقوة والعزيمة مع إعطاء العقاقير المهدئة والمنشطة. ومع ذلك فإنّ هذه المحاولات ليست إلا تخفيف من الحالة السيئة التي يعاني منها الإنسان. والكثير من أفراد المجتمع الغربي توجهوا إلى تناول المخدرات وتعاطي الكحول والكوكايين وممارسة الشذوذ الجنسي، والتوجه نحو العبادات الشيطانية المختلفة. والهدف من كل هذا هو: الوصول إلى حالة من الطمأنينة والسلام مع النفس بدل التوجه نحو الانتحار، أو إيذاء النفس.
مصدر استقواء الإرادة: قوْل: لا حول ولا قوّة إلا بالله.
أمّا المسلم فله البديل عن الممارسات التدريبية التي ظهرت في الغرب، ومصدرها عقيدته وهويته الدينية. يتعلّق الأمر بأخذ القوّة والطاقة والأمل عن طريق تكرار ذكر:"لا حول ولا قوة إلا بالله"، والتأمُّل في معناها، أيْ: أنّه ليس في وسع الإنسان، ولا في مستطاعه، ولا في قدرته تحويل الأوضاع التي يعيشها ويعانيها إلاّ بمعونة وبمساعدة الله الذي وحده القوي والغني والكامل.
والانتفاع من هذا الدعاء يكمن في تحقيق معناه وهو أنْ: أن يُلْغِي الإنسان في لحظة الذكر غرور الأنا ووهم قوّة الإرادة في تغيير الأشياء والأوضاع، وترك كل الأمور بيد الله.
والتأمل الذي يكون ب: "لا حول ولا قوة إلا بالله"، يُدخل الإنسان في حالة تسليم، حيث يسلِّم الأمر الذي يشغله لله. فوحده الخالق الذي يملك تقدير كل شيء، وهو الذي بمقدوره تحقيق المطلوب.
أمّا ممارسة عبث الجذب الروحي أو التخيلي وإهدار طاقة الإرادة في التفكير وجذب الأهداف والسعادة. هو نسيان لحقيقة أنّ الله هو الذي يسيِّر الكون وهو الذي يرزق من يشاء بغير حساب ويرزق الصحة النفسية لمن يشاء.
ومن معاني: " لا حول ولا قوة إلا بالله": أنْ انتظِر القوة من الله، وهو الذي يملك العالم، وينظِّمه، ويقدِّره في كل لحظة، وفي كل يوم. وليس الأمر متعلقا، بتكرار ذكر: لا حول ولا قوة إلا بالله باللسان. وإنما بتأمُّل معانيها، واستحضارها في القلب والمخيلة، والفكر: ومن معانيها: أنّ ليس لي قوة ولا قدرة على تغييري أوضاعي في هذا العالم إلا بمعونة الله الذي يملك مقادير كل شيء.
السر الأعظم: أن تتزود الإرادة بطاقة مصدرها قوّة إلهية
السر الأعظم في نيل المطلوب في الدنيا والآخرة قائم على فهم هذا الذكر، حيث يقوم جوهره على تسليم الإرادة والعقل والقلب لله مدبر الكون. عكس ممارسة الجذب الذي يدعو إليه البعض، فالجذب هو دعاء الكون لكي يحقق الأهداف وهذا عبث، لأنّ الكون كائن غير عاقل، ويترك الله الذي هو خالق الكون. فليس الكون إلها حتى يحقق كل شيء بمجرد التفكير فيه، وهناك فرق بين أنْ يعيش الإنسان في الأوهام، والخيالات كأنْ يدعو الكون ليحقق أهدافه، وبين إنسان يعترف بعجزه ويدعو الله ليمدّه بالعون.
طريقة الانتفاع بلا حول ولا قوة إلا بالله:
1 –تكرار: لا حول ولا قوة إلا بالله، باللسان، والتفكر في معانيها.
2 –الاعتراف بأنّ إرادتي، وعقلي لا يقومان إلا بالله الذي هو مغيِّر الأشياء ومحولّها وأنّ القوة بيده وحده
3 – الدخول في حالة سكينة وطمأنينة بتسليم الأمر الذي يشغلك الله.
4 -ترك الأمور بيد الله الخالق، والصانع، والحكيم الذي بيده مقادير كل شيء.
5-إلغاء وهم عظمة الأنا، ووهم قوّة الإرادة في تغيير الأشياء، وتركها لله.
ممارسة هذا التأمل بالتكرار الدائم يبرمج في العقل قانون التوكل على الله الذي يتولّد من خلال تكراره، مما يولّد في النفس سكينة وطمأنينة من خلال انطباعه في شعور ولاشعور الإنسان، فإذا تم انطباع هذا الذكر ومعناه في العقل الإنساني يحيي ويبعث إرادة الإنسان الداخلية، ويؤثر على تفكير وسلوك الإنسان، ويقضي على كل خوف داخلي من المستقبل، أو من أي عدو داخلي، أو خارجي. فهذا الذكر بالإضافة إلى كونه كنز من كنوز الجنة ويُثاب ذاكره بالأجر العظيم. هو ذكر يُساهم في تغيير الأشياء التي تحيط بالإنسان، ويمكّن الإنسان من تحقيق أهدافه، لأنّه يستعين بالله مدبِّر الكون. كما يساهم في علاج الكثير من الأمراض النفسية التي يعاني منها الإنسان كالخوف والقلق.
العلاج النفسي بواسطة: لا حول ولا قوة الا بالله:
-علاج الوسواس القهري: الوسواس القهري هو كل فكرة لا يستطيع أنْ يتخلص منها الإنسان، وتكون مزعجة ومقلقة. وكلما حاول الإنسان تجنبها إلا وزادت تثبتا في ذهنه، فالوسواس لا يذهب بمجرد تجنبه، بل يجب مواجهته مباشرة. ومن إحدى الطرق الفعالة التي في معالجة أي وسواس قهري ترديد: لا حول ولا قوة إلا بالله. فالشفاء من الوسواس يكون من خلال تكرار: لا حول ولا قوة إلا بالله، واستحضار معناها لمجابهة الوسواس وتفكيكه.أي الانغماس في الفكرة الوسواسية، والدخول فيها وتفجيرها من الداخل مع استدعاء فكرة أنّ الله أعظم من الوسواس، وأعظم من هذه الفكرة الخبيثة. ولكن بشرط أنْ لا يتم التهرب من الوسواس، أو تجنبه. لأنّ ذلك يزيد الوسواس قوة، بل يجب الانغماس، وتفجيره من الداخل. حتى يتم إذابته، وكلما جاءت الفكرة الوسواسية يمكن مواجهتها ب: لا حول ولا قوة إلا بالله، لأنّ الله أعظم من كل شيء.
- علاج الخوف مهما كان نوعه: البعض من الناس يشعر بالخوف، ولا يعرف مصدره، أو يخاف من شيء ما، غيبي أو مادي. علاج هذا الخوف يكون من خلال استحضار وترديد: لا حول ولا قوة إلا بالله، ومعرفة معناها، فالخوف يزول من خلال التيقن أنّ لا قوة حقيقية إلا لله.
علاج القلق: باستحضار أنّ الله هو القوي الذي يحول كل شيء بقدرته وإرادته، وأنّ الله أعظم من هذا الشيء الذي يقلقني.
-علاج الخوف من المستقبل: باستحضار أنّ الله الذي سيدبِّر كل الأشياء من اجل مصلحتي.
في الأخير نقول: لا شيء يضر بالإنسان كالأوهام والسراب، فهناك فرق بين إنسان يتوكل على إرادته وعقله ومخيلته وبين إنسان يتوكل على الله، وأنت بتكرارك الكثير لذكر لا حول ولا قوة إلا بالله رابح، رابح في كل الحالات منها:
1- كسب الأجر العظيم
2-علاج الأمراض النفسية
3 –تقوية الإرادة الذاتية من خلال طلب القوة من الله تعالى
4-بناء شخصية قوية من خلال تثبيت فكرة القوة من الله في والوعي واللاوعي.
فتثبيت الإرادة القوية وبناء الشخصية القوية يكون من خلال ترديد هذا الذكر وإن أمكن أكثر من 100 مرة في اليوم، أو أكثر من ذلك. في كل ساعة أو ساعتين مع الله، وبذلك ستصبح عندك عادة تكسب منها الكثير في الدنيا والآخرة.