ولأن الثورة الفلسطينية هي ثورة تراكمية وتمتاز بالاستمرارية، رفض الشهيد عمر أبو ليلى أن تقف مسلسل العمليات المقاومة عند انجاز الشهيد أشرف نعالوة، الذي أربك منظومة الأمن الاسرائيلية في مستعمراته الاستيطانية بالضفة الغربية المحتلة، عندما أقدم على تنفيذ العملية الفدائية الشهيرة عند مستعمرة "بركان" بالقرب من سلفيت, والتي أدت لمقتل مستوطنين اثنين واصابة مستوطن ثالث بجروح خطيرة قبل أن ينسحب بسلام.

 فقام عمر أبو ليلى صاحب ال ١٩ عاماً بعملية مُركّبة, بدأ الشهيد عمليته البطولية بطعن مستوطن والاستيلاء على سيارته وسلاحه، ثم عاد للاشتباك مرة أخرى مع مجموعة من الجنود والمستوطنين ليقتل اثنين منهم وأدى لإصابة الثالث اصابة خطيرة جداً قبل أن ينسحب بسلام. 

"سلم نفسك" 

حاصرت قوات اسرائيلية خاصة المنزل الذي كان يختبئ فيه وصرخت عبر مكبرات الصوت "عمر أبو ليلى سلم نفسك والا سنهدم البيت على رأسك". وكعادة الفعل لدى العدو بعقليته التدميرية فإن الهدف الرئيسي من كل عملية مطاردة لمقاومين فلسطينيين هي القتل, أما الاعتقال فهو خيار ثانوي تحاول دائماً المنظومة الاستعمارية تجنبه للعديد من الأسباب, لعل أهمها ترسيخ فكرة الثنائيات التناقضية من مثل ثنائية الحياة والموت و الأمن والخوف وزرع الرعب في عقل المُستَعمر ليكون درساً عملياً لغيره من الذين يرغبون بحمل البندقية. وعلى إثر ذلك, باشرت القوات الخاصة الاسرائيلية اطلاق النار على المنزل الذي يتحصن فيه عمر والذي عاد من جديد ليشتبك معهم كختام لرواية اسطورية عن سردية المقاومة وثلاثية الدم والتراب والبندقية, مما أدى لقصفه بعدد من القذائف, الأمر الذي كان واضحاً عندما ظهرت آثار الدمار في جدران المنزل من الداخل والخارج.

ثقافة المقاومة:

في ظل غياب القيادة السياسية, واستمرار الفشل السياسي للسلطة الفلسطينية في استحقاقاتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية, أدرك عمر أبو ليلى غُربته عن هذا الوسط الاجتماعي الذي ينتزع منه هويته ويحوله لضحية الحداثة, وفَهِم أن الفعل هو الإعتراف بالوجود, وغياب الفعل وسط مجتمع صهيوني همجي وعدائي يحافظ على وجوده بالحفاظ على تفوقه الصوري ماهو الا انتحار سياسي واجتماعي وعقائدي, وفشل ذريع بالصراع الكوني وجانبها الوجودي. فقرر كغيره من المقاومين, أن يكون قائد نفسه, ويمثل نفسه كطرف أساسي في معادلة الصراع الوجودي الفلسطيني الصهيوني. ولأن البُعد المجتمعي للمقاومة لا يتبلور الا بالتضحية والنضال والاشتباك, فما كان من عُمر الا ان يكون جزءً كبيراً من تركيبة بيئية مجتمعية مقاومة خرج منها نعالوة والتميمي والعارضة وغيرهم من المقاومين, ليُكوّنوا نواة بناء التركيبة الاجتماعية الجديدة الحاضنة للمقاومة, التركيبة التي تحمل في جوهرها مشروع وطني ثقافي مقاوم انبثقت على إثره لاحقاً تنظيمات من مثل مجموعة عرين الأسود, وكتائب المقاومة في جنين وطولكرم وأريحا بمخيماتها عقبة جبر وبلاطة بتلخيص مثالي لمفهوم جدوى المقاومة.