قال النبي عليه السلام: لا يكُنْ أحدُكُم إمَّعة، يقول: إن أحسن الناس أحسنتُ، وإن أساؤوا أسأت، ولكن وطِّنُوا أنفُسَكم، إن أحسن النَّاس أن تُحسنوا، وإن أساؤوا أن تُحسنوا)). رواه البخاري
إتباع الكثرة ليس حجة منطقية
أنْ تكون أنت نفسك، هذا هو الأهم في حياتك كلّها. بل هو هدفك النهائي من وجودك. وما أتفه تلك الحياة التي تكون مجرّد تقليد للآخرين، لأنّه يتم تغييب الذات لصالح من أقلِّدهم، وتغييب الذات هو أبشع طريقة لاحتقار النفس، وبخسِها حقها لتكون هي هي. فما أبشع أنْ نمحي ذواتنا ونلهث وراء تتبع خطوات الناس فيما يفعلون، ويقولون، ويلبسون. أليس لذاتك الحق لتكون ذاتا مستقلة، بعيدا عن كل تقليد أعمي؟ ثم من هم؟ هؤلاء الناس المشاهير حتى أُقلِّدهم؟ ألا تستحق ذاتي، ليكون لها هُوية مختلفة، ومميزة.
والكثير من الناس ليس لهم الشجاعة والثقة في النفس لكي يكونوا هم أنفسهم. إنهم يتخفون وراء القطيع والكثرة. وعندما يكون مصيرك إلى النّار ليس لك حجة عندما تقول: فعلتُ ما فعل الناس، أو أنّي اتبعت الناس. هذه الحجة لا تنقذك يوم لا ينفع النفس إلا عملها. وعندما تقوم بسلوك سلبي في وسطك الاجتماعي وتُنتقد عليه، وتتعرّض للتجريح والاهانة، لا يمكن أنْ تقول لهم: لقد فعلت ما يفعله الناس. فالكثرة هنا ليست حجة بيدك، أو معك. لكي لا تكون أنت. فلك الحرية لتفرض وتنفِّذ إرادتك وفكرك في الحياة.
ولو أنك اتبعت طريقك الخاص، لتجنبت الكثير من سقطات الناس، وأخطائهم. والناس يا صديقي تحتمي ببعضها البعض. لأنها كثرة، إنهم يحتمون بالقطيع.
وجمال الحياة ورونقها قائم عندما تقول: هذه ذاتي، كما هي، وكما تبدو، وتلك هي قدراتها، وإمكانياتها، وفهمها، ولن أُساير القطيع. ألبس ما يعجبني، وليس ما يعجب الناس، أقرأ ما يهمني، وليس ما هو مشهور، أو ما يقرؤه الناس، لي أُسلوبي في الكتابة يخصني ولا أُقلد أي كاتب.
إتباع الموضة والمشاهير والأفكار الرائجة هو ما يمحي الطريقة الخاصة في وجود الإنسان، فطريقة الوجود يجب أنْ تكون من اختلاقي ومن إبداعي، وليس من اختلاق المشاهير الذين يعلمونني طريقة الوجود.
تحقيق الذات قائم على توطين الذات على طريق خاص بها. بحسب إمكانياتها، وقدراتها، وبحسب مواهبها وظروفها. فمن غير المعقول أنْ اختار تخصص في الجامعة تبعا لما يختاره الناس ولا أختار التخصص الذي يناسبني وأستطيع من خلاله تفجير قدراتي ومواهبي. وليس بالضرورة أنْ أشاهد أفلاما لاقت رواجا بين الناس وهي ليست الأفلام التي أحبذها في نفسي العميقة.
كل إنسان في هذه الحياة، هو نسخة فريدة من نوعه، له خصوصياته، ومواهبه، وقدراته. له صوته الخاص، وأسلوبه في الكلام،.. يختص بهم من جميع الناس. والرهان هو: كيف أعيش من خلال خصوصياتي وما ميزني الله به؟ أمّا التقليد الأعمى فيمحي خصوصيات الذات، ومواهبها، وطريقتها في النظر إلى الأشياء. فلو تحررت الذات من التقليد، لقدّمت إلى العالم أشياء جديدة، لم تكن موجودة أصلا. لهذا فإنّ التقليد يقتل الإبداع في مهده ويمحي التنوع.
ولكن لا يعني أنْ لا يقلّد الإنسان من الأساس، فالتقليد في البداية هو أساس التعلم والتعليم. فالابن يقلد والديه، والتلميذ يقلّد أستاذه، والفنان والعالم والفيلسوف والأديب يقلدون في بداياتهم من عُرِفوا في العالم بحرفيتهم في هذا المجال. التقليد يكون سلبيا عندما يكتفي المقلّْد بتقليد النموذج واعتباره شيئا مقدّسا وإلهيا. وما سقوط الأمة العربية والإسلامية في هاوية التخلف إلا تبعا لهذا التقليد السلبي للأجداد، أو للغرب. ولم يسمحوا لأنفسهم أنْ يوجدوا لذاتيتهم الخاصة مكانا في الوجود. والإبداع هو وثوق النفس في ذاتها من حيث ما ينتجه تفكيرها محافظة على أصولها وجذورها.
لا تكن مهرٍّجا في مسرحية الحياة
وعندما نقول أنّ التقليد سلبي لا يعني هذا الوقوع في خطأ جسيم وهو: خالف تُعرف: بأن تعتنق أفكارا غير منطقية، لتصدم غيرك من الناس، وهدفك في النهاية هو التميّز لا الحقيقة، والشهرة لا المعرفة. لتُسلّط عليك أضواء الشهرة والإعلام.
التقليد هنا يكون أفضل من سلوك طريق التميز الكاذب، فطريق الشهرة يشبه الفقاعة ما إنْ تنتفخ وتعلو حتى تنفجر وتتلاشي. مبدأ خالف تُعرف: مبدأ تُجار الشهرة الذين يبحثون عن الأضواء، باقتحام مجالات جديدة، ونيتهم في ذلك، ليس البحث عن الحقيقة والإتيان بشيء جديد إلى العالم -لأن هذا الأمر محبوب -وإنّما نيتهم أنْ يُعرفوا، ويشتهروا. ببساطة كن ذاتك أنت، مقدِّرا مواهبك، وخصوصياتك، وتكون قد مررت على التقليد الذي يّعلم، ولكن دون أن تكون مهرّجا، من خلال مبدأ خالف تعرف. أفضّل أنْ اختفي من عالم الشهرة على أنْ أظهر كفقاعة ثم تختفي فجأة.