(لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل الصالح: الكلمة الحسنة) متفق عليه
مصدر المشاعر:
لا شك أنّ العقل في الأصل صفحة بيضاء، يأخذ مضمونه المعرفي من محيطه الاجتماعي والعائلي والتعليمي، وإذا أردنا تشبيه العقل فهو أشبه بالوعاء الشفاف يعكس كل ما يُفرغ فيه من: كلمات وقواعد تربوية واعتقادات، ومن خلالها يفكر الإنسان في الأشياء ويحكم على المواضيع ويحلل الأحداث.
تحليلاتنا واستنتاجاتنا وأحكامنا تأتي من خلال القواعد التي تعلمناها في المدرسة والبيت والجامعة والمجتمع.لكن العقل من جهة أخرى، ليس آلة عمياء تبقى مبرمجة إلى النهاية، إذْ يمكن أنْ تتغير طريقة تفكيرنا، وأيضا أحكامنا ورُؤانا واستنتاجاتنا إذا غيرنا من قناعاتنا العميقة ومن القواعد الفكرية التي تلقيناها منذ نعومة أضافرنا.
وذلك بسبب ما يقوم به عقلنا في أحيان كثيرة إلى إعادة مراجعة مضمونه مثل إعادة قراءة أحداث اليوم .حيث، نعيد قراءة أحداث الليل والنهار، وننظر في ايجابياتها، وسلبياتها، ونتوقف بلا شك عند الحدث الذي سبب لنا تأثيرا عاطفيا. سواء كان ذلك التأثير مفرحا أو محزنا. ومن ثمة سنحاول أنْ نصحح الأخطاء التي وقعنا فيها، وسوف نشعر بالفرح إذا كان ما هناك شيء فعلناه بطريقة حسنة ورائعة، فالعالم الخارجي وما يحتويه من أحداث وعلاقات عائلية واجتماعية ومهنية تدفعنا إلى مراجعة النفس ومراجعة جميع ما سمعناه أو شاهدناه. فبإمكان كلمة صادرة من شخص ما أنْ تجعلك متوترا وكئيبا.
إننا نلاحظ أمر في غاية الأهمية: وجود علاقة بين العقل البشري الذي سمع كلمة وحلّلها وفكّر فيها والقلب الذي تعكّر واكتأب على إثرها.
والواقع أننا نقرأُ كل يوم الكثير من الأخبار السارة والمؤلمة، نركب الحافلة فنسمع كلمات من هنا ومن هناك. نرى مشاهد وسلوكيات من الناس لا تُعد ولا تُحصى. كل ما نراه وكل ما نسمعه يُؤثر على أفكار عقلنا وعلى طبيعة مشاعرنا. سواء كان ذلك بالسلب أو بالإيجاب. وإذا كان الأمر كذلك، فعلينا أنْ نعرف ما يجب إدخاله في دائرة اهتمام تفكيرنا عندما نسمع ونتلقّى مختلف المشاهد والكلمات التي تصادفنا وتأتينا من العالم الخارجي. لأنّ عقلنا مجرد مستقبل والقلب مجرّد متأثر لما يستقبله العقل.
وحدها الكلمات الجميلة والحسنة هي التي يجب أنْ نضعها في دائرة الاهتمام، أمّا غير ذلك فيجب أنْ يُرمى في سلّة المهملات، فليس كل ما يُسمع أو يُقرأ يجب أنْ يُدوّر في الذهن، أو يوضع في دائرة الاهتمام والتركيز، بل نحتاج في الكثير من المرّات أنْ نمارس اللامبالاة مع ألاف الكلمات التي ترِدُنا، وأنْ نمارس معها عدم ردة فعل إزاءها. ونُبْقي فقط على ما يجلب لنا الفرح والسرور، على طريقة النبي صلى الله عليه وسلم: " ويعجبني الفأل الصالح: الكلمة الحسنة"
يمكننا أنْ نوسّع من فائدة الحديث السابق ليشمل جميع الكلمات التي نسمعها ونتلقّاها في حياتنا الاجتماعية. فالعالم يقدّم لنا مئات الكلمات يوميا وآلاف الكلمات شهريا. سواء عبر استماعنا لأحاديث الناس، أو عبر مشاهداتنا لوسائل التواصل الاجتماعي، وهكذا فليس كل ما يُلقى إلينا، يجب أنْ نلتهمه في داخل عقولنا بالتحليل والتساؤُل والتحيُّر والبحث عن مغزاه. لأنّ ذلك سيُرهِق عقولنا، وستُلقي على قلوبنا مشاعر كئيبة وتعيسة ومقلقة.
البعض منا يهتم لكلمة مزعجة سمعها من صديقه مُمازحا، وآخر يبالغ في تضخيم كلام صادر من مدير المؤسسة، وآخر يغتم لأنّه سمع كلاما يتردّد حوله. لكننا لا ننتبه لهذا الأمر المهم: وهو أنّ تأثير الكلمة يكون فقط عندما يقوم أحدنا بتدوير ذلك الكلام في ذهنه، فينشغل القلب بتلك الكلمة لدرجة أنّ الإنسان يفقد كل هدوء واتّزان.
والأحق من كل ذلك: أنْ نتعلم كيف نهتم ونركِّز على الكلمات الجميلة والحسنة لوحدها دون غيرها. لأنها هي التي تعطينا معنى أجمل عن العالم وعن الحياة.
إنّ الكلام الذي لا ندخله في دائرة الاهتمام والتركيز يموت، ولن يكون له أيْ تأثير علينا. فالكلمة تتغذى من مشاعر القلب، ويتعاظم تأثيرها كلما ألقينا لها بال واهتمام، وتدوير .وهذا ما يسبب لنا تعاسة، وقلق، وكآبة...........
اللامبالاة والإعراض:
فأنْ أقتل الكلمة المزعجة والجارحة معناه: أنْ لا أغذيها بالاهتمام والتركيز.
أنْ أجعل الكلمة تموت حين سماعها معناه: أنْ لا أضع لها وعاء من مشاعري حتى لا تحيا من جديد وتفرز في داخلي سمومها.
أنْ أحرق الأفكار السوداوية بصفة نهائية معناه: أنْ لا أحرِّك بشأنها أي ردة فعل.
فالوسواس القهري يبدأ من هنا: حين أفكّر في الكلمة الجارحة والفكرة الخبيثة، وأبدأ في مصارعتها: سواء بتكذيبها أو بمحاربتها أو بمواجهتها، أو حين أقوم بأي شكل من أشكال ردة الفعل عليها. لأنّه بذلك ستحيا الفكرة وتتثبّت. والعلاج الأقوى للوسواس القهري يكون من خلال عدم ردّة الفعل إزاء أي كلمة أو فكرة لأنّه بإهمالها سترحل تلقائيا.
سألت جاري وهو رجل في عمر التسعين عن سبب طول عمره فقال لي: علمتني الحياة أنْ اسمع الكلام من أذن وأخرجه من أذن أخرى.
تصوروا أنّ هذا الرجل الشيخ لا يعاني من أي أمراض جسدية، وتبدو روحه كأنّه في عمر الشباب من خلال إقدامه على المزاح والابتسامة والنكات والمشي والتسوق والرحلات.
أعرف شابا كان يعاني من وسواس قهري، فأخبرني بحالته وكيف تماثل للشفاء. فقال لي: أنه كثيرا ما كان ينشغل بكلام الناس الذي لا يعجبه فيردّ على كلامهم ويجادل أفكارهم ويكذبها في نفسه. وتابع حديثه : "هذا الجدال الداخلي الذي كان يحدث في نفسي كانت تتبعه مشاعر تعيسة وكئيبة، وقد دامت حالتي هذه بضع سنوات ممارسا لنفس العادة وهي الجدال الداخلي وتدوير كلام الناس الذي يستفزني. وقد انهى صديقى هذه المعاناة الوسواسية عندما أصبح لا يثير ردة فعل على أحكام وكلام صادر من الاشخاص. بل جعل كل الكلمات والأفكار المزعجة التي تتردد في داخله – والتي لا تريد الرحيل من فكره، ككلاب تنبح فإذا ملّت من النباح سترحل تلقائيا.
لهذا فعندما يقول لك شخص بأنّك شخص بليد وتافه وحقير وبأنّك شخص غير كفؤ، لا يجب أنْ ترد عليه في داخلك ولا أنْ تشتبك مع تلك الأفكار، لأنّه بذلك ستحييها بداخلك، ولأنّه أيضا كلما جادلت تلك الافكار واشتبكت معها وحاولت تكذيبها، كلما جذّرتها في نفسك.
إنّ أقوى علاج للتأثير السلبي لهذه الأفكار والكلمات هو عدم الاشتباك معها أصلا، وعدم التحاور معها بعدم إبداء أيْ ردة فعل إزاءها، فبذلك سترحل تلك الفكرة تلقائيا، لأنك لم تعطيها وجودا وأهمية، فلا تقل في نفسك: لماذا قال لي ذلك الشخص أنت بليد وحقير...، هو لا يعرفني حقيقة على حقيقتي، أنا لست بليد ولا حقير . أقول: فبدل قول هذا الكلام والرد على ذلك الشخص في شكل حوار داخلي يجب تجنب التفكير في كلامه من البدء.
إذن، القاعدة الأساسية في الفرح هي: ليس كل ما يُلقى إلينا من كلام وأحكام من الآخرين يجب أنْ نبتلعه ونهضمه ونحلِّله ونرد عليه. بل إنْ كان منه كلام مبشِّر ومُفرح فلا بأس أنْ نستأنس به، لأنه يدفعنا نحو الحياة بعزيمة قوية، فهو يدخل ضمن إطار حكمة النبي عليه الصلاة والسلام "ويعجبني الفأل الصالح: الكلمة الحسنة". ولكن بعض الكلمات القبيحة لا بدّ أنْ نهوّن منها بمجرّد سماعها، فليس كل ما يُسمع يجب أنْ يُغربل. بل يجب أنْ لا يُؤخذ بعين الاعتبار أصلا. فمثل هذه الكلمات لا تحتاج إلى غربلة، لأنّه بذلك أعطيتها وجودا وقيمة.
فمثلما نعرف كيف نختار أحسن الألبسة ونتفنّن في كيف نبدو أمام الآخرين في أحسن حُلّة؟ علينا أنْ نعرف ونتقن فن ماذا نسمع؟ وماذا نبلع من كلمات؟ بهذا نكون قد حافظنا على صحة أرواحنا من الداخل.
قد يتساءل أحدنا: ولكن بعض الكلمات التي قد نسمعها ، يمكن أنْ تكون جارحة وقد تصدُر من أقرب الأقربين ولا نستطيع تجنّب صوتها في داخلنا. الجواب ببساطة: هو أنّ الكلمة الجارحة عندما تدخل إلى القلب تُسبِّب له تشاؤم وتعاسة، فهي تشبه تماما الغذاء السام الذي يدخل الأمعاء، وكما لا يكون شفاء الجسم من مرضه إلا بتقيّؤ ذلك الطعام كذلك لا يتم شفاء الروح إلا بتقيّؤ تلك الكلمة.
الكلمات الجارحة في ثلاجة البرودة
يقول أحدنا معترضا : لكن في الكثير من المرّات تتسرب تلك الكلمات الجارحة إلى قلوبنا ولا نستطيع التخلّص منها بالرغم من محاولاتنا المستمرة لإهمالها، أو بعدم التفكير بها. هنا علينا أنْ نتعلّم احتمال لمثل تلك الكلمات السامة، فإذا كان الجسم يكتسب مناعته من خلال تعرضه للأمراض المختلفة، فيكون أكثر قابلية للدفاع عن نفسه ضد الفيروسات المختلفة. كذلك الروح الصلبة تكتسب مناعتها، من قدرتها على تحمُّل سموم تلك الكلمات السامة والجارحة. وذلك بالتهوين من وقعها في النفس، فما دام قائلها إنسان يُخطئ ويُصيب، يكره ويحب، يقلق ويهدأ. فلماذا علينا أنْ نأخذ كلامه بجدية؟ فكلامه يصدر من منظوره ومن زاوية نظره، ولا يعبِّر عن الحقيقة المطلقة.
صحيح أنّ الكلمة الجارحة سامّة وضارّة. ولكن الروح الصلبة ببرودتها وعدم إبداء أي ردة فعل إزاءها، ستُحوّلُها إلى جمرة باردة تحرِق من ألقاها إنْ كان قصده الايذاء أو نيته تعكير المزاج.
إنّ الشخص الذي يتوتر عند سماعه لأي حكم سلبي عليه من طرف الآخرين، ستكون مشاعره بيد هؤلاء. حيث يمكنهم التحكم في مشاعره بمجرّد نطقهم لأيِّ كلمة. ولكن الخطأ، هو عندما تعطيهم تلك السلطة لكي يتحكموا في مزاجك، فعندما يفهمون أنك تتأثر على نحو مبالغ فيه بكلماتهم سيستغلون هذا في التلاعب بمشاعرك.
والمؤكد أنه سوف يزول وقع أحكامهم وكلماتهم عندما يتيقن الإنسان أنّ كلامهم ليس وحيا إلهيا، وليس هو الحقيقة المطلقة. فأغلب كلام الناس لا يعبّر إلا على أمزجتهم، وأنّ الكلام والتكلم هو بمقدور كل الناس، فأي شخص يمكن أنْ يتكلم عن أيّ شيء. من هذه الزاوية يمكن إطفاء الكلمات الخبيثة ببرودة فعالة دون أنْ إبداء أيّ ردة فعل داخلي أو تأثّر عاطفي وجداني.
برودة الأعصاب هي سلاحك الفتاك الذي سيجعلك شخصا غير مرغوب فيه بالنسبة لهؤلاء الذين يفرحون بجُرح مشاعر الغير. أمّا إذا كنت إنسانا سريع التأثر بكلامهم، سيجعلك شخصا مستهدفا لكل من يريد أن يعزف على عواطفك. فقابل تلك الكلمات بالبرودة، وبالتحمل وسيفرُّ منك كل هؤلاء. وحده الكلام الحقيقي الصادر من كلام الله ورسوله، وأيضا كل كلام يريد لي الخير (والداي وأستاذي) هو الذي أجعله سلطة على قلبي وعقلي، أمّا غير ذلك فلا يجب أنْ نأخذه بمحمل الجد.
معتقدات تعيسة:
لعل التربية الاجتماعية والعائلية لها دور كبير في غرس بعض القناعات الخاطئة عند الفرد، هذه القناعات الخاطئة تتحول مع السنين إلى قواعد وطرائق تفكير لديه- وسيصبح الإنسان يفكّر من خلالها ويستنتج ويتوقع ويحلم. من تلك القناعات: فكرة الطيرة أو التطير: وهي التشاؤم من الأشياء والأحداث، وخاصة تلك التي تتعلق برؤية قط أسود أو شخص أعرج أو أعمى..بالاعتقاد أنّ رؤية هذه الأشياء ستحدد مصيرك، ولن يكون النجاح والتوفيق من نصيبك.
تنتشر في ثقافتنا العربية والإسلامية مجموعة من الأفكار والاعتقادات الخاطئة التي تنشر التعاسة والكآبة والتشاؤم. من هذه الاعتقادات وعلى سبيل المثال: الإيمان بشؤم الأيام. حكى لي صديق عن تأثير الخرافات على شعوره بالتعاسة والكآبة فقال : أنه عندما كان صغيرا تعرض لحادث سيارة في يوم الثلاثاء وبعد مرور سنوات عديدة من الحادثة، تساءل ماذا لو بين يوم الثلاثاء والشؤم علاقة ما؟
كان هذا السؤال، سؤالا تطيُّريا خاطئا من الأساس. لذلك بدأ زميلي يركز على يوم الثلاثاء وما يحدث له من حوادث ومن أمور غير سعيدة، ويتجاهل بقية الأيام وما يحدث فيها. استمر صديقي على عادة ربط يوم الثلاثاء بالشؤم وعدم التوفيق. إلى أنْ وصل إلى حالة نفسية مضطربة لم يكن يعرف مصدرها، ومما زاد هذه الحالة متابعته لبعض الأفلام والمسلسلات الهندية التي يعرض مخرجوها الكثير من اعتقاداتهم الشعبية والدينية ومنها على الخصوص أنّ البطل يشعر بحدس خارق بأنّ شيئا ما يحدث لحبيبته في هذه اللحظة ، أو أنّ الأم تشعر بأنّ مكروها وقع لولدها عندما ينكسر أمامها شيء ما، أو عندما تهب ريح قوية وعاصفة قد يكون هناك خطب ما. وكان يعزز هذا الأمر لديه عندما كان يشاهد انواع أخرى من الأفلام الأمريكية التي تعرض قصصا حول تنبؤ أشخاص معينين بحوادث موت قبل وقوعها بمدة.
هذه المشاهد من الأفلام كان لها تأثير عليه عندما كان في مرحلة الشباب، حيث قال لي: أنّه كان يتوق لمعرفة أسرار هذه الحياة، حتى ولو كان مصدر هذه المعرفة من الثقافات المختلفة. إلا أنّ صديقي ذاك بدأ يؤمن فعلا بأنّ الإنسان له حاسة سادسة، تمكنه من التنبؤ بالوقائع قبل حدوثها. - والواضح أنّ الكثير من المسلسلات والأفلام مضارها أعظم من فائدتها لأنها تنشر الخرافة والدجل بالإضافة إلى الفسق والعري-.
وقد تشبّع صديقي بالثقافة الهندية الصوفية حيث أخبرني بأنّ اطلع على كتيبات حول اليوغا والطاقة الروحية حيث كان يهدف من وراء قراءتها تنمية الحاسة السادسة. ولكن للأسف، كل تلك المعارف الروحية الشرقية والأفلام الغربية والهندية لم تصل به إلى معرفة حقيقية ويقينية كما يؤكد ذلك. بل بالعكس من ذلك تماما، لقد أصبحت تخيفه الأشياء، فعندما يرى دمية كئيبة في طريقه يربطها بأنّ هناك شيء خطير سيحدث له، وعندما يرى الجو ممطرا، يقول في نفسه: بأنّ هذا اليوم لن يكون موفقا. وعندما يرى إنسانا أبرصا يشعر بالكآبة والتعاسة. ومن خلال تلك العلاقة التي ربطها بين يوم الثلاثاء والشؤم، والاعتقاد بالحاسة السادسة، تكوّن وترسّب لديه تفكير سحري وهمي أثار لديه الخوف واضطراب الشخصية أثر في حياته كثيرا. وأخيرا وقعت بين يدي صديقي حكمة نبوية، أخرجته من هذا الخوف والاضطراب وحولته إلى إنسان ثان هي: (لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل الصالح: الكلمة الحسنة)، بذلك تخلص من تفكيره الخرافي والسحري.
إنّ القول بوجود الحاسة السادسة والتي تعني بمعناها العامي عند الناس: الحاسة التي تمكن الشخص من معرفة أمور دون واسطة أو الشعور بشيء يحدث الآن أو سوف يحدث، كأنْ تعرف الأم بأنّ شيئا ما يحدث لابنها.
القول بوجود حاسة سادسة هو مجرّد إدّعاء وتوهم. فليس هناك إلا خمس حواس وهي: السمع، والبصر، والشم، والنظر، واللمس. فكل معرفة تصدر من الحاسة السادسة المتوهمة، ليس إلا معرفة ظنية وتخمينية. بل وخاطئة ليس لها أي أساس من الصحة. فلا يعلم الغيب إلا الله. فإدّعاء بعض الناس أنّ لهم حاسة سادسة تمكنهم من التوقع والتنبؤ ليست إلا هواجسهم ومخاوفهم قد تحدث وقد لا تحدث أصلا، فحتى النبي عليه السلام لا يعلم الغيب فكيف بأناس عاديين؟ ولعل هؤلاء الذي يعتقدون ويسلمون بوجود حاسة سادسة متأثرون بالثقافة الهندية التي تمتلئ بالخرافات وبالأساطير: ومنها فكرة الطاقة الروحية والقدرة على التنبؤ، لأنّ هذه المعارف لا تقوم على أساس علمي ويقيني بل على أساس تخيلي وظني.
إنّ تهيئة شروط الفرح في القلب، والعيش في اطمئنان مستدام لا يجب أنْ يقوم على معارف ظنية: كالتطير بالأيام، والاعتقاد بوجود حاسة سادسة تمكنني من التوقع والتنبؤ. ذلك أنّ انكسار صحن أمامك لا يعني بالضرورة أنّ حظك محطّم، أو أنّ مشروعك سينكسر، وإذا هبت عاصفة نحوك لا يعني بالضرورة بأنّ يومك سيكون تعيسا وعاصفا. المعرفة التطيرية والمعرفة الناتجة من الاعتقاد بوجود حاسة سادسة: تؤسس معارفها على القول بوجود: تماثل وتشابه بين الأشياء والمعنى المتوقع، حيث يتم الربط الوهمي بين انكسار الكأس وانكسار الحظ. أي أنهما متماثلان ومتشابهان في الدلالة. هذا الربط غير منطقي وغير عقلي. فما الذي يربط بين رؤية قط أسود ونجاحي في مسابقة التوظيف، أو بين رؤية شخص أعرج ونجاحي في مشروعي الاقتصادي.
الحديث الذي يقول: "لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل الصالح: الكلمة الحسنة" قد حرر صديقي من الخوف والاضطراب الذي كان يعاني منه طيلة سنوات. ذلك أنّه لما بحث عن مصدر خوفه، وجد أنّه قائم على الإيمان بالتطير بيوم الثلاثاء وادعاؤه الواهم والكاذب بأنّه له حدس، وإنما في الحقيقة كان يتوهم ويتخيل. وبدأ الخوف الذي لم يكن يعرف سببه في البداية، يزول عندما عرف وتيقن بطلان المعارف الخرافية، وصل إلى نتيجة وهي: أنّه لا شيء أخطر على عقل الإنسان من تصديق معرفة خرافية تحدد تفكيره ورؤيته للأشياء.
والكثير من الناس الذين لا يعرفون سبب خوفهم المرضي واللامعقول، قد يعود في أحد أسبابه إلى تلك الاعتقادات الخاطئة التي يعتقدونها في شؤم الأيام والأشياء واعتقادهم أنّ لهم حاسة سادسة. فإذ أردنا الفرح في حياتنا علينا أنْ نتحرر من التطيّر وهو أنْ نفكِّك العلاقة التي نربطها بين الأشياء العادية التي تحدث أمامنا وربطها بقدرنا وبمصيرنا. إنّ مصيرنا نصنعه نحن، وقدرنا نصنعه نحن ضمن إرادة الله التي تفعل ما تريد.
بعض قواعد الشفاء النفسي:
- ليس كل ما يُلقى إلينا من كلام وأحكام يجب أنْ نبتلعه، ونهضمه، ونحلله، ونرد عليه. بل إنْ كان منه كلام مبشِّر ومُفرح فلا بأس أنْ نستأنس به، لأنه يدفعنا نحو الحياة بعزيمة قوية فهو يدخل ضمن إطار حكمة النبي عليه الصلاة والسلام "ويعجبني الفأل الصالح: الكلمة الحسنة". ولكن بعض الكلمات القبيحة لا بدّ أنْ نهوّن منها بمجرّد سماعها، فليس كل ما يُسمع يجب أنْ يُغربل. بل يجب أنْ لا يُؤخذ بعين الاعتبار أصلا. فمثل هذه الكلمات لا تحتاج إلى غربلة، لأنّه بذلك أعطيناها وجودا وقيمة.
- إنّ الكلام الذي لا تُدخله في دائرة الاهتمام والتركيز يموت، ولن يكون له أيْ تأثير عليك. فالكلمة تتغذّى من مشاعر القلب ويتعاظم تأثيرها كلما ألقيت لها بال واهتمام وتدوير. وهذا ما يسبب لك تعاسة وقلق وكآبة. وأنْ أقتل الكلمة المزعجة والجارحة معناه: أنْ لا أغذِّيها بالاهتمام والتركيز، وأنْ أجعل الكلمة الجارحة تموت حين سماعها معناه: أنْ لا أضع لها وعاء من مشاعري حتى لا تحيا من جديد، وحتى لا تفرز في داخلي سمومها. وأنْ أحرق الأفكار السوداوية بصفة نهائية معناه: أنْ لا أحرك بشأنها أي ردة فعل.
- الوسواس القهري يبدأ من هنا: حين أفكّر في الكلمة الجارحة وأبدأ في مصارعتها: بتكذيبها وبمحاربتها بمواجهتها أو حين أقوم بأي شكل من أشكال ردة الفعل عليها. لأنّه بذلك سأحييها، وأثبتها. في حين أنّ القضاء على الوسواس القهري يكون من خلال عدم ردّة الفعل إزاء أي كلمة أو فكرة، لأنّه بإهمالها سترحل تلقائيا
- إنّ تهيئة شروط الفرح في القلب والعيش في اطمئنان مستدام، لا يجب أنْ يقوم على معارف ظنية: كالتطير بالأيام والاعتقاد بوجود حاسة سادسة تمكنني من التوقع والتنبؤ. ذلك أنّ انكسار صحن أمامك لا يعني بالضرورة أنّ حظك محطّم أو أنّ مشروعك سينكسر، وإذا هبت عاصفة نحوك لا تعني بالضرورة بأنّ يومك سيكون تعيسا وعاصفا. المعرفة التطيرية والمعرفة الناتجة من الاعتقاد بوجود حاسة سادسة تؤسس معارفها على القول بوجود: تماثل وتشابه بين الأشياء والمعنى المتوقع، حيث يتم ربط بين انكسار الكأس وانكسار الحظ. أي أنهما متماثلان ومتشابهان في الدلالة. هذا الربط غير منطقي وغير عقلي. فما الذي يربط بين رؤية قط أسود ونجاحي في مسابقة التوظيف أو بين رؤية شخص أعرج ونجاحي في مشروعي الاقتصادي.
- إذا كان الجسم يكتسب مناعته من خلال تعرضه للأمراض المختلفة، فيكون بذلك أكثر قابلية للدفاع عن نفسه ضد الفيروسات المختلفة. كذلك الروح الصلبة تكتسب مناعتها من قدرتها على تحمُّل سموم تلك الكلمات السامة والجارحة. وذلك بالتهوين من وقعها في النفس. فما دام قائلها إنسان يخطئ، ويصيب، يكره، ويحب، يقلق، ويهدأ. فلماذا علينا أنْ نأخذ كلامه بجدية؟ فكلامه يصدر من منظوره، ومن زاوية نظره، ولا يعبِّر عن الحقيقة المطلقة. ونحن نحزن بسبب اعتقادنا أنّه يتكلم عن الحقيقة المطلقة، وهذا غير معقول.