عن ثوبانَ رضي الله عنه مولَى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لا يَزيد في العُمْر إلا البِر، ولا يردُّ القدَرَ إلاَّ الدُّعاء، وإنَّ الرجل ليُحرم الرِّزقَ بالذنب يُصيبه 

رواه ابن ماجة.

من قال: أستغفرُ اللهَ العظيمَ الذي لا إلهَ إلَّا هو الحيَّ القيومَ وأتوبُ إليه غُفِرَ له وإنْ كان فرَّ من الزحفِ

المصدر: صحيح الترمذي


فتح الباب لا يكون إلا بإزالة ما يعيق حركته


إذا كنت تُريد أنْ تهيّئ لذاتك شروط الفرح وابتغيت استقبال السعادة في قلبك بعدما غابت عنك لمدة طويلة، وكنت قد عاشرت التعاسة والكآبة بما يكفي من وقت. بعدما انهكتك سمومها، وظلاميتها، عوّد نفسك على الاستغفار الذي يغسل الروح من أخطائها وذنوبها، وسيئاتها. فإذا تطهّرت الروح من خلال الاستغفار، أصبحت طاهرة، ونقية، وتستحق أنْ تُفتح لها أبواب الفرح من الرزّاق الكريم. 

تأمل معي، عندما تريد أنْ تفتح باب من أبواب بيتك، وكان خلفه شيء ما: كيس، أثاث. فإنّك مهما حاولت، لا تستطيع فتحه، إلا بإزالة تلك الأشياء. كذلك، لن تأتيك الدنيا والآخرة إلا إذا أزلت ما يمنع فتح باب رزقك.

الاستغفار الحقيقي 


بالاستغفار تولد الروح ولادة جديدة، لأنها تخلّصت من أدران وأشباح الماضي، ومن ثقل الذنوب، والسيئات، ومن عذابات الضمير. فحين نستغفر، نعيد تشكيل زماننا الحاضر على النقاء، حيث تُحلّق أرواحنا في سماء الطُهر. هي بهذا، قد تستحق المكافأة من خالقها على تطهِّرها. وعندما نتطهر من ثقل ذنوبنا، نرى العالم كما يراه الطفل الملائكي الذي إذا أراد شيئا من والديه لم يمنعانه. وكذلك، الروح عندما تناجي ربها بعدما مارست الاستغفار بصدق وبعمق، تتلقى أرزاق الله المختلفة.

ولكنّ ليس بذلك الاستغفار الذي يتخلله شك أو ريبـ أو أنّك تقول في نفسك: إنّ ذنوبي عظيمة ومن المحال أنْ يغفرها الله لي. بل خالقك الذي يقول: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ الزمر:53، ويقول أيضا: "وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ الشورى:25.

فليكن ذلك الاستغفار متخللا باليقين وإنْ استصعب اليقين كرّر الاستغفار، وكن عنيدا في طلب المغفرة. وهو العناد المستحب، أنْ تكرار طلبك من الله: مرة، عشرون مرة، ألف مرّة. فلا تمل، فما دام ربي خالقي ورازقي، لن أملّ في الدعاء حتى يستجيب الله ربي.

الاستغفار يفتح القلب على أنوار السعادة، لأنه يُزيل ظلمات الذنوب والسيئات التي فيه. وإذا ما تم تدمير أمكنة الخطايا والذنوب في القلب، حل محلها أمكنة السعادة والفرح والبهجة. ولأنّ السيئة تسوّد القلب، وتلقي بظلال الكآبة عليه. فإنّ الاستغفار يمحو السواد وبذلك تزول الكآبة.

-  انظر إلى الطفل الصغير، فهو كثير الضحك والابتسام. لأنه لم يرتكب خطيئة بشهوة قلبه.وليس في قلب الطفل مكان للخطيئة، ليتلقّى منها ظلال الكآبة والتعاسة. ولأنّ الطفل طاهر بالفطرة، ولا يزال يعيش بفطرته، فهو يعيش السعادة في كل لحظة.

 والاستغفار يعود بنا إلى طفولتنا.لأنه يمْحي من قلوبنا، تلك الضلال المظلمة التي تركتها الذنوب، والخطايا التي ارتكبناها بشهوة قلوبنا ونحن كبار.

الاستغفار هو رحلة إلى الطفولة، من حيث طهر القلب. وهو ممارسة لكي نولد من جديد، تماما كطفل لم يرتكب أي ذنب متعمِّدا من قلبه.

الفرح والاستغفار

الحرية الحقيقية هي تخلص الروح من عذابات الضمير، ومن وخز الأفعال القبيحة التي كانت من الماضي. وكم من شخص لا يهدأ له بال، عندما يتذكّر ذنوبه وخطاياه. وهو يعلم أنّه لم يبقى له الكثير من الدنيا. فهل سيمضي بقية حياته وهو بين يدي ذنوبه متخوفا ونادما. وكيف به التخلص منها؟ من هنا يكون الاستغفار هو رجوع وكف عمّا كان، هو استعادة للطهر الذي افتقده الإنسان، واستعادة لقلب الطفولة الطاهرة.

 ليست الحرية أنْ تفعل ما تشاء، وتقول ما تشاء. بل هي استراحة الضمير، وغياب أشباح الخطايا السيئة. والكثير من الناس تعاود لهم الخطايا الماضية بالظهور مجددا وتحرّم عليم نومهم، وهدوءهم. الاستغفار يخلص الإنسان من تبِعات ذنوبه ويمنحه الفرح في داخل قلبه، وضميره. ولن يكون للفزع وجود.