روي عن النبي أنه قال : "أحبِبْ حبيبَك هونًا ما عسى أن يكون بغيضَك يومًا ما، وأبغِضْ بغيضَك هونًا ما عسى أن يكون حبيبَك يومًا ما"

صحيح الجامع

وفي حديث آخر يقول: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله... وذكر منها: ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه، وتفرقا عليه"

رواه البخاري ومسلم.


لا تمنح قلبك كله لأحد

لا شك أنّ الكثير من حالات الانتحار التي حدثت في هذا العالم، كانت نتيجة لخيانة أحد الحبيبين لنصفه الآخر، وأنّ الكثير من حالات القتل سببها الثقة المفرطة التي وضعها صديق في صديقه، حدث أنْ كشف أحدهما خيانة وغدر الآخر فقتله. وهناك حالات لا تُحصى من علاقات صداقة انتهت بالفراق بعد عراك وشجار. وسبب هذا كله هو الثقة والمحبة الزائدة لأحد الطرفين لآخر. فإذا ما تعرّضت هذه العلاقة إلى انكشاف أمرها كونها قامت على المصلحة، أو على الخيانة، سيشعر الطرف الصادق، والمخلص بصدمة نفسية لا يمكن أنْ تزول بسهولة.

العلاقة التي تربط بين شخصين، يمكن أنْ تكون مهنية، أو علاقة جوار في السكن، أو علاقة حب، أو علاقة صداقة، أو علاقة سياسية، أو علاقة اقتصادية ..الخ من العلاقات المختلفة. والعلاقة في النهاية هي وصال، أو رباط يربط بين شخصين. وكلّما كانت العلاقة تندرج ضمن المشاعر، والعواطف، والثقة المتبادلة كلما كانت نهايتها قاسية، ومؤلمة. وقد تنتهي في بعض الأحيان إلى مآسي.

لهذا لا يمكن أنْ يتألم إنسان بمجرّد أنْ تم تحويل زميله في العمل إلى مؤسسة أخرى، ولا يمكن أنْ يتألم الإنسان إذا غيّر جاره البعيد مسكنه إلى بلدة الأخرى. ولكن ما يؤلم في العلاقات البشرية تلك العلاقات التي تتأسس على الحب، والثقة، والمشاعر، والعاطفة. فإذا ما تمزّقت العلاقة يمكن أنْ تؤلم صاحبها إلى حد كبير.

والحياة تعلمنا أنْ نقتصد في المحبة والكراهية. معناه: أنْ نكون عقلانيين إذا أحببنا وإذا كرهنا. فلا يجب أنْ نمنح قلبنا كله لذلك الذي نحب، وحتى الكراهية يجب أنْ نكره بعقلانية. وبيِّنة ذلك أنّ الكثير من الأشخاص الذين أحببناهم، اكتشفنا بعد مرور الوقت، أنهم لم يكونوا بأهله، أو لم يكونوا بمستواه، وأنّ حبنا لهم كان خطأ العمر، وفي أحيان كثيرة نكتشف أنّ الذين كرهناهم لم يكونوا أهلا لذلك الكره، بل نتيجة لخطأ في تفكيرنا.

الحب كقهر وإذلال

ولا شك أنّ الكثير منّا، قد عاش قصة حب في مراهقته، أو في بداية شبابه، أو سمع عن علاقة حب مضمونها، أنْ يمارس المحبوب قهرا لحبيبه، وما كانت غلطة الحب كونه كان حبا، بل كونه كان عنيفا، وصادقا، وصادرا من القلب. وكلما كان الحب صادرا من القلب، وغُذّي من عواطفه، ومشاعره ،وصاحبه الصدق، والإخلاص، وهيجان الخيال وتكوّن الأحلام، كلما كان المحب ضعيفا من حيث السيطرة. فمشكله ذلك الحب، أو تلك العلاقة أنها تخضع لقانون القوي والضعيف. حيث يحاول أنْ يسيطر الواحد منهما على الآخر.

 ويكون القوي " المتلاعب" ذلك الذي لا يحب بجماع قلبه، أو أنّه لم يرد أنْ يرتقي عنده ذلك الحب إلى درجة الهمّ، والغم، والحزن، والسعادة، والأحلام، والطموح. أمّا الضعيف فذلك الذي أحب بصدق، وبعمق فأخذ يسرح في أحلامه، وخياله، وبدأ يكتب كلمات شعره الأولى.

إنّ هذا الذي أحب بصدق، يجعل معنى الحياة كله في اسم المحبوب. من هنا يكون ضعف هذا الحب، عندما يمارس المحبوب قهرا، واستبدادا على محبه. وسيصير هذا المحب "العاشق" خاضعا لسلطة وقهر المحبوب "المعشوق"، وقد يذله في الكثير من الحالات. والأخطر من كل هذه الحالات على الإطلاق: أنْ يمارس المحبوب خيانة علنية، وهجرا إراديا. فلكونه لم يتمكن الحب من قلبه، ولم يرتقي في عقله إلى مستوى الطموح، والخيال، والحلم، فبإمكانه أنْ يغير حبه القديم إلى حب جديد ببساطة تامة. وهكذا عندما يعاين المحب " العاشق" هذه الخيانة، أو هذا الهجر، سيتألم بعمق، وستتحطم ذاتيته. إنّه يرى أنّ علاقته تتمزق، وتخترب، وتتقطع، فهو يعاني من هذا القطع في العلاقة.

هكذا نرى أنّ المحبوب يمارسا قهرا وإذلالا لمحبه دون أنْ يأخذ تفهما لطبيعة مشاعره وعواطفه، ودون أنْ يأخذ الوقع الأليم الذي يسببه في كسر أحلامه وطموحاته. فكون المحبوب لم يحب بجد، بعمق، بقوة، وبنفس الدرجة، فله سلطة عليا على هذا العاشق. 

ومن المفروض أنْ يخلو كل حب صادق يريد الانتهاء بالارتباط، من أي شيء يتعلّق بالقهر، والسّطوة، والتحكم، ولا يجب أن تكون فيه، علاقة قوي بضعيف. ولكن بما أنّ زماننا طغت عليه المادة والشهرة لم يعد للإخلاص وجود، ولا للوفاء وجود. وكل ما هنالك البحث عن شريك حياة مشهور، وثري.

وإذا كان هذا الأمر يحدث كثيرا على مستوى حياتنا اليومية، فلماذا يجب أنْ نحب بالدرجة التي نكون فيها مقهورين، ومذلولين، ونقع بسبب ذلك الحب في الإذلال، والمهانة. وإذا تحول الحب إلى علاقة قوي بضعيف فلن يكون بذلك حبا، وإنما سيصبح جحيما على الذي يحب بصدق، وبعمق، وبإخلاص. والحب الحقيقي ليس إذلالا، وقهرا وإنما تبادل مشاعر صادقة تنتهي بالارتباط الحقيقي، وهو الزواج.

والكثير من النساء، والرجال يمارسون هذا النوع من القهر والإذلال لمحبيهم، يهوون تعذيب من يُحبهم ويعشقُهم، بممارسة ذلك القهر عليهم، وهم يتلذذون، ويبحثون من خلال ذلك، عن إرواء غرورهم الداخلي، ويريدون أنْ يتحولوا إلى معبودين من خلال أحبائهم.

هؤلاء الناس لا يعطون الحب، وإنما يعطون إشارات خادعة، تلهب قلوب محبيهم، وليست تلك الإشارات الصادرة منهم حبا، وإنما إشارات كاذبة، تُلهِب محبيهم وعشاقهم. وهم بذلك يريدون أنْ يمتلكوا سلطة عاطفية ومعنوية عليهم.

إنّ الحب الذي لا يصدر من كلا الطرفين بنفس المقدار والدرجة ليس بحب حقيقي. وإنما حب تحكمه علاقة قوي بضعيف، ويخضع بالتالي لقهر أحدهما للأخر. والحب الذكي هو ألا تمنح قلبك كله للطرف الآخر. حتى لا يضعك تحت سلطته فيمارس عليك أمراضه الدفينة. فيثير غيرتك تارة، ويهجرك عمدا تارة أخرى، وفي النهاية يبدّلك. وحده الزواج المبني على المودة، والرحمة، والتفاهم المتبادل لا يخضع لتأثير القهر والإذلال. 

والخروج من حالة الإذلال، والقهر التي قد يقع فيه المحب هو طلبه المباشر: الارتباط، والزواج بالمحبوب، فإنْ كانت نية المحبوب الارتباط والزواج فلا بأس بأنْ يمارس المحبوب بعض الدلال والتمنّع حتى يزيد من الحب. وإنْ لم تكن نيته غير ذلك. فالعلاج هو الهجر النهائي. فما فائدة حب لا يؤدّي إلى الارتباط، والزواج؟ وإلا أصبح ذلك الحب  قهر للنفس وإذلال لها. وأنْ يعاني المرء من عذاب قرار إيقاف علاقتة التي لا تصير إلى منتهى واضح ومحدد وهو الزواج، خير له من الخضوع لحب من طرف واحد لا يلقى فيه إلّا الإذلال، والقهر،والمهانة. 

نعم قد يقع الإنسان في الحب، لأنّ هذا الأمر فطري في الإنسان. ولكن ليس ذلك الحب الذي يخضع للقهر، والإذلال، وإثارة الغيرة والخيانة. لأنّه يسبب عذابا للمحب لا يجني من ورائه أي شيء. وإذا ما أراد الإنسان أنْ يتجنب المهانة، والقهر فليختصر الطريق ويطلب الزواج من محبوبه، فإن كانت لدى محبوبه نية الزواج والجد، فقد تجنب العاشق عذاب، وألام الحب القهري المزيف. وإنْ لم يكن في نية محبوبه الارتباط، فقد عرف مسبقا نهاية مسار علاقته، وليبحث عن طرف آخر.

إذا أحببنا علينا أنْ نحب هونا، وأنْ نجعل بيننا وبين من نحب مسافة أمان وحذر. ونأخذ بعين الاعتبار التغيرات التي يمكن أنْ يمارسها الطرف الآخر علينا، ونأخذ بعين الاعتبار أيضا، طبيعة الكائن الإنساني الذي يمكن أنْ يتغير، ويتبدّل. بهذا لن تصدمنا قرارات هذا الذي نحبه، ولا مواقفه إذا ما تغير علينا في المستقبل وغيّر اتجاهه لأننّا كنّا مستعدين لذلك. فالحياة لا تنتهي عنده بل، هناك الكثير من يعوضونه بل وأحسن منه. والواقع يخبرنا أنّ هناك الكثير من علاقات الحب التي دامت لسنوات، وكان يُتصور أنّ هذا الحب سوف يدوم للأبد، ولكن تبين في النهاية، أنّ أحد الطرفين قد غيرّ من رأيه، واختار شخصا آخر بكل برودة دم  فوقع الطرف المخلص  في صدمة عميقة لم يكن يتصورها ابدا.

فعندما نحب بعقلانية وبتروي معناه: أنْ نأخذ مسافة لن نصطدم من خلالها بخيانة ولا بهجر ولا بأي موقف سوف يتخذه من نحبهم، ونتجنّب بذلك الكثير من الآلام والصدمات التي يمكن أنْ تحدث لنا لو أننا أحببنا بعمق.

أمّا إذا أحببت حبا يأخذ بتمام مشاعر القلب سيجعل المحب يتكبر عليك، إذْ قد أصبحت في متناوله وبين يديه. وكأنه يقول في نفسه عنك: هذا طير سهل الاصطياد، وسأبحث عن نسر آخر أكثر صعوبة وجمالا ووسامة، وكأنّ الإنسان بطبيعته لا يبحث في أمور الحب إلا عن الصعب الممتنع. 

فلنتعلم كيف نفارق

للأسف الشديد، نحن البشر إذا فارقنا أشخاصا، كانت تربطنا بهم علاقة صداقة، أو علاقة زواج. فنحن إذْ نفارقهم، نفارقهم، بعنف، وبقساوة شديدة، وكأننا بتلك الطريقة القاسية في الفراق، لا نريد عودتهم إلينا أبدا. سنجرحهم بعمق، سنشتمهم لدرجة التألم المرير، سنخدش تاريخهم، سنكذب ونتقوّل عليهم، ونمزِّق كل صورة حسنة عنهم. ولكن الفراق هو مجرد ساعة، أو دقائق معدودات، وينتهي أثره الانفعالي، وعندها يشعر الإنسان بعظيم خطئه، إزاء من فارقه، يندم على تلك الطريقة التي فارق بها محبوبه، أو صديقه، أو زميله. يندم على تلك الطريقة القاسية في الفراق. 

وإذا كنا نريد الفراق بغير رجعة، فلا يتطلب الأمر سبا، وشتما، وعنفا، وتشهيرا بالشخص، وفضح تاريخه أمام الناس. فإنْ كان الفراق هو ما تريده، فلا يستحق الأمر، كل تلك القسوة. الفراق في ذاته ألم فعذابه يكفي لوحده، لأنّه يمزق الإنسان، فلماذا نزيد على ألم الفراق، ألم الكلمات الجارحة وألما فوق ألم؟

فحتى الفراق وإنْ انتهى بالطلاق، لا يجب أنْ يكون على نحو عنيف، وقاسي، وسيء، بل على نحو راقي. والقرآن الكريم علّمنا ذلك ف "الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان" البقرة:229. وفي آية أخرى "فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ..." الآية الطلاق: 2.

فالمرأة التي طلقتها يكفيها ألم ذلك الطلاق والفراق، ولا يحتاج الطلاق إلى سب، وشتم، وتجريح، وفضح.

ثم لا بدّ للمخاصمة حدود، وقواعد لا تتعدّاها، فقد يأتي حين من الدهر وتدور الدائرة، وقد تحتاج إلى من خاصمته، فقد تربط الحياة بينكما من جديد. فإنْ كنت من الذين عرفوا كيف يقتصدون في الكراهية، والخصومة؟ فقد يتحوّل ذلك الخصم إلى صديق عزيز  قد ينفعك في الدنيا وفي الآخرة.

ومن الناس إذا خاصموا، فجروا، ويمنعون بخصامهم العنيف، وبطريقة فراقهم أي إمكانية الرجوع المحتمل بينهم، وبين من خاصموا. فلا ربّما، قد يكون هذا الذي خاصمته بطريقة لا رجوع فيها، هو الشخص الذي بإمكانه أنْ يقضي لك أمر لا يقدر عليه إلا هو، ولكن بطريقه خصامك التي اتخذتها معه، لن تتمكّن من الوصول إليه، ولا التواصل معه.

حدّثني صديقي بقوله: أنْ كان لي زميلان في العمل، لا تربطني بهما أي علاقة عن قرب غير العلاقة المهنية. كان أحدهما يخاصمني بطريقة فيها الكثير من العنف مستخدما ألفاظا غير لائقة وغير محترمة، والآخر كان إذا خاصمني، فإنّه يخاصمني بطريقة لا تمتلئ بالكراهية والبغض، أي لا يتجاوز حدوده. ودارت الدائرة، وتغيرت بعض الأشياء في المؤسسة التي اشتغل فيها، وكان من اللازم أنْ يتعاملا معي عن قرب. فأما الزميل الأول الذي لم يعرف كيف يخاصم، قد بدى عليه الخجل والتحرج في علاقته المهنية معي، أمّا الزميل الآخر فقد أصبح صديقا لي ومن المقربين.

إذا للخصومة قواعد، وحدود لا يجب أنْ تتعدّاها. فقد يأتي زمن وظرف وسياق تجعل من السهل تجاوزها بسهوله، أمّا إذا كانت الخصومة شديدة، وحدث أنْ تم انتهاك الأعراض وفضح الأسرار والمبالغة في الإساءة والشتيمة، فالقلب عندها ينكسر، ولا يكون هناك أي إمكانية للرجوع، وإنْ لم يعجبك صديقك في تصرفاته، فاهجره بمعروف، وابتعد عنه بإحسان.

الخصومة البسيطة يمكن أنْ تحمل معها إمكانية الرجوع وبالتالي يكون معها نسيان الماضي سهل، أمّا الخصومة الحمقاء فهي تكسر كل شيء، تكسر الماضي بنكران اللحظات الجميلة، وتحطّم الحاضر، وتقتل المستقبل بعدم وجود أي إمكانية للرجوع. فأنْ نفارق بمعروف معناه: أنْ لا ننسى الماضي الجميل الذي أمضيناه مع ذلك الشخص، فلا يجب حجب تلك اللحظات الجميلة، ولا نكران جميل ذلك الشخص. صحيح أنّ الفراق قد وقع، والفراق وحده يكفي كجزاء وعذاب لذلك الشخص. فلماذا يتم ذبح الماضي مع الحاضر إذا كان الفراق قد وقع؟ ثم إنّ الفراق السيئ عذاب لصاحبه الغاضب المنفعل، فالانفعال لحظة ويزول، والغضب ثورة وبركان سرعان ما يهدأ. ولكن، بعدما يسكت الغضب، والانفعال، لا يبقى غير أثر الكلمات الجارحة التي أسمعتها لصديقك، أو لزوجتك. فإذا كنت قد عزمت على الفراق، فلا حاجة لكلمات تزيد من ألم ووقع الفراق.

وإنْ فارقت حبيبتك التي طالما كانت في ماضيك: حلما، وأنشودة، وشعرا، وتمنيت بقوة، أنْ تكون لك، فليكن فراقك لها في الحاضر بإحسان، وبمعروف. فلا تزيد من تعاستها بكلمات جارحة تبقى في عمق ذاكرتها طوال سنين قادمة. حتى وإنْ لم يعد الرجوع بينكما ممكنا، وقررت فراقها فلا تجعلها تبكي لأمرين: خسرانها لك، وكلماتك القبيحة. لأنّ تلك المرأة، قد تنسى، وتتغاضى عن فراقك، وقد تنسى اللحظات الجميلة. ولكنها لا يمكن أنْ تنسى تلك الكلمات الجارحة. وهل جزاء الماضي الجميل، بكلمات قبيحة، وبخصومة عنيفة.

وإنْ فارقتي أنتي حبيبك، فلا تفارقيه بخيانة، وغدر، بل مهِّدي فراقك له، بكلمات جميلة، وقولي له: لم يكتب المكتوب بيننا. ولطّفي الفراق الذي سيحدث. فإذا ما رآك حبيبك زوجة لرجل آخر، فلا يصطدم بوقع الخيانة، بل سيتقبّل الأمر، لأنّه كان جاهزا، ومستعدا لذلك. فلا تصدمي حبيبك بخيانة قد تجيء فجأة، بل مهِّدي له بالفراق الحسن.

لا تكسر الزجاجة:

العلاقة العاطفية هي علاقة تربط بين قلبين، هي رباط عاطفي. وكل تمزّق في هذا الرباط، يُحدث ألما في القلب، واضطرابا على مستوى شخصية الإنسان. سواء على مستوى التفكير، أو على مستوى الشعور. وكلما كان الرباط قويا كان تمزيقه وتقطيعه أشد ألما ووقعا على الإنسان. لذلك فإذا فكرنا في الفراق. بسبب، أو بآخر. فعلينا معرفة كيف نحل هذا الرباط بلطف وبطريقة تجعلنا قادرين على التأقلم مع الوضع الجديد، وبطريقة نحافظ فيها على قلب من تشاركنا معه ماض جميل. فإذا لم يكتب القدر نهاية سعيدة لهذا العلاقة، فلا يجب أنْ نحطّم قلوبنا وقلوب من نحب بالسب، والشتم، وبإشاعة الفضيحة للطرف الآخر، والتقوُّل عليه، وإفكه، وبهتانه، ووصفه بأبشع الصفات. إنّ الانفعال، والغضب مهما ثارت ستنطفئ، ولا يبقى بعد انطفاء انفعالك وغضبك غير الأثر ولا يبقى غير تلك الكلمات المسمومة التي اسمعتها لهذا الذي ربطتك به علاقة في يوم ما. هذه الكلمات ستوجع ذلك الشخص، ولكنها ستوجعك أنت أيضا في قادم الأيام.

إنْ حدث بينك وبين زوجتك مشكل صغير، أو مشاجرة يومية، فلا تكسر الزجاجة، لا تمزّق كل العلاقة، لا تدمّر كل شيء بنيته في لحظة. فالزجاجة إذا انكسرت لا تلتئم، لأنّه إذا أردت استرجاع العلاقة كما كانت يستحيل ذلك.

إنْ أردتي أنْ تفارقي حبيبك، أو زوجك، لا تكسري الزجاجة، فلا تغدري به ولا تخونيه، فإنّ فعلت ذلك لن يُشفى قلب حبيبك أبدا، ولن يعود إليك. لأنّ القلب إذا فارق بسبب الخيانة له عذر أقوى، ولن يستطيع الرجوع حتى لو أراد ذلك. فالخيانة هي كسر للعلاقة على نحو تام، تماما كما تنكسر الزجاجة، ولن تعود الزجاجة للالتئام مرة أخرى حتى ولو أعدنا جمع شظاياها. كل علاقة صداقة، أو حب تشبه قارورة من زجاج. فلنحافظ عليها كما نحافظ على عسل وضعناه في إناء من زجاج. وإذا ما أردنا الفراق، فلا يجب أنْ نكسر العلاقة من أساسها، بل علينا أنْ نفارق بمعروف.

لا تحب بغير عقل

بعض الناس عندما نحبهم، يعتقدون أنّهم قد تمكنوا منّا، وقد ضمنونا. هم بذلك لا يحرصون على بقاء هذا الحب، ولا يهتمون بأمره أصلا، وبذلك ومن خلال ذلك الإهمال، يجرحوننا بقصد، أو بغير قصد.

ومن الناس عندما تحبهم بصدق وكما ينبغي عليه الحال، يجعلون حبك لهم وسيلة ضغط يستغلونها ضدنا، بل يمارسون قهرا على شخصك. لذلك تجدهم يمارسون عليك تعذيبا وإيلاما ببعض سلوكياتهم وأقوالهم. ولو أننا لم نمنحهم حبنا بصدق وبإخلاص، لما مارسوا تلك الأشياء التي تؤذينا وتجرحنا. لهذا لا يجب أنْ نثق في أي أحد تمام الثقة، ولا يجب أنْ نحب ونهتم فوق المعقول وفوق ما ينبغي. فقد يستغل البعض ذلك الاهتمام الذي نحيطهم به للنيل من شخصيتنا، والحط من كرامتنا. والحب الذي يجب أنْ يصدر منا هو الذي لا يهتم فوق الاهتمام العادي، أو فوق ما لزم الأمر، لأنّ ذلك سيكون نقطة ضعفنا، ومن خلاله يمكن الضغط علينا وإيلامنا، وايذائنا. أحيانا تكون اللامبالاة، ووضع مسافة أمان إزاء الطرف الآخر هو الذي ينجينا من سطوتهم، وقهرهم، وإيذائهم. وإذا لم نأخذ مسافة الأمان سنتأذّى بعمق من علاقاتنا بالبشر. وأمثلة الحب المجنون واللامعقول في واقعنا كثيرة، فالكثير من فتيات اليوم يهبون قلوبهم بغير شروط لشباب طائش، وشهواني، ولا يحمل في ضميره أي مسؤولية أخلاقية. وعندما تسلِّم الفتاة قلبها لشاب طائش، ستمنحه كل شيء. ويستغل الشاب الفرصة ليلتقط عن عاشقته صور، وفيديوهات في أوضاع خادشه للحياء، وتكون بذلك وسيلة ضغط على الفتاة، لتسلِّمه أموالها، أو تشاركه في تجارة الممنوعات. وقصص من هذا النوع موجودة بالآلاف في مجتمعاتنا العربية والإسلامية. 

الحب أعظم شيء في هذه الحياة، وعندما لا يتبعه عقل، ولا تبصُّر سيصير عذابا وجحيما على صاحبه. نعم، مشاعر الحب جميلة، وتوقظ الخيال، والأحلام، وتهب حياة جديدة للشخص. ولكن هو نفس ذلك الحب، الذي يتحول إلى نقيضه، ليجعلك تقدُم على الانتحار، بسبب صور أخذت عنك، والتي ستفضحك على وسائل التواصل الاجتماعي.

الحب في الله والكراهية فيه

وحده الحب في الله، هو الذي يبقى، فهو حب راقي يتجاوز ما يثير الشقاق الذي سببه: المصالح الدنيوية: كالمنصب، والشهرة، والمال. وعندما نحب إنسان لأخلاقه وبقربه من الله. فهذا هو الحب الحقيقي، لأنّ النصيحة متبادلة فيه، والعلاقة قائمة على النصح. وقد جاء في الحديث الصحيح: "سبعة يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله... وذكر منها: ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه، وتفرقا عليه رواه البخاري ومسلم.

أما الكراهية في الله، فتعني:أنْ تكره إنسان بسبب أفعاله، وسلوكياته السيئة، والذي يؤدي بك بسوء أخلاقه إلى النار. فأنت إذْ تكره ذلك الشخص ليس من منطلق دنيوي: كالحسد، والمنافسة، والغيرة. بل كونه مبتعد عن طريق الخير والجنّة. وهذه هي الكراهية في أسمى معانيها. لأنّ منطلقها أخلاقي. وهذا لا يعني أنّ كراهيتك له تجعلك بعيدا عن نصحه، وتتمنى غرقه في طريق الظلال. بل تحاول أنْ تنصحه لكي يركب الطريق الصحيح. فإذا ما سار على الطريق الصحيح، أحببته في الله. فمن خلال المحبة في الله والكراهية فيه. تستطيع أنْ تغربل جميع علاقاتك. فأمّا الذي يزيدك قربا من الجنة، فهو أولى بالحفاظ على علاقتك به. أمّا الذي يقربك من النار، ويحبب إليك الدنيا، ففراقك له شفاء لك من حب الدنيا. وأغلب الخصومات التي نجدها في هذه الحياة، آتية من العلاقات القائمة على المصلحة الدنيوية، التي تولّد النزاع والتحاسد، والتنافس. فالناس لا تعيرك أي اهتمام إذا ما انتهت مهامك، ودورك، ومصلحتهم بك، ويتم رميك خارج دائر الاهتمام، وإن كانت لهم عندك مصلحة ودور، فأنت هو العزيز المقرّب، والاتصالات التي تأتي على هاتفك فأغلبها لأجل مصالح دنيوية، فإذا أخذ الإنسان التقاعد أُو أبعد عن منصبه، فلن يرنّ الهاتف. 

إذا عرف الإنسان كيف يختار أصدقاءه من خلال الحب والكراهية في الله، سيتوقى الوقوع في الكثير من المشكلات: كالغدر، والخيانة التي قد تأتي من أصدقاء الدنيا، فصديقك التي تحبه في الدنيا، مهما طال الزمان سيغتابك، وقد يبغضك، قد يسيء الظن فيك بمجرد أنّك لم تقضي له مصلحته. أما صديقك الذي تحبه ويحبك في الله، إذا لم تقضي له مصلحته فيجد لك أعذار ويتفهمك