الوحي والإلهام، كلاهما اتّصال بين الإنسان والله. ففي الوحي، يختار الله نبيًّا من البشر، ليرسل بواسطته تعاليمه إليهم. والإلهام كذلك، هو اتّصال بين الإنسان والله، لأجل هداية الإنسان، لكنّه لا يختصّ بالأنبياء وحدهم؛ وإنّما هو عامٌّ في البشر، أي أنّ كلّ إنسان يحصل لديه إلهامٌ بطريقةٍ أو بأخرى. لذلك، لا حاجة إلى نقله إلى الآخرين، لأنّ لكلّ إنسان تجربته الخاصّة. وأصل هذا الاتّصال في الحالين، هو تلك الرّوح الّتي نفخها الله في الإنسان، فجعلته دائم الاتّصال به ([1]) . 

 

وكذلك يلتقي الإلهام بالوحي في أصل المعنى , حيث إن الوحي في معناه اللغوي : الإعلام في خفاء  وسرعة ([2]) . وهذه معانٍ حاصلة في الإلهام , يقول أبو إسحاق الزجّاج : " وأصل الوحي في اللغة كلها , إعلام في خفاء , ولذلك صار الإلهام يسمى وحيًا " ([3]) . 

 

وقد كان الوحي يأتي للنبي - صلى الله عليه وسلم - في بعض صوره إلقاءً ونفثًا في الروع , فمن حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( ... وأن الروح الأمين نفث في روعي أنه لن تموت نفسٌ حتى تستوفي رزقها , فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ... ) ([4]) , وقد عدّ الإمام ابن حجر " الإلهام " صفة من صفات مجيء الوحي للنبي - r - ([5]) . 

 

كما أن رؤيا الأنبياء وحي , وهي تدخل مع الإلهام ([6]) , كما في قوله تعالى :  ﴿ وما كان لبشرٍ أن يكلّمه اللّه إلّا وحيًا أو من وراء حجابٍ أو يرسل رسولًا فيوحي بإذنه ما يشاء  إنّه عليٌّ حكيمٌ ﴾[ الشورى : 51 ] . 

 

وعلى الرغم من العلاقة المشتركة بين الوحي والإلهام , فإنه يوجد بينهما بعض الفوارق . 

 

أولًا : مصدر الوحي – يقينًا – هو الحق تبارك وتعالى , بينما يكون الإلهام من الحق تبارك وتعالى , وقد يكون من غيره باعتبار إن الإلهام بالمفهوم العام قد يقع للأنبياء وغيرهم , 

 


ثانيًا : الوحي أعم من الإلهام , إذ أن الإلهام أحد أنواع الوحي , وقد أدرجه الحافظ ابن حجر ضمن صفات الوحي ([7])  . 

 

ثالثًا : الإلهام بالمفهوم العام أعم من الوحي من حيث شموله لجميع المكلفين وغير المكلفين , وقد يطبق على وساوس الشيطان , بخلاف الوحي الذي يكون خاصًا بالأنبياء ([8]) .  

 

رابعًا : الوحي مشروط بالتبليغ لقوله تعالى :﴿يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من رّبّك وإن لّم تفعل فما بلّغت رسالته واللّه يعصمك من النّاس إنّ اللّه لا يهدي القوم الكافرين﴾[المائدة:67] أما الإلهام فلا يشمله التبليغ , باعتبار أنه يقع للمكلفين وغيرهم , والخلاف في حجيته واسع . 

 

خامسًا : الوحي من خواص الرسالة , والإلهام من خواص الولاية . 

 

سادسًا : الغالب في الوحي أن يسمع الموحى إليه صوتًا أو يرى الوحي مباشرة سواء بصورته أو بتشكّل له , بينما في الإلهام لا يرى الملهم صورة ولا يسمع صوتًا . 

 


سابعًا : يغلب على العقائد والشرائع والأخلاق أن تثبت عن طريق الوحي , أما الإلهام فإن كان لغير الأنبياء فلا يثبت به شيء من ذلك ([9]) .