التحول والتغير هو السمة الثابتة في الزمن، والأدب مواكب للإنسان وللزمان، نتيجة السعي الدائم للفرد إلى اكتشاف ما يحيط به وفكِّ غوامضه، فيصيب تجاربه فيصيب تجاربه وخوالجه ما توصَّل إليه من حقائق في قالب أدبي. لذا فقد مرّض النص الأدبي بمسيرة طويلة، وتغير بتغير الأزمان المتعاقبة التي شكلت دورة حياته. فلكل زمن أدبه، ولكل أدب مميزاته، وما كان التمايز ليكون لولا استجابة الأدب لمتغيرات عصره. 

ولعل أهم أسباب هذا التغير هو تطور الوسائط الحاملة لهذا الأدب، فمسيرة حياة الإنسان عبر الزمن صاحبها تجديد وتطوير للآليات والوسائل التي تخدم الإنسان ومعه الأدب على حد سواء ([1])

 

ويمكن إجمال حياة الأدب في أربع مراحل وهي:  

 

1- المشافهة (الشفاهية):
وهي الطور الأول من أطوار التواصل، ارتبط بالكلمات المنطوقة، ويتميز بكونه مشحونًا بشحنات الحضور؛ إذ يستدعي المواجهة بين المتكلم والمستمع، هذا الحضور الذي لا يصبح مقترنًا بالنطق والكلام فقط؛ بل يتعداها إلى كل ممكنات التواصل والإفهام (
[2]). 

 

وتتميز الشفاهة بالحيوية وإمكان اللجوء إلى وسائل فوق لغوية للتأثير كالتلوين الصوتي من خلال النبر والتنغيم ومط الكلام واقتضابه، وما يصاحب الحديث من حركات الوجه واليدين والعينين، وجميعها أفعال كلامية لها دورها الحاسم في تحديد المعنى المنطوق والمسموع ([3]).   

 

ترتكز الثقافة الشفهية أيما ارتكاز على دور الذاكرة الإنسانية في حفظ أقوالها، وقد ارتبطت المعرفة عندهم بسعة الذاكرة الإنسانية في حفظ أقوالها، فكل إنسان يمتلك من المعارف بحجم قدرة ذاكرته على
التخزين (
[4]).

 

غير أنه من الصعوبة تخيل ماهية هذه الثقافة الشفهية بين الباحثين والدارسين الكتابيين، الأمر الذي جعلهم يشككون في حقيقة انتساب الأعمال التي وصلتنا من ملاحم وقصائد لأصاحبهم المزعومين حسب اعتقادهم ([5]).  

 

 

 

2- الكتابة: 

 


مع زيادة توسع التوجهات البشرية والاختلاط بين الناس عبر التطور الإنساني، لم تعد الشفهية وسيلة ناجعة للتواصل، كما تراكمت المعرف وثقلت الكرة الإنسانية بما تحمله، بدأ حينها التفكير في وسلة جديدة تحفظ للإنسان موروثه الثقافي والمعرفي من الضياع والنسيان، وتضمن له سبلًا أكثر فاعلية للتواصل ([6]). 

 

ويرى والتر أونج في كتابه (الشفاهية والكتابية) أن الكتابة كانت تطورًا متأخرًا للغاية في التاريخ الإنساني، فقد مضى على الجنس البشري على الأرض ما يقرب من خمسين ألف سنة، لكن أول خط أو كتابة حقيقية نعرفها تطورت بين السومريين في بلاد ما بين النهرين، ولم يحدث ذلك إلا حوالي عام ألفين وخمسمائة قبل الميلاد؛ وكانت الكائنات البشرية قبل ذلك بما لا يحصى من آلاف السنين ترسم 

 

صورًا ([7]) .

 

تطورت طرق الكتابة عبر الزمن فقد كانوا يكتبون على الجران والأحجار والجلود والسعف وغيره، حتى تم اكتشاف ورق البردي من قبل المصريين القدماء، وبعد ورق البردي اهتدى الإنسان إلى نوع جديد من الورق وذلك في القرن الثاني قبل الميلاد عرف شكل الدفتر (الكوديكس) في أوربا. 

 

ومن المواد الأخرى التي شاع استعمالها بكثرة في صناعة الكتب نوع من الجلود يسمى (الرق)، وقد استخدمه العرب لكتابة القرآن الكريم. 

 

 

 

3- الطباعة: 

 


وهي مرحلة داعمة للكتابة ظهرت في القرن الخامس عشر الميلادي، حين اخترع الألماني يوهان جتنبورغ المطبعة. وعدَّت حلقة مفصلية في التاريخ البشري، وشكل نقلة نوعية على جميع الأصعدة بعدما نقل فعل الكتابة من الإنسان إلى الآلة الطابعة، " فقد نشرت المعرفة على نحو لم يحدث أبدًا من قبل ، وجعلت من معرفة القراءة والكتابة لدى الجميع هدفًا جادًا ، ومكنت من نشوء العلوم الحديثة ، وغيرت الحياة الاجتماعية والفكرية " ([8])

 

 

 

4- الرقمية:  

 


هي الحلقة الأخيرة من دورة حياة الأدب – إلى يومنا – وكانت نتاج التطور التكنولوجي والعلمي حين غزا الحاسوب (الكمبيوتر) كل بيت، حتى غدا امتلاكه ضرورة لا مناص منها، وكان لهذا الغزو تأثير بالغ على الأدب " فكلما حقق المجتمع تطورًا وتقدمًا مسَّ هذا التقدم العلم والأدب بدرجة متقاربة، كما أنَّ التقدم متقارب بين الجانبين المادي والنظري، وعليه فإن التقدم التكنولوجي لم يكن ولن يكون على حساب الأدب" ([9])

 

 بل يسيران في الطريق ذاته، ويتعايشان في علاقة تأثير وتأثر.

 

ويعتقد العلماء لعلماء أنه خلال العوام العشرة القادمة ستصبح التكنولوجيا الجديدة بكل معطياتها الخدمية والمعلوماتية شيئًا مألوفًا وعلى مساحة واسعة من العالم. ولعل كل ذلك هو ما أدى إلى ولادة جنس أدبي جديد يزاوج بين الأدب والتكنولوجيا وهو (الأدب التفاعلي الرقمي) الذي تتسع دائرته لتشمل أنواع الأدب المختلفة من شعر ومسرح وقصة ورواية ومقال، من خلال استعانة هذا الجنس الجديد بالإمكانات التقنية التي تتيحها التكنولوجيا لتقديم نص مختلف الوسيط يقوم على أساس تفاعل المتلقي ومشاركته ([10]).