وما موقفي من مشروعية دولة (اسرائيل) التي اقيمت عام 1948 على أرض فلسطين؟

"""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""

قطعًا أنني لست ضد اليهود كيهود، فهم بشر كحال كل البشر فيهم الطيب وفيهم الخبيث، وفيهم المؤمن وفيهم الملحد، وفيهم الأمين وفيهم الخائن، وفيهم الصادق وفيهم الكذاب، وفيهم العادل وفيهم الظالم، وفيهم الخلوق المتحضر وفيهم المتوحش الهمجي..الخ .. كحال أهل كل دين وكل بلد وكل ملة وكل مذهب.. بل هذا ما وجدته في القرآن الكريم فهو يقول عن اليهود والمسيحيين أي أهل الكتاب: 


((لَيْسُوا سَوَاءً ۗ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (*) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَٰئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (*) وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوهُ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ))(آل عمران) وفي سورة (الاعراف) قال عنهم: (( وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ)).


إذن القرآن يؤكد على ما قلناه من أنهم فيهم الصالحون والمقسطون وفيهم الطالحون والظالمون كحال المسلمين والمسيحيين ...الخ... ومن يقول عكس هذا من المسلمين المتطرفين والمتشددين إنما هو ضحية التراث الديني الملغوم أو نتيجة الفهم القاصر للقرآن.. إذ لو كان اليهود أو المسيحيون كفارًا بالجملة أو أنهم مكرهون وأنجاس كما يزعمون فكيف يسمح القرآن بالزواج منهم لتكون أم أولادك وجدتك وخالتك يهودية أو مسيحية إذا كان كل المسيحيين واليهود كفارًا؟ وكيف يجوز مشاركتهم طعامهم وأكل ذبيحتهم !!؟؟.. الحق الحق أن تعميم التكفير والكراهية هو سلوك متطرف وخاطئ ومخالف لقيم وتعاليم الاسلام، وأما ما جاء في القرآن من النهي عن موادة بعض اليهود والمسيحيين إنما جاء محصورًا في طائفة محددة وهم ((من يُخرجون المسلمين من ديارهم أو يحاربونهم ويضطهدونهم في دينهم))، جاء في القرآن ما يلي:


((لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (*) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ))[8 - 9 الممتحنة]


إذن من حيث المبدأ والاساس، فالاسلام دعوة للسلام وللأخوة الانسانية وإلى التعايش بين الأديان إلا من حاربنا في ديننا أو احتل ديارنا، بدليل أن اليهود والمسيحيين وحتى المجوس والهندوس عاشوا في ظل دول وحضارة الاسلام دون المساس بهم أو بكنائسهم ومعابدهم بخلاف ما كان يحدث في أوروبا في القرون الوسطى ضد اليهود والمسلمين من اضطهاد ديني وحشي!!


هذا من حيث منطق التوجيهات والتعاليم العامة للقرآن، أما من حيث منطق الواقع فإننا نجد هذا الذي ذكرناه من وجود الطيب والخبيث والعادل والظالم في كل طائفة دينية واقعًا ملموسًا بشكل قاطع! فهناك يهود ومسيحيون لهم مواقف انسانية واخلاقية طيبة سواء فيما يتعلق بقضية حقوق الفلسطينيين أو حقوق المسلمين هنا في الغرب أو حقوق الانسان والشعوب عامة وقد رأينا كيف أن مجموعات من يهود بريطانيا وأمريكا يدينون الحرب الاسرائيلية الوحشية على غزة بل وبعضهم من ذهب إلى رفض الصهيونية وعدم الاعتراف بمشروعية دولة اسرائيل من حيث المبدأ مع أن بعض الدول الغربية تصنف (عدم الاعتراف بحق دولة اسرائيل في الوجود شكلًا من أشكال العداء للسامية))!! وهؤلاء يهود بعضهم (متدين) وبعضهم (يساري وعلماني) يرفضون الصهيونية ومشروعية مشروع دولة اسرائيل من حيث المبدأ، فكيف يكونون معاديين للسامية وهم يهود أصلًا؟؟! إذن فالتعميم ظلم وهو منهج العوام والمتطرفين والخلطاء في كل ملة وليس منهج أهل العقول العدول، ولا منهج الاسلام القرآني الذي أنزله الله رحمة للعالمين!


إذن، أنا لست ضد اليهود كيهود، لكنني ضد (الصهيونية) كعقيدة سياسية معجونة بأساطير دينية أو أحداث تاريخية من الماضي البعيد!! هذا من جهة ومن جهة أخرى أنا ضد مشروع دولة اسرائيل كمشروع استيطاني لكل يهود العالم !!  لماذا !!؟؟.

جوابي: لأن من حيث المبدأ أن اليهودية ديانة وليست عرقًا وقومية، وهناك فرق بين (اليهودية) كديانة كمفهوم عام وواسع، وبين (بني اسرائيل) كمفهوم خاص وضيق كشعب من شعوب الساميين أو ما بات يعرف في عصرنا بالعالم العربي أو الناطق بالعربية، وبنو اسرائيل عددهم محدود جدًا بخلاف من دخل في اليهودية كديانة من شعوب أخرى عبر القرون فعددهم أكبر، أي كحال مفهوم العرب كقوم وبين مفهوم الاسلام كديانة، فمعظم المسلمين ليسوا عربًا ، وهكذا حال يهود العالم فإن معظمهم ليسوا من (بني اسرائيل)!! فإن اليهود حالهم كحال المسيحيين، كحال المسلمين، كحال البوذيين، حال الهندوس، وغيرهم من أصحاب الديانات والمذاهب الدينية هم أصحاب ديانة ومذاهب دينية موزعون على عدة أوطان وبلدان وعدة دول ومجتمعات وعدة قوميات واعراق! لذا فإن ما قامت به الحركة الصهيونية - بمساعدة دول غربية وخصوصًا بريطانيا الاستعمارية في ذلك العهد - من أغراء وتشجيع يهود العالم - كيهود - بالخروج والرحيل والهجرة من أوطانهم وبلدانهم الأصلية التي كانوا يعيشون فيها منذ قرون (!!؟؟؟) - وفق ايديولوجية سياسية استعمارية استيطانية ممزوجة بأساطير دينية - وتوطينهم، بقوة الخداع والمال والسلاح والتضليل الاعلامي، في أرض شعب آخر ضعيف - هو الشعب الفلسطيني بكل مكوناته الدينية من يهود فلسطينيين ومسيحيين فلسطينيين ومسلمين فلسطينيين وفلسطينيين ملاحدة أو غير متدينين - هو أمر غريب ومريب وغير منطقي وغير عادل بالمرة!!... إذا فكرت بهذا المشروع الصهيوني بعقل موضوعي ومنطقي خارج الصندوق الصهيوني ستجد نفسك مستغربًا ورافضَا لهذه (الفكرة السياسية الغريبة والمريبة وغير العادلة) التي قام عليها مشروع دولة اسرائيل من حيث المبدأ.. ثم (لماذا يجب أن يكون ليهود العالم دولة أصلًا؟) هل لأن يهود العالم لا يشعرون بالأمن بعد حدوث المحرقة النازية كما ادعي الرئيس الامريكي الحالي (بايدن)؟؟؟ وهل هذا حقيقي؟؟؟ وهل اليهود غير آمنين في أمريكا وبريطانيا وتركيا وروسيا وكندا واستراليا وتونس والمغرب...الخ أم هم هنا في الغرب أكثر أمنًا من وجودهم في فلسطين!!؟؟ هل هم اليوم في فلسطين آمنون وأكثر أمنًا من يهود أمريكا وكندا والمغرب وتركيا ...الخ ؟؟ هل هم أكثر أمنًا في فلسطين ووسط هذا المحيط العربي والاسلامي الرافض للمشروع الاستيطاني والاستعماري المحتل لأرض الشعب العربي الفلسطيني؟؟


اليهود قبل المشروع الصهيوني - بل ولا يزال الكثير منهم حتى اليوم - يعيشون كمواطنين وجزء لا يتجزأ من مجتمعاتهم الوطنية في عدة دول وهي بلدانهم وأوطانهم الاصلية بما فيها الدول العربية والمسلمة؟ (اليهودي الليبي وطنه ليبيا) و(اليهودي المصري وطنه مصر) (اليهودي البلغاري وطنه بلغاريا) (اليهودي التركي موطنه تركيا)(اليهودي الايراني موطنه ايران)(اليهودي البريطاني موطنه بريطانيا)( اليهودي الاثيوبي موطنه أثوبيا) (اليهودي الروسي موطنه روسيا) (اليهودي الهندي موطنه الهند)( اليهودي الصيني موطنه الصين) ...الخ الخ الخ .... فاليهودية كديانة متوزعة على عدة بلدان ودول وأوطان ومجتمعات وطنية واعراق، حالها حال الاسلام والمسيحية والبوذية والهندوسية ...الخ... إذن ((لماذا نقيم ليهود العالم دولة في وطن وبلد الغير؟؟)) ثم هل كانت فلسطين وطن خاوي بلا سكان وبلا شعب؟؟ هل من المعقول أن نقوم بتهجير مسلمي العالم خصوصًا من يتعرضون لبعض الاضطهاد أوالتضييق والاسلاموفوبيا في بدانهم الأصلية - مثلًا من الصين والهند وسويسرا وفرنسا وبلجيكا والدنمارك- ونوطنهم في ((السعودية)) بدعوى أنهم يتعرضون للاضطهاد من بعض العنصريين أو بدعوى أن السعودية كانت قبل 1400 عام هي البلد الذي ظهر فيه الاسلام والنبي محمد؟؟؟ هل هذا منطقي ومعقول ومقبول بمنطق هذا العصر؟ وهل اقامة دولة على أساس ديانة يتفق مع روح العصر؟؟؟؟ 


إذن أنا لست ضد اليهود كيهود لكنني غير مقتنع كحال الكثير من أحرار وعقلاء العالم - ومنهم يهود متدينون وعلمانيون - بالمشروع الصهيوني كمشروع سياسي استعماري لتوطين يهود العالم في (فلسطين)!! هذا مشروع غير منطقي وغير عاقل وغير أخلاقي وغير عادل لا في حق الفلسطينيين بكل أديانهم ولا بحق اليهود بكل بلدانهم وأوطانهم!!.. لقد شارك الساسة الغربيون في تكريس هذا الظلم وهذا المشروع الغريب المريب غير المنطقي وساهموا في زعزعة استقرار العالم، فإسرائيل قنبلة مؤقوتة ستظل تنفجر كل فترة بشكل دوري مما يهدد السلم العالمي!... لو كانوا يعقلون!

**********

 سليم نصر الرقعي

نوفمبر 2023