هذا حوار جري بيني وبين بعض الاصدقاء في صفحتي في الفيسبوك حول محاولات شياطين الجن سرقة بعض المعلومات عن أقدار البشر في الارض من السماء!، وهل انتهت مع نزول الوحي والقرأن على خاتم الانبياء والمرسلين وانقطاع خبر السماء!؟ وما هي الحكمة في أن يسمح الله بحدوث بعض التجاوزات والاختراقات لأسرار السماء!! .
************
الشيء الثابت بالقرآن ان بعض شياطين الجن كانوا يحاولون التجسس على أهل السماء ويقعدون مقاعد للسمع والتصنت على ما يجري هناك لمعرفة أخبار السماء وأقدار البشر والارض الا أنهم لاحظوا بعد نزول الوحي على النبي صعوبة حدوث ذلك ولمسوا تغييرا غير معتاد، جاء في القرآن الكريم :
1 - قال تعالى: {ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين}[الملك:5]
2 - قال النفر من الجن : {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا ¤ وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ ۖ فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا}[سورة الجن].
3 - قال تعالى: {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ ¤ وَحِفْظًا مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ ¤ لَّا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَىٰ وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ ¤ دُحُورًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ ¤ إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ}[الصافات: 6-10]
- سألني السيد Ramadan Zakka : " وهل لازالت ترجم بالشهب ليومنا هذا ام ان الرجم توقف بإنتهاء نزول الوحي؟"
- فكان جوابي : "أغلب المفسرين على ان الشياطين لم يعد في امكانهم - بعد النبي محمد صلى الله وعليه وسلم - التجسس على الملأ الاعلى وما يجري في السماوات الأخرى من احاديث ومداولات تجري بين الملائكة المكلفة بشئون ادارة الحياة والموت على الارض والرزق وفق تعليمات الله (رب العرش العظيم)(ملك الناس) واختطاف وسرقة بعض هذه الاسرار الكونية والمعلومات القدرية لمعرفة مقادير البشر واحوال كوكب الأرض وما سيجري فيه خلال كل عام!... ولكن ظاهر القرآن والحديث أن الأمر مستمر!، أي أن محاولات شياطين الجن السطو على بعض المعلومات عن أقدار البشر في الارض مستمرة بالرغم من كل تضييق الخناق عليهم!، فشياطين الجن يظلون يحاولون التجسس وسرقة المعلومات والتصنت على ما يجري هناك فوق في السماوات الست الاخرى!، وقد يخطف بعضهم بعض المعلومات ويفر بها فليحقه شهاب ثاقب، وقد يصيبه فيهلكه وقد يفلت فينجو فيحمل تلك المعلومة ويضيف عليها مائة كذبة من عنده ويضعها في رأس احد الكهان والمنجمين والعارفين، فيخبر هذا الكاهن والعراف والمنجم الناس ما أوحت به اليه الشياطين وألقته في روعه، فتصيب نبوءة واحدة له وتخيب 100 نبوءة بشكل يندى له الجبين كما هو مشاهد في نبوءات العرافين والمنجمين في زماننا وقراء الطالع والفنجان والكف!!، ولكن الناس تظل أنفسهم معلقة بالنبوءة التي كانت قد اصابت وهم متعجبون ويكتبون عنها مستغربين كيف عرفها العراف والكاهن والمنجم وتنبأ بها قبل وقوعها!!؟ وينسون ويتناسون ال100 نبوءة التي قد خابت ويغضون عنها الطرف!!، هكذا هي طبيعة الناس!!، يحبون التركيز على ما يعتبرونه اعجوبة وخارقة للعادة!!... الشاهد انني - وبالنظر لعموم القرآن - وبالرغم من أن السماء بعد ظهور النبي ملئت بالفعل حرسا شديدا وشهبا لحراسة مركز المعلومات الكونية من قراصنة المعلومات اي شياطين الجن - فقد تقتضي حكمة الله وارادته الكونية وفق نظام الأسباب بتمكن بعض الشياطين احيانا من اختراق تلك الحراسة الشديدة واختطاف (معلومة) من معلومات اقدار البشر على الارض على مستوى فردي خاص أو مستوى جماعي عام والنفاذ بجلده أو يلقيها الى شيطان آخر قبل ان يصيبه الشهاب الثاقب فيهلكه، كما لو انهم يشكلون عصابة وفريقا للسطو على المعلومات واخبار السماوات العلا!، حتى يتمكن أحدهم من تهريب هذه المعلومة القدرية من معلومات توزيع اقدار البشر واحداث الارض للكهان وشياطين الانس ليستعملوها في تعزيز إيمان الناس بالكهان وقراء الطالع والمنجمين واظهارهم على أنهم يعلمون الغيب!!، فيفتنون الناس بهم!! ، وهكذا فإن استراق الشياطين للسمع وسرقة معلومة من الملائكة المختصة بتنفيذ مقادير الله للبشر والأرض أمر ممكن وليس مستحيلا!، هذه الملائكة التي اطلق عليها القرآن اسم ووصف (والمدبرات امرا)(*)(!!!)، لكنه لم يعد بالسهولة والكثرة التي كان عليها ما قبل نزول الوحي على النبي الخاتم وذلك بسبب تشديد الحراسة على منافذ اقطار السموات والأرض!،ولكن ارادة الله وحكمته في تدبير وتسيير امور العالم قد تسمح بحدوث اختراقات من هذا النوع كما تسمح بإمكانية قتل الكفار لبعض الانبياء وتنمر الباطل في الارض لبعض الوقت!، في ظل التدافع بين اهل الحق وأهل الباطل وبين القوى والقوى المضادة وفق ناموس التدافع وقانون حرية الاختيارات وحتمية المسارات، والله أعلم!" .
- فقال السيد Ramadan Zakka : "شكرا على الشرح المستفيض سيد سليم ولكن هذا يحملني لسؤال اخر واعرف ان إجابته هي الله اعلم ... والسؤال الله سبحانه وتعالى بكلمة كن فيكون يمكنه صد هذه الشياطين ولن تستطيع لسرقة الاخبار المستقبلية نقبا ..بدل من رصدها ورمايتها بالشهب ...مضبوط؟"
- فقلت: "نعم صدقت ، وكان يمكنه تعالى وبكلمة واحدة (كن) فيكون ان يحمي النبي فلا يتعرض النبي للضرب والايذاء من المشركين وكان يمكنه ان يمنع اليهود من قتل الكثير من الانبياء ، وكان يمكنه أن يمنع السامري من يحصل على تلك القوة الخارقة ليصنع لبني اسرائيل في غياب موسى آلة عجيبة من الذهب على صورة عجل لها خوار وفتنة بني اسرائيل بهذه الآلة العجية وعبادتها ، الله كان بإمكانه منع كل هذا لو اراد..... وبكلمة (كن) فيكون ، ولكن حكمته التي تعجز عقولنا عن فهمها والاحاطة بها علما، اقتضت ان تسير الأمور والاحداث وتدافعات البشر وفق سنن ونظام اسباب منضبط وصارم في اغلب الاوقات والحالات الا اذا شاء عز وجل اجراء أمر بعكس ماهو معتاد ومألوف في السنن الكونية المعتادة لحكمة يعلمها بعلمه المحيط والشامل والكامل، هنا قد تحدث بعض الاستثناءات وهو العليم الحكيم !! ، كذلك في حال التجسس على اسرار واخبار السماوات التي تقوم بها بعض عصابة شياطين الجن بين الفينة والأخرى!، فيمكن ان يمنع الله بشكل كامل ونهائي هذا الامر لو أراد، حتى بدون حاجة لقذف قراصنة المعلومات الكونية بالشهب الثاقبة، ولكن حكمته ومشيئته في ادارة امور هذه التجربة الكبيرة التي نسميها (الدنيا) اقتضت ان تجري الأمور بهذا الشكل حيث الأنس والجن يتحركون بين حرية الخيارات وتدافع الارادات وحتمية المسارات! ، هكذا افهم الأمر من خلال تأملي للقرآن والحياة وواقع وتاريخ البشر، والله اعلم!".
- قال السيد : "Ramadan Zakka سليم الرقعي شكرا لرد الواضح والدقيق".
- وعقب السيد Wadih Ali مؤكدا على مسألة سنة الله في إدارة شئون الدنيا واختبار الأنس والجن فيها وفق سنن كونية منضبطة حكيمة وصارمة لا تحابي احدا ، فقال :
"حتى أنا كنت أتسائل بيني وبين نفسي، إن الله يملك أن يقضي مثلاً على المشركين في معركة بدر وأحد بكلمة منه من حرفين، أو يحرك أحد جنود الله كالريح والمطر والجبال والطير وغيرها فيقضي عليهم كما فعل مع جند أبرهة وغيرهم دون عناء من المسلمين، بدلاً من إرسال ثلاثة آلاف من الملائكة منزلين ثم خمسة آلاف مسومين عندما يصبروا ويتقوا -أي مشروطة بالصبر والتقوى والإيمان بنصر الله - ولكن رحمته سبحانه وتعالى مشروحة في القرآن في 4 آيات واضحات كالتالي:
في قوله: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ ۖ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ}[البقرة 214]
وقوله: {وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}[آل عمران 142،141]
وقوله: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً ۚ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }[التوبة 16]
وقوله: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ}[المؤمنون 115]
فالله سبحانه وتعالى يعامل مخلوقاته من البشر بنواميس البشر الطبيعية، ولأن الجائزة جائزة المؤمن الكبرى - هي الجنة في الآخرة - فلابد من تمحيص واختبار يليه اختبار ليمحص الله المؤمن حقاً من المنافق من الكافر (وهو أعلم بهم) ولكنها لتكون عليهم حجة يوم الحساب".
◇◇◇◇◇◇◇◇◇
سليم الرقعي
(*) معظم المفسرين أن قوله تعالى : {فالمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا} [سورة النازعات آية 5] المقصود به : "الملائكة التي تتولى تدبير الأوامر وتنفيذها"، كما أنه من الثابت ان هناك مناقشات ومداولات تجري في (الملأ الاعلى) حول أقدار وأحوال البشر في الارض، جاء في القرآن في سورة (ص) آية 69 : {مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَىٰ إِذْ يَخْتَصِمُونَ}.