هي لا تنام ، كلا ، هي ليست عاشقة ، إنها خائفة ؛ عيناها قلقتان تدوران مع دوران الأسلاك الكهربائية حو ل جدران كوخها الحقير ؛ انها خائفة تترقب ، انها فزعة ، متحفزة ، ستوقظ الصغار ، و اباهم العجوز ، إذا ضربت صاعقة سقف الكوخ الحديدي ، فصعقت نقاط الكهرباء المتدلية على الجدران .
هي لا تنام ، و هل ينام من نخر البرد عظامه ؟ من تسربت المياه من فوقه ، و من تحت رجليه ، فتركته مكشوفا للسعات البرد ؟ هل ينام (البردان)؟.
هي لا تنام ؟ و هل ينام الجائع؟ في المساء تناولت ما عجزت بطون المتخمين عن تناوله : بقايا ( رز) ، و (توالي ) لحم ، و ربما ، حبات فاكهة رفضتها نفس ( بطرانة ) مترفة .
هي لا تنام ، أما جيرانها فنيام - سكان العمارات العالية ، المحيطة بكوخها الحقير - لا شك أنهم نيام ، قد يكون أحدهم موظفا متخصصا في محاربة الفقر ، الفقير بالنسبه له رقم من الارقام ، نسبة مئوية ترتفع و تهبط ، فلا ترتفع معها ، و لا تهبط دقات قلبه ! فالفقير رقم ، مجرد رقم ، و ليس لحم ودم ! . بل لعل هذا الموظف مستاء من منظر الكوخ الذي يشوه المنطقة ! .
هي لا تنام ، أما نحن فنيام ! ...
أذكر أياما ، هي في التقويم كهذه الأيام؛ أيام كانونية، و لكنها في التقييم ، مختلفة جذريا ؛ إنها ( كوانين ) انتفاضة الحجارة : أذكر شابا على ( بسكليت ) - دراجة هوائية - يوزع الطعام على الفقراء ، الغيث ينزل على رأسه ، و الرياح تداعب وجنتيه ، و الإحتلال يطارده ، و لكنه لا يبالي ، ثبت ( بوكسه) - صندوقا - خلفه ، عبأه بالعسل - و ليس ببقايا الرز - ، و بدأ يجوب الشوارع يتفقد المحتاجين ...
لم نكن نملك بيوتا ضخمة ، و سيارات فارهة ، و لم نكن نعرف العمارات الا قليلا ، و لم يكن الفقر وقتها قاتلا !
أما اليوم فالبيوت أوسع و أفخم ، و السيارات أكثر و أجمل ، و العمارات أعلى و أكثر ... و أما الفقر فأخطر ؛ أصبح الفقر يعني أطفالا جياعا ، و ماءا باردا يغرق النائمين ، و صواعق تحرق و تقتل ، و أمراضا مزمنة بلا علاج ... أما التعاطف ، و التعاضد ، و التراحم ، فقد أصبحت أخلاقا متحفية؛ لا تليق بأوضاعنا الجديدة ، الأخلاق المطلوبة اليوم ، هي الأخلاق التي تناسب مجتمع الاستهلاك ، المجتمع المكون من مجموعة من الراكضين ، ليلا و نهارا، في سبيل السعادة المتوهمة ، أعني ، في سبيل المتعة الحسية ، ناسين- أو متناسين - جيرانهم ، و ربما أهلهم ! .
أن الأخلاق التي تليق بأوضاعنا اليوم ، هي الأخلاق التي سمحت لنا بالنوم ، و أجبرتها هي على الجلوس في الظلام و البرد ، خائفة مترقبة ! ، إنها الأخلاق التي تجعلني الآن ، أكتب عن ( الخائفة ، البردانة ) و أنا متدثر بلحافي ، أرتشف كأسا من ( النسكافيه ) ، قانعا بأضعف الإيمان ! .