الانسان مخلوق مثير للعجب و الجدل ؛ انه تراب نفخ الله فيه من روحه فدبت فيه الحياة ، و العجيب أن هذا المخلوق - الترابي الأصل ، المنفوخة فيه من روح  الله نفخة - يغتر و يتكبر ، و يخاصم و يجادل ، فيفجر  فيخرب، و يذبح و يقتل ، يتمرد على الله ، و يفسد في الأرض فسادا كبيرا ،  يفسد فيها لدرجة انه غير مناخها !.

نعم غير مناخ الأرض ؛ منذ سنوات و العلماء يحذرون من الآثار المدمرة للنشاط الإنساني الصناعي على المناخ و على البيئة ؛ فمخلفات التصنيع يا -سادتي-  تنفث كسموم في الفضاء ، و تلقى كنفايات في البحر ، و تدفن في الأرض ، و النتائج مخيفة مرعبة ؛ تغيرات مناخية شديدة التطرف ، أمراض مستعصية قاتلة لا علاج حتى الآن لها : 

" ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ‏" ‏

و كأن هذه الأيام الشديدة الحرارة ، القاسية ، الخانقة ، هي  - و غيرها - أقول : كأنها أجراس انذار لبني البشر ، إجراس يقرعها الله - سبحانه  - لنتوقف قليلا و نلتفت فنتأمل و نتدبر في أنفسنا ، في وجودنا ، في قيمتنا و قيمة الكون كله بدون الله ،بدون الالتزام بحدود الله ! 

و لله أجراس انذار كثيرة ، و لكننا لا نستمع اليها  : الشيب جرس ، الأمراض جرس ، الموت جرس ، التغيرات المناخية جرس ، ارتفاع حرارة الأرض ، التلوث ، انقراض بعض الكائنات الحية نتيجة النشاط البشري القاسي أجراس تقرع فهل نسمع ؟ 

غريب جدا هذا الانسان ، ما أضعفه و ما أقواه ، ما أفقره و ما أغناه ، اذا انعم الله عليه فرح و استكبر و اعرض ، و اذا ابتلاه فزع اليه داعيا مستغيثا راجيا ، فاذا كشف عنه البلاء عاد الى سيرته الأولى !

( وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَىٰ بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ )

بعد البلاء يعود الى بغيه و ظلمه وغيه ، نعود الى سباقنا المحموم على غنائم الدنيا ، الى صراعنا المجنون على ثروات الأرض ، نعود الى خصوماتنا ، الى نزاعاتنا ، الى حروبنا الطاحنة التي أحرقت ما تبقى من الأخضر بعد أن أكلت اليابس ! .

لقد نسي الانسان الله ،فأنساه الله نفسه ، فشقي بنفسه ، أتعب جسده و أعطب روحه ، ملأ جيبه و أفرغ قلبه !


كم يفزعني أن ألفت نظر أحبابي أحيانا الى جمال زهرة فلا يلتفتون !

كم يحزنني أن نكون أحيانا مجتمعين و نحن متفرقون ، نعم نجلس معا و لكن الحواجز التقنية العالية تفصل بيننا (الفضائيات ، المحمول ، النت ... ) ، نجري محادثات لساعات مع أصدقاء مفترضين منتشرين في كل الدنيا ، و لا نستطيع اتمام جملة واحدة مع اللذين يعيشونةالى جوارنا ! 

الانسان يا سادتي بدون أخلاق ، بدون دين ، بدون الله ، فاقد لمعنى وجوده ، فاقد لإنسانيته ، حتى من يدعون العمل من أجل الإسلام ، لم نعد نسمع لهم في ميدان معرفة الله و تهذيب النفس ركزا بينما تسمع صراخهم في ميادين السياسة و الحرب ! .

اننا مدعون جميعا الى الاصغاء الى أجراس الله ، الى أخذ انذاراته على محمل الجد ، هذه ليست دعوة للزهد في الدنيا ، و لكنها دعوة الى اعمار الدنيا بجعل قلوبنا عامرة بالحب و الخير ، الحب لكل البشر ، و لن نصل الى ذلك الا بمعرفة رب البشر ، معرفته حقا ، معرفة تقودنا الى انقلاب سلوكي و اخلاقي ، انقلاب يجعل حياتنا أجمل و أسعد ، انه ليس انقلاب سياسي هذا الذي نحتاجه ، انه انقلاب فكري و أخلاقي و سلوكي ، انه ارتقاء عقلي و روحي ... 

فهل نستمع الى الأجراس ؛ أجراس الله ؟