هذه التدوينة عبارة عن نص مؤثر كتبه أسير مريض ، النص مجبول بالمعاناة ، و مكتوب بها ، النص بليغ بلاغة الألم الجسدي و الروحي لهذا الأسير ، النص نبيل ، بمقدا نبل كاتبه الصابر على الألم ، الرافض لنقل معاناته الى امه ، بل و المصر على إخبارها بأنه على أفضل حال ! ... النص بين أيديكم ، و هو لا يحتاج الى تعليقي و نقدي ، فلاسكت ،  و  لأترك لبلاغته و لنبله الكلام :

 ( لا تقل لأمي بأنني صرت أعمى... تراني,.. وأنا لا أراها، ابتسم وأتحايل عليها على شبك الزيارة عندما تريد أن تريني صور إخوتي وأصدقائي وجيران الحارة، فهي لا تعرف أني أصبحت كفيفا بعد أن دب المرض في عينيّ حتى غزت العتمة كل جسدي.

لا تقل لها بأني انتظر عملية جراحية لزراعة القرنية منذ سنوات، ولكن إدارة السجن تماطل ثم تمااااااطل وتستدعي إلى عينيّ كل أسباب الرحيل عن النهار.

لا تقل لها بان شظايا الرصاص والقذائف التي أصبت بها لا زالت تطرز جسدي، وان قدمي اليسرى قد بترت واستبدلت بقدم بلاستيكية، أما اليمنى فقد تعفنت وجفت من الماء والحياة.

لا تقل لأمي عن تحرر إحساس الأسير من عناصر التكوين الأولى، محكوما برؤيا الحديد والرماد، فلا أبيض يشع، ولا فرساً تسرج الصمت أملا يطيل الرجاء .

قل لها: بأني حيّ وسليم، أرى وأمشي وأركض والعب وأقفز وأكتب وأقرأ، حاملا وجعي على عكازتي، وأرى شقيقي الشهيد قمرا يفرش السماء ويناديني بقوة البرق والرعد والسحاب.

لا تقل لها باني لا أعرف النوم، أعيش على المسكنات حتى تخدّر جسمي، أتحسس حاجياتي فأرتطم بالبرش الحديدي، وبزميل ينام قربي، فينهض ليساعدني في الوصول إلى الحمام، اليقظة تؤلمني والنوم لا يأتيني..

لا تقل لأمي بان بارودا دخل إلى مقلتي في ذلك اليوم الدامي في شوارع المخيم، قنصوني حتى طارت قدمي وسال الدم من بصري، وقبل أن افقد الوعي رأيت طفلا يجري نحوي حاملا علما وهو يصيح: شهيد شهيد.

قل لها: إن كان حلمي لا يكفي، لك حنين بطولي لا يغادرني، ولي منك لغتي ورموزي على الجدران اكشط بها وجعي كلما غاب الضوء من حولي. قل لها باني اتبع دعاءك الرمضاني إلى غيمة في يدي لأصل معيدي بعد أن ضاق بي جسدي، وربما أعود أو لا أعود، ولكني تركت الباب مفتوحا، واخترت الوقوف قرب قلبك كأني اخترت غدي.

لا تقل لأمي أن دولة إسرائيل في القرن الواحد والعشرين حولت السجون إلى أماكن لزرع الأمراض، وإذابة الأجساد رويدا رويدا، حتى صارت السجون حقول تجارب على الأحياء الذين سيموتون بعد قليل . لا تقل لها بأني أصبحت أحفظ كل أسماء العلل العجيبة والأدوية الغريبة وأنواع المسكنات أبلعها، وأنا أرى صديقي زكريا عيسى يدخل في غيبوبة طويلة في اللازمان قبلي. لا تقل لأمي عن الأسرى المرضى الذين فاض الداء في أجسامهم جنونا وحربا: أحمد أبو الرب، وخالد الشاويش، أحمد النجار، منصور موقدة، أكرم منصور، احمد سمارة ، وفاء البس ، ريما ضراغمة ، طارق عاصي، معتصم رداد، رياض العمور، ياسر نزال، أشرف أبو ذريع، جهاد أبو هنية، يذبحهم السجن والمرض واستهتار دولة تجيد تصدير الموت والجنازات للآخرين. قل لها: لا زلت على بعد ثلاثين بابا من البيت، أدنو منه كلما طار طائر واشتعلت النار في عيني ولسعتني الأسلاك بين أضلاعك والصلوات الخمس......) .

انتهى النص . و النص منشور على موقع الأستاذ ( برهان السعدي ) على الفيس بوك . و الأستاذ برهان أسير سابق ، قضى في السجن سنينا طويلة ، وقد وصله النص في رسالة بعثها له رفيق له في الأسر اسمه( عادل) . و للأمانة أنشر مقدمة النص ، التي كتبها الأستاذ ، ( برهان السعدي ) ، كما أنشر مقدمة الأستاذ ( عادل )  :

(رسالة وصلتني من الأخ العزيز عادل، الذي عشت معه السجن في السبعينات. ولأنه ينصح بقراءتها، أضعها أمامكم. ) انتهت مقدمة الأستاذ برهان .
 (لا تقل لأمي بأنني صرت أعمى... رسالة مؤثرة من الأسير الفلسطيني محمد براش من سجن 'أيشل' الإسرائيلي.. (انصح بالقراءة حتى النهاية) ) . انتهت مقدمة الاستاذ عادل .