ليست القراءة كالكتابة ؛ فالقراءة - بالنسبة لي - متعة و تشويق ، أما الكتابة - خاصة الأدبية - فهي فعل شاق من مبدئها الى منتهاها :
لا الج الى عالم الكتابة الا منفعلا ... و أكتب كأنني أنحت من الصخر : أتخير الكلمات ، ارتب الفقرات ، احذف و اضيف ، اقدم و اؤخر ... حتى اذا ما ظننت أن الفكرة قد اتضحت ، و أنها قد وضعت في قالبها المناسب ، أفرجت عن النص ، او أفرج النص عني .
أما النصوص التي لاترضيني ، او التي لا ارضيها: النصوص الناقصة ، او المشوهة ، فقد تصبح كابوسا يؤرقني ، او شبحا يطاردني ، و لا ينقذني من لعنة النص الناقص المشوه ، الا القراءة ؛ فالقراءة تصبح وقتها عملية بحث محمومة عن الافكار الهاربة ، و الاساليب المناسبة ، تصبح القراءة بحثا عنا ، عن كلماتنا و افكارنا التي لم نقلها ، عن أساليبنا التي لم نستخدمها ... باختصار : تصبح القراءة بحثا عن النتائج المجهولة لمعادلة تفاعل الذات مع الواقع ... عندها تنتقل القراءة من خانة المتعة الى خانة الضرورة ، و تعبر وقتها عن قلقنا و حيرتنا.
ان النصوص الجيدة مخلوقات تتشكل من انفعالاتنا و تفاعلاتنا ، فتخرج أحيانا جميلة رقراقة هادئة ، و أحيانا تخرج متوحشة نزقة متوترة . و تأبى أحيانا الخروج ، أو تخرج ناقصة مشوهة مشوشة ، فتعذبنا ، فنحاول تخليقها من جديد ، نغوص الى حيث جذورها ، نتحسس جسدها ، نتفقد روابطها ، نضعها تحت مجهر البحث و التدقيق ،و نحاول ثانية كتابتها ، حتى اذا استوت الفكرة على سوقها ، و استقامت في قالبها حررناها و حررتنا ... و الا طال ليلنا ، و ظلت أشباح النصوص تطاردنا ، و نطاردها ...