سورة الكهف،  سورةٌ عُنوانها بناءُ الأبطال. تتجلى فيها عظيم الحِكمة الإلهية، وهي دليل واضح على أن مُختلفَ مشاكل الحياة، حتمًا ستجد حلولها في القرآن. تُعلمنا سورة الكهف أن نعمل ولو في كهفٍ تزاور عنه الشمس، وأن لا نستحقر من العمل شيئً، ولا نربطه بزمانٍ أو مكان؛ وأن نصدع بالحق ولو عند صاحب جنتين، لأن الحق أحق أن يُنطق به وأن يُتبع؛ وأنك مهما بلغت قوتك لن تستطيع العمل وحدك، حيث قال ذي القرنين ولديه من القوة ما لديه"ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا"- سورة الكهف، الآية الخامسة والتسعون. 

(1) كرامةٌ مُوسى عليه السلام: في  آثر حسّنه جمع من المشايخ أذكر منهم الشيخ مُحمد عمرو بن عبداللطيف-رحمه الله- أوحى الله عزوجل إلى مُوسى قال له "يا مُوسى، أتدري لما إصطفيتك بين الناس برسالتي وبكلامي؟" فقال مُوسى" لماذا يارب"، قال تعالى "لأني يا مُوسى نظرتُ في قلوب العِباد فلمَ أجد قلبًا أشدُ توَاضُعًا ليّ منك". ومُوسى هو كُليّمُ الله، ونبيُهُ ومُجتباه، وسيّد من الأسياد، ورسول من أولي العزم، صبرَ فنالَ، وعمِل فبلغَ، ووثق في كرم الله وعطائِه فنجّاه. ومن أنا لأتحدث عن مُوسى عليه السلام.

(2) لا، لست أنت أعلمَ أهلِ الأرضِ يا مُوسى: ينزل مُوسى من على مِنبره، بعد خطبةٍ جاشت لها العواطف، وسالت لها الدموع، ورقّت لها القلوب وطاب لها المسمع. فيسأله أحد المُستمعين، "أهناك من هو أعلم منك على الأرض؟" فيقول مُوسى إتكاءًا على حُسن نيته، "لا" وكيف يكون هناك أعلم منه وهو النبي الوحيد في عصرهِ. ولكن الوحي يأتي مُوسى من السماء السابعةٍ أن يا موسى "لا، فهناك من هو أعلم منك". 

(3) نسيان الأنا والتركيز على الهدف: تخيّل، نبيٌ يقال له هناك من هو أعلم منك، لم يتذمر مُوسى ويشكو أو يعترض، ولكن هدفه الرباني كان مُوجِهًا له، وبتلقائية شديدة قال "دُلني عليه يارب، لأتعلم منه" وهكذا العُظماء، فنصف العظمة في التواضع لله عزوجل؛ وهي ما نال بها موسى ما نال، وحين يُرزق العبد التواضع، فاعلم أنه قد رُزق التوفيق والرِفعة على قدر التواضع. 

(4) لا أبرَحُ حتى أبلُغ: لن يشغلني غير الهدف، ولن تمنعني المفاوز أو تبهرني الشدائد، ولن ترهقني المفادح أو يوقفني اللغوب، وسأوطن النفس على العمل، ومهما ثقلت الُخطا وبعدت المسافات، وطال الطريق، وشح الزاد وإطمحل، وغابات الأدلة والعلامات، وضعف المشي، وإحتجبت الوجِهة، وإستكان الجسد، ووهن البدن وإشتد الإستلهاف. فالراحة كما يقول عمر "للرجال غفلةً". 

(5) لن تستطيع معيّ صبرًا: فالطريق ناءٍ وغائِر وشَطُون واعرٌ، وملئ بمشاعر النُزوح، يحمل بين طياته العوز والفاقة، ويُخبئ ما لا نتخيّل، ويُبدي الخِلاف. ورفيق الرحلة تجهله، غريبٌ مُبْهَم مُخالف وأفكاره مُغَايِر ة ومُلْغِزة. والصبر على ما تجهل أشد بأسًا وكَلاَلَة.

(6) وكيف تصبر على ما لم تُحط به خُبرا: "كيفَ تصبِرُ على المُضي قدُمًا في الطريق وأنت لا تدري وجهتك، وأنت لا تدري نهايته؟ كيف تصبرُ على من معك، وتثق فيهم، وترى في باطنهم الحكمة وإن كان ظاهرُهم كله عبث محض؟ كيف تصبر على قطع الأحجية التي تُلقى إليك وأنت في خضم التجربة، لا تعرف كيف تركبها وكيف تصنع منها صورةً كاملة لها معنى؟ " -عبدُالله ربيع.

-يُتبع....