في مقولة لا يوجد خير خالِ من الأنانية، بالنسبة لي أرى أن هذه المقولة صحيحة على الأقل في أغلب النواحي، وهذا الشيء الي يفسر إنحيازنا لفعل خير معين بدلا من إنحيازنا لفعل خير معين أخر، لكن مين الي يتجرد من هذه الأنانية أحيانا ويقدم المساعدة للغير من أجلهم، وليس من أجل خصائص معينة في نفسه، أو مبادئ، أو مواقف صادفته في حياته، جعلته يتبنى فئة معينة لينالهم نصيب وافر من خيره وعطائه، دون الفئات الأخرى حتى إن كان بإستطاعته عطائهم، مثلا الأم والأب إن فقدا أحد من أبنائهم فقدا أبديا بحادث سير مما يجعلهم يتعاطفون مع جميع الأسر التي فقدت أبنائها بحوادث السير فيقدمون لهم الدعم والمساندة من الناحية المعنوية أو المادية أو الإجتماعية ويبدأون بتقديم الدورات والندوات والسفر للقاء عائلات المتوفين بحوادث السير، كل ذلك من أعمال الخير الرائعة والجيدة، ولكن توجد أنانية في ذلك وهي محاولة مساعدة الذات بطريقة ما على التشافي من فقدها وألمها والإحساس بالمشاركة والإتحاد وأنها ليست لوحدها بل هناك الكثير من الأسر التي فقدت أبنائها في حوادث السير، هذا لا يعني عدم فعل مثل ذلك، ولكن مجرد تحليل وإستنتاج وتوضيح للصورة، وفي ذلك رد فعل بناء جيد، من أجل مساعدة أنفسهم ومساعدة من يمرون بنفس هذه المعاناة والتجربة، أليس من الجيد أن يقوم صاحب التجربة المريرة الماضية بالطبطبة والمساندة لمن يمر في الوقت الحاضر بتجربته المريرة السابقة، إن ذلك أشبه بمن يقدم طبق ساخن جاهز لتقصير المسافات والجهد وإيجاد وإيصال الحلول للأخرين بأسرع وقت ممكن، المشاركة في الألم يخفف الألم، الفقد بطريقة إيجابية بناءة بدلا من البكاء والأنين والتوقف، يعبر عن ألمه وفقده بطريقة أكثر إتزانا وأكثر وعيا، هل جرب أحد فقد والديه أن يذهب لدار رعاية كبار السن، محمل بالورود والهدايا، أن يرى في أعينهم شيئا من الماضي، وأن يجد في طيات ذلك المكان شيء من عبق قديم يذكره بوالديه، بتلك التجاعيد وتقاسيم اليدين وإنحنائة الظهر والعكاز المتين ذو الصوت الرنان لذكرى حبيب راحل، هل جرب من فقد والديه أن يسكب حزن فقده لحنان وعطف على كل كبير بالسن، أن يقترب منهم لتتبدد ألامه وشعوره بالفراق، ليتبدل ذلك بالأنس بهم ومحبتهم ومحاولة ملئ مكان فارغ هم يشبهونه، هل جرب من فقد طفله أن يرعى طفلا فاقد لأبويه لقصتين مختلفة كلاهما يحتاج الأخر ويكمل الأخر، توجد الكثير من القصص الحزينة المؤلمة نستطيع صياغتها بشكل أخر لتكون أكثر نفعا، بدلا من البكاء أن نصنع الإبتسامة والفرح وبدلا من الفقد أن نملأ تلك الأمكنة بإحتياجات الأخرين لتكتمل الصورة والقصة بشكل مبهج وسليم، ليمتلأ قلبك بالخير والعطف والحنان فتجمل قصتك وحياتك وتزين الدنيا بعطاء الخير والإكتمال، وليجد الأخر ما يحتضن إحتياجه لسد إحتياجك فتلقى ما يضمد على جراحك فتشفى بطريقة أكثر فرحا وأملا ومساندة، ولا بأس في أن تتجرد من المحسوبات الشخصية التي قد تعود لك بفائدة في فعل الخير، أن تنوي ما عند الله أولا ودائما في مختلف أنواع الخير، وأن تقدم المساعدة لكافة من يحتاجها ما دمت تستطيع تقديمها، لا يهم ما قد تكسبه المهم في بعض الأحيان ما قد يكسبه صاحب من مدت يدك إليه بالخير والعطاء بغض النظر عن أي مردودات أخرى، ذلك الخير النابع من نفس معطائه لا تود بعد ذلك سوى ما عند الله، وما عند الله خير وعطاء مرضي.