آ
آيدن

مستقل جدًا في الفروع ، منحاز جدًا إلى الأصول ! صفحتي على الفيس : https://t.co/DqvtdACREM

مدة القراءة: 4 دقائق

المذنب البطل !

 لعل المجتمع السعودي كله قد تابع - وأنا مثلهم - قصة الطفلة ريهام الحكمي ، وهي المريضة التي نُقل إليها دم ملوث بالإيدز إلى حين إعلان عدم إصابتها بالمرض - ولله الحمد والمنة - .

لعل أكثرنا ينظر بعين ازدراء ونقمة تجاه ذلك الشاب الذي قد ضخ في وريد هذه الطفلة - دون قصد - تلك الفايروسات الخطيرة ، ولكن - والحق يُقال - بأن ذلك الشاب كان له وجه آخر وضاء ، يستحق النظر إليه ، والتأمل فيه .

بدءاً ودرءاً ، فإن الخطأ لا يُنكر ، ويستحق ذلك الشاب - إن كان المسئول الأول عنه - توبيخاً مهنياً ، وتحويلاً إدارياً لقسم آخر هو بعيد عن الدم ومشتقاته أو مباشرة الحالات المرضية ومواجهتها ( عمل إداري مثلاً ) .

ولكن خطأ هذا الشاب يُقابله تصرف آخر له كان هو - بعد الله - سبب نجاة الطفلة رهام حكمي من هذا المرض المخيف .

قبل أن نقول ماذا فعل هذا الشاب ؟ فإنه يجدر بنا أن نتثقف طبياً عن هذا المرض :

في مجال الأمراض المعدية وتحديداً مرض الايدز فإن هناك دواء يُسمى " العلاج الوقائي " وهو علاج يُستخدم فور الاشتباه بالإصابة بمرض الايدز ، وفي حال أنه استخدم في ظرف 72 ساعة من الاشتباه فإنه - بإذن الله - يحمي من الإصابة حتى ولو دخل الفايروس للجسم .

أما كيفية حمايته ، فتكمن في منع الفايروس من الالتصاق بخلايا الشخص ومن ثم تكاثرها .

كان هذا الشاب يستطيع أن يصمت ، وأن يترك الطفلة تلاقي مصيرها المجهول ، خاصة أنها كانت مريضة بمرض آخر يستلزم معه نقل الدم بشكل دوري إلى جسمها ، وبهذا يضيع الفايروس بين القبائل التي كررت لها نقل الدم ... وحتى لو قلنا بأنه من الممكن الاستدلال على هذا الفني ، فإن إجراءه السريع وقراره الأسرع - دون تفكير بالعواقب - يمنحنا نظرة إنصاف له !

فماذا فعل هذا الشاب ؟

لما عادت الطفلة إلى منزل أهلها اكتشف فني المختبر خطأه القاتل ، وعلى الفور اتصل بإدارة المستشفى وسلمهم نفسه ومصيبته ، ثم كان الاتصال بالدكتور محمد الحازمي ( البطل الثاني في قصة ريهام والذي اتخذ أخطر قرار في حياته المهنية ) والذي بدوره حضر من فوره إلى المستشفى !

كل دقيقة تعني سنوات من المصير ، والجوال لوالدها مقفل ، فكان القرار الحازم ، وهو توجه سيارة إسعاف إلى منزل والدها ، وانتزاع هذه الطفلة منه مهما كلّف الأمر !

هنا أنتقل لبطولة الدكتور محمد الحازمي ، والذي كان أمام حالة هي الأولى في تاريخ العالم الطبي ، والمتمثلة بنقل وحدة دم كاملة ملوثة بالايدز !

يقول الطبيب - بتصرف - لما وصلني الخبر دمعت عيناي أمام زوجتي ، وعلمت أني أمام قرار تأريخي ، لا يقبل إلا المغامرة ، ولا شيء إلا المغامرة !

الطفلة مريضة بالأنيميا المنجلية ، وهذا يعني بأن رفع سقف الدواء الوقائي سيكون على حذر ، وأيضاً المريض الذي نُقل منه الدم هو شخص غير معروف ، وهذا يعني بأني لا أعرف كم نسبة الفايروس في دمه ، ولا أدري هل إصابته حديثة أم قديمة ( هذا الأمر يتوقف عليه أشياء كثيرة ) !

المستشفى لا يوجد فيه انترنت للتواصل مع الهيئات الطبية العالمية ، وأحد الخبراء الأستراليين الذين أعرفهم من خلال المؤتمرات الطبية يقف فارق التوقيت بيننا عائقاً في التواصل ، فالساعة الآن عندهم في أستراليا تؤكد أنه لن يرد على اتصالي !

إنه قضاء الله وقدره أن أتحمل المسئولية الشرعية والقانونية والإنسانية أمام روح هذه الطفلة البريئة ، ولذا وصلت المستشفى وقد كان معي كل المسئولين ومعها اتصالات مباشرة من الوزير ، وكذلك منحي وتحميلي مسئولية الإشراف العلاجي ، والأمر كله بيد الله تعالى !

وضعت أمام طاولتي كميات متنوعة من العلاج الوقائي ، ومعها صعوبة اختيار العلاج المناسب ، لأن الطفلة مصابة بالأنيميا المنجلية ، استخرت الله تعالى ، وقررت الخطة العلاجية ، ووقعت عليها !

دقائق وتصل الطفلة بسيارة إسعاف ومعها أهلها في ذهول مما يرونه ، وتصحبهم كذلك ريبة من هذا الجمع الطبي والإداري الكبير ، ولكن لا بد مما ليس منه بد ، وأن هذا هو الخيار الوحيد أمامي ، ولا شيء سواه !

بدأت مرحلة العلاج الوقائي ، ومعها نوبة غضب كبيرة من أهلها - ومن ذا يلومهم ؟! - وكذلك تحاليل مستمرة لدمها !

هنا وقفة تدل على فطنة الدكتور محمد الحازمي ، وهي أن التحاليل المبدئية تثبت الإصابة ، ولكنه كان يرفض ، ويقول : نحن نحلل دماً مختلطاً بدم ملوث ، وسأستمر بالعلاج الوقائي لمنع التصاق الفايروس بالخلية أو الحمض النووي للطفلة !

كان الخط ساخناً مع مستشفى الملك فيصل التخصصي في الرياض ، والذين بدورهم قد أكدوا بأن ما يفعله الدكتور الحازمي في جيزان صحيح ، وأنه لا حل آخر سواه أصلاً ! وليس لنا إلا الدعاء له بأن يوفقه الله في مهمته الفريدة عبر التاريخ الطبي كله !

أنهى الطبيب الحازمي مهمته ، وحضرت طائرة من الرياض لنقل الطفلة إلى مستشفى الملك فيصل التخصصي ، ومعها بعد ستة أشهر يُعلن عن براءتها التامة من الايدز - بحمد الله تعالى أولاً ثم بشجاعة الفني ، ومهنية الطبيب الحازمي - ، وقد قرأت بأن هذه التجربة ستفتح آفاقاً طبية ، إذ إنها قد حدثت خطأ ، لكنها قد أعقبت صواباً .

( ملاحظة : لا أقلل أبداً من الخطأ الفادح الذي ارتكبه ذلك الفني ، ولكن قصته كما يقال عن القمر : وجه مضيء ، وآخر مظلم ) .

آيدن .

آ
آيدن

مستقل جدًا في الفروع ، منحاز جدًا إلى الأصول ! صفحتي على الفيس : https://t.co/DqvtdACREM

أهلاً بكم في مدونتي! أنا كاتب شغوف أشارككم أفكاري وتجربتي في الحياة من خلال تدوينات أسبوعية. أستكشف فيها التوازن بين القيم والمغريات التي نواجهها يومياً، وكيف يمكننا أن نعيش حياة مليئة بالمعنى والعمق. انضموا إلي في هذه الرحلة الأدبية!

انضم الى اكتب

منصة تدوين عربية تعتد مبدأ البساطة في التصميم و التدوين

التعليقات