آ
آيدن

مستقل جدًا في الفروع ، منحاز جدًا إلى الأصول ! صفحتي على الفيس : https://t.co/DqvtdACREM

مدة القراءة: 4 دقائق

الفرج بعد الشدة ( قصة واقعية معاصرة ) .

فلان الـ ( ... ) حدّث أبي قائلاً :
قبل نحو أربعين سنة ؛ كان أن نزل في مدينتنا الصغيرة شيخ قبيلتنا القادم من إحدى قرى حائل ، فابتدره عندئذ أفراد القبيلة سلاماً وولائم إلا أنا ؛ إذ إن نزوله قد وافق عسرة يدٍ شديدة تحيط بي ، فصرت بين أمرين أحلاهما مر ؛ إما أن أحضر تلكم الولائم وأنا لا أدعوه - وهي منقصة ومسبة لو فعلتها - وإما أن أتوارى عن فعل الواجب - وهذه مثل صاحبتها أو هي أظلم فعالاً - !
أغلقت على نفسي باب بيتي ، ومن جاء يدعوني من فصيلتي فإني كنت أرسل أفراخي الضعفاء ليقولوا لهم : " والدنا مريض ، ولا يستطيع حضور الولائم ، فأخبروا الشيخ منه تحيته وسلامه " !
مكثتُ أياماً عدة أتوارى من القوم من سوء حالي ومجدبة يدي ، ولكنها أقدار الله نرضى بها ، ونسأل الله الأجر عليها .
بعد أيام عدة تيقنت في نفسي أن شيخ قبيلتنا قد غادر قريتنا ، إذ هدأ بابي من طرق أحبابي ، وهو – أي شيخ قبيلتنا – ليس من عادته أن يبقى أكثر من أسبوع في ضيافتنا ؛ فخرجت عندئذ من منزلي أبتغي الحرية بعد ذلكم السجن الاضطراري ، وما أن خطوت خطوات متجهاً نحو سيارتي إلا وشيخ قبيلتنا معه لفيف من أبناء العمومة قد أقبلوا نحوي ، فابتدرتهم مُسّلماً ومُرحباً ، ثم دعوتهم إلى المنزل – ولا شيء في المنزل سوى أطفالي البؤساء وزوجتي الكسيفة - ، فقال شيخ قبيلتنا : نعم ، فقد جئنا لعيادتك لما سمعنا بمرضك !
الوقت ضحى ، وأنا أمامهم الآن سليم قد تعافيت ، ولا مناص عن الغداء عندي ، فأدخلتهم المجلس ، وقلت لهم : غداؤكم عندي ، وهيهات أن تفلتوا من يدي ، فتعذروا قليلاً ، فألححت كثيراً ، فوافقوا ، ثم قالوا : سنذهب لبعض أمورنا ، وموعدنا عندك بعد صلاة الظهر !
خرجوا ، ثم مكثت وحدي في مجلسي؛ لا أدري أيهما يغلبني أكثر : الفقر أم الحياء !

قذفت بأحزاني خلف ظهري ؛ فلا وقت للتفكير بشيء سوى كبش سمين يحفظ دهنه ماء وجهي !

ركبت سيارتي هائمًا بلا وجهة ، فلا ريال في جيبي أملكه ، ولا شياه عندي أروغ إليها فآتي بهذا الكبش السمين !
على أية حال؛ مضيت في سيارتي أجوب طرقات مدينتي الصغيرة ، أتنزّل الإلهام ، وأتطلب الحلول ، حتى هداني خاطري إلى اسم قريبٍ لي كان صاحب مال ، فعمدت لحظتئذٍ نحوه ، ثم طرقت بابه ، وأخبرته بأمري وشأني ، فقال : لا شيء عندي أقدمه لك !
تنهدت ، ثم خرجت إلى سيارتي مرة أخرى ، الوقت يمر ، والرجال في طريقهم إلي بعد الظهر ، واليد عسراء ، والعرق يتصبب من جبيني ، ووجهي قد انكمش كأنما صار خرقة سوداء ؛ فيارب فرجك ولطفك ورحمتك !

مضيت بسيارتي ، أقبض مقودها بيد ، وأنتف لحيتي بيد ، تدور عيناي كما المغشي عليه من الموت ، وقد يبس ريقي ، وازداد نفسي ، وبردت أطرافي ، فنزل في روعي حينئذ دون مقدمات تسبقها اسم جارنا " سعود الشمري " ، وهو رجل كريم ، وله في الشياه بيع وشراء ، فذهبت إليه فوراً ، وطرقت بابه وقد اشتد الضحى ؛ فخرج إليّ ، فحيّا ورحّب ، وهشّ وبش ، وأنا ساعتئذ عنه مشغول ، قد ضاقت علي الأرض بما رحبت ، ولا أرتجي من هذه الدنيا إلا سُلفة أو ديناً يسترني عند قومي ، ويحفظ لي ماء وجهي ، ولا يعيّر بعده أبنائي بي !
أدخلني سعود إلى المجلس ، وقدم لي القهوة والشاي – وأين أنا وذلك ؟! - ، ثم خرج من عندي لا أدري أين هو ذاهب ، فلا أنا حدثته بأمري ، ولا هو قد سألني عن سبب زيارتي هذا الوقت ، فجلست في مجلسه صامتاً أهيئ الحديث مقدمةً لسلفةٍ من مال أو حياةٍ من كبش !
وفيما أنا غارق في لجج الهم ، وصُنع الكلام ، إذا بي أسمعه خارج المنزل يقول بصوت جهوري كان يبتلعه لئلا أسمعه : " شيلي يا مال الغنيمة " !
يقول مكثت قليلاً ثم خرجت إليه ، فإذا به يربط كبشاً سميناً في حوض سيارتي ، وزوجته حول السيارة بعد أن ساعدته على حمل هذا الكبش ودفعه إلى حوضها ، فتقدمت نحوه مُتعززاً : " ما هذا يا سعود " ؟! فقال – وهو الذي قد حسّ حاجتي وشعر بحرجي – : " قد رزقنا الله بولد قبل مدة ، وهذه عقيقة نهديها لك ، والأخرى لنا " !
خرجت من عنده بسيارتي ، وعيناي نضاختان بالدمع ، شكراً لله الرحيم أولاً ، وشكراً – بعد ذلك – لجاري الوفي الكريم !
وصلت منزلي وقد تنفست الصعداء ، فذبحت ذبيحة أضيافي ، وأمرت زوجتي أن تجهز لهم الغداء ، فوصلوا بعد الظهر ، وتناولوا كرامتهم ، وأما أنا فكنت أبتلع ريقي قائلاً لنفسي وللكون : " لا أنساها لسعود " !

آيدن .

آ

آيدن

مستقل جدًا في الفروع ، منحاز جدًا إلى الأصول ! صفحتي على الفيس : https://t.co/DqvtdACREM

أهلاً بكم في مدونتي! أنا كاتب شغوف أشارككم أفكاري وتجربتي في الحياة من خلال تدوينات أسبوعية. أستكشف فيها التوازن بين القيم والمغريات التي نواجهها يومياً، وكيف يمكننا أن نعيش حياة مليئة بالمعنى والعمق. انضموا إلي في هذه الرحلة الأدبية!

انضم الى اكتب

منصة تدوين عربية تعتد مبدأ البساطة في التصميم و التدوين

التعليقات