آ
آيدن

مستقل جدًا في الفروع ، منحاز جدًا إلى الأصول ! صفحتي على الفيس : https://t.co/DqvtdACREM

مدة القراءة: 4 دقائق

ولادة بنت المستكفي : حقيقة أم أسطورة ؟! ( 5 – 7 )


أدبها وأشعارها :

شهد لولاّدة بالإجادة الأدبية الكثيرُ من الأدباء والمؤرخين ؛ ومن ذلك ما قاله ابن بشكوال يصفها :  " كانت أديبة شاعرة ، جزلة القول ، حسنة الشعر ، وكانت تناضل الشعراء ، وتُساجل الأدباء ، وتفوق البرعاء ... " ا.هـ

ومُطابقة عنه وموافقة قد قال عنها الضَّبي : " أديبة شاعرة جزلة القول ، مطبوعة الشعر ، تُمالطُ الشعراء ، وتُساجل الأدباء ، وتفوق البرعاء " .

ومع هذا ؛ فإنّ كتب الأدب لم تحفظ لنا كثيرَ أشعارٍ لولاّدة ( سبعةٌ وعشرون بيتاً من خلال إحدى عشرة مقطوعة ) وهو الأمر الذي قد يحتمل معه عدة فرضيات ؛ منها على سبيل المثال :

•    أن تكون ولاّدة متذوقةً للأدب والشعر أكثر منها صِناعةً لهما .

•     أو أنّ قصائدها قد فُقدت من جملة ما قد ضاع من التراث  الأدبي – خصوصاً أنّ النصارى الإسبان قد جمعوا كتب المسلمين وأحرقوها بعد احتلالهم للأندلس .

•     أو لعله يرجع لعدم ثقتها بشاعريتها ؛ فآثرت لأجله أن تحتفظ بأكثر نظمها وألا تنشره أمام الآخرين .

•     أو أنّ مساجلاتها الأدبية في منتداها الأدبي : قد صرفتها وأشغلتها عن تحسس وصقل ملكة الشعر لديها .

على أية حال ؛ فإنّ الذي وصلنا من شعر ولاّدة يتراوح في مواضيعه : بين الغزل المرهف الرقيق ، والعتاب المُر الساخن ، والهجاء المقذع الفاحش .

ولعلّ من أشهر أبياتها التي قد ذاعت وانتشرت : هما البيتان الشهيران اللذان يقال بأنّها قد كتبتهما مُذهبين على ثوبها ، وهما :

أنا والله أصلح للمعالي = وأمشي مشيتي وأتيهُ تيها

وكتبت على الآخر :

وأُمَكنُ عاشقي من صحن خدي = وأُعطي قُبلتي من يشتهيها

وهما بيتان سيكون لنا معهما وقفة : نستبين من خلالها ونستوضح ونستأنس : بأقوال النقدة عنهما وعن صحة نسبتهما .

كذلك ؛ فإنّ من أقوالها الغزلية هو ما قد أرسلته إلى ابن زيدون تستحثُه وتُنشِطُه لزيارتها :

تـرقّــب إذا جـنّ الظـلامُ زيــارتـي = فـإنـي رأيـــتُ الليـــل أكتـــمَ للســـرِّ

وبي منكَ ما لو كان بالبدر ما بدا = وبالليل ما أدجى وبالنجم لم يَسْرِ

ومن وجدانياتها أيضاً ؛ قولها متشوقة ومترققة :

ألا هـــل لنـــا مـن بعــد هـذا التــفــرق = سبيــل ؛ فيشكـو كـل صب بما لقـي

وقد كنت أوقات التزاور في الشتا = أبيت على جمر من الشوق محرقِ

فكيف وقد أمسيت في حال قطعة = لقد عجل المقدار ما كنت أتقــي

تمــر الليــالي لا أرى البيــن ينقضــي = ولا الصبر من رق التشوق معتقي

سقى الله أرضاً قد غدت لك منزلاً = بكل سكوب هاطل الوبل مغدق

أمّا عن أبياتها في الغيرة وحمئة صدر الأنثى ؛ فيُروى أنّها قد غضبت مرةً من ابنَ زيدون لما رأته قد مالَ لجاريتها المُسماة " عتبة " فقالت :

لو كُنتَ تُنصِفُ في الهوى ما بيننا = لمْ تهوَ جاريتي ولم تتخيَّرِ

وتركـتَ غُصـنــاً مُثمـراً بجَمــالِـــهِ = وجَنَحتَ للغُصنِ الذي لم يُثمرِ

ولقد علمــتَ بأنّنــي بَــدرُ السمــا = لكنْ دُهيتُ لشَقْوتي بالمُشتري

وأمّا عن هجائها ؛ فإنّه مُقذعٌ فاحشٌ سليطٌ قد أحجم بعض الرواة : عن إدراجه أو تسطيره .

وقد قالت منه بابن زيدون – لما تعكر صفوهما - بيتين قد جمعت له فيهما خِـلالَ الشر كلها ... غير أنّ الجبينَ يقطُرُ حياءً ، ويجبنُ حِشْمةً عن كتابتهما أو عرضهما !

وكذلك فقد أقذعت الهجاء المرير لرجل يُدعى " الأصبحي " ومزّقت عرضه وعرض ابنه : تمزيقاً لا ينفع له رقع ( نتذمم عن إيرادهما أيضاً ) !

ويبدو لي بأن سبب هذا التباين السريع في الشعر عند ولاّدة ، وانتقاله اللفظي والشعوري : من حلاوة الغزل ولطافته إلى مُـرّ الهجاء وشناعته : إنّما هو يرجع لظروف ولاّدة الاجتماعية وتاريخها الأسري !

فهي – عند النظر - سليلةُ بيتٍ ملكيٍ عريق : قد سيطت في عروقها ونياطها دماء العظماء ، وجينات الكبراء ، ثم بعد هذا تقلبت بها الأحوال ، وهبطت بها الأجواء : إلى أن تنزل : فتسترد مكانتها العلية ، وتُرضي أصولها الأرستقراطية : من حفنة أدباء وشعراء ووزراء ؛ ثم هي بعد ذلك لا تلبث إذا ما قد تعرضت لشيء من امتهان : أن تتذكر فوراً : من هي ومن تكون ؟! فتقلب حينها ظهر المجن ، وتَظهرُ عندئذٍ منها " نعرة " الملوك وأنفتهم وافتراسهم وقسوتهم !

وعوداً على بدء ؛ فإنّ مَلَكةَ ولاّدة الأدبية لم تتحصّل عليها من كونها شاعرة ومتذوقة فقط ؛ بل إنّ كتب الأدب تروي أنّها كانت على درجةٍ حسناء في النقد الأدبي .

ومما قد روته كتب التراث عن ملكة النقد الأدبي لدى ولاّدة ، بأنّها قد طلبت مرةً من ابن زيدون أن ينظم قصيدة في أبي عبد الله البطليوسي ويداعبه بها ، فأرسل لها ابن زيدون قصيدة تزيد عن عشرين بيتاً ، كان منها قوله :

فإنّ قُصارك الدهليز = حين سواكَ في المضجع

فاستدركت عليه ولاّدة ؛ وقالت : يحسنُ أن تقول :

فإنّ قُصارك الإسطبل = حين سواك في المضجع

ولهاته الصفات والمواهب ؛ فإنّه ما من غرابة أن نجد كل هذه الفتنة الأدبية بولاّدة من القدماء والمحدثين ، وقد جمع ابن خاقان بعض صفاتها الأدبية في قوله : " وكانت من الأدب والظرف ، وتنعيم السمع والطرف ، بحيث تختلس القلوب والألباب ، وتُعيدُ الشُّيَّبَ إلى أخلاق الشباب " ا .هـ

ويرى بعض الباحثين بأنّ مردّ هذه النجابة إنّما يرجع لأسباب وراثية بعيدة عن أبيها خامل الذكر ؛ " فليس من الضروري أن يرث الابن صفات أبويه ، بل قد يرث صفات أجداده الأبعدين ، ومما لا شكّ فيه ، أنّ أجداد ولاّدة كانوا من أفذاذ الرجال ، على أنّ للزواج المختلط أثره في نجابة البنين ، وكانت أمها أجنبية ، وجدّتها لأبيها أجنبيّة ، فلا عجب إذا جاءت ولاّدة نادرة زمانها ظرفاً وحُسناً وأدباً " ( 1 ) ا .هـ

آيـدن .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع :

1 - نساء من الأندلس – أحمد خليل جمعة .

آ
آيدن

مستقل جدًا في الفروع ، منحاز جدًا إلى الأصول ! صفحتي على الفيس : https://t.co/DqvtdACREM

أهلاً بكم في مدونتي! أنا كاتب شغوف أشارككم أفكاري وتجربتي في الحياة من خلال تدوينات أسبوعية. أستكشف فيها التوازن بين القيم والمغريات التي نواجهها يومياً، وكيف يمكننا أن نعيش حياة مليئة بالمعنى والعمق. انضموا إلي في هذه الرحلة الأدبية!

انضم الى اكتب

منصة تدوين عربية تعتد مبدأ البساطة في التصميم و التدوين

التعليقات