أدبها وأشعارها :

شهد لولاّدة بالإجادة الأدبية الكثيرُ من الأدباء والمؤرخين ؛ ومن ذلك ما قاله ابن بشكوال يصفها :  " كانت أديبة شاعرة ، جزلة القول ، حسنة الشعر ، وكانت تناضل الشعراء ، وتُساجل الأدباء ، وتفوق البرعاء ... " ا.هـ

ومُطابقة عنه وموافقة قد قال عنها الضَّبي : " أديبة شاعرة جزلة القول ، مطبوعة الشعر ، تُمالطُ الشعراء ، وتُساجل الأدباء ، وتفوق البرعاء " .

ومع هذا ؛ فإنّ كتب الأدب لم تحفظ لنا كثيرَ أشعارٍ لولاّدة ( سبعةٌ وعشرون بيتاً من خلال إحدى عشرة مقطوعة ) وهو الأمر الذي قد يحتمل معه عدة فرضيات ؛ منها على سبيل المثال :

•    أن تكون ولاّدة متذوقةً للأدب والشعر أكثر منها صِناعةً لهما .

•     أو أنّ قصائدها قد فُقدت من جملة ما قد ضاع من التراث  الأدبي – خصوصاً أنّ النصارى الإسبان قد جمعوا كتب المسلمين وأحرقوها بعد احتلالهم للأندلس .

•     أو لعله يرجع لعدم ثقتها بشاعريتها ؛ فآثرت لأجله أن تحتفظ بأكثر نظمها وألا تنشره أمام الآخرين .

•     أو أنّ مساجلاتها الأدبية في منتداها الأدبي : قد صرفتها وأشغلتها عن تحسس وصقل ملكة الشعر لديها .

على أية حال ؛ فإنّ الذي وصلنا من شعر ولاّدة يتراوح في مواضيعه : بين الغزل المرهف الرقيق ، والعتاب المُر الساخن ، والهجاء المقذع الفاحش .

ولعلّ من أشهر أبياتها التي قد ذاعت وانتشرت : هما البيتان الشهيران اللذان يقال بأنّها قد كتبتهما مُذهبين على ثوبها ، وهما :

أنا والله أصلح للمعالي = وأمشي مشيتي وأتيهُ تيها

وكتبت على الآخر :

وأُمَكنُ عاشقي من صحن خدي = وأُعطي قُبلتي من يشتهيها

وهما بيتان سيكون لنا معهما وقفة : نستبين من خلالها ونستوضح ونستأنس : بأقوال النقدة عنهما وعن صحة نسبتهما .

كذلك ؛ فإنّ من أقوالها الغزلية هو ما قد أرسلته إلى ابن زيدون تستحثُه وتُنشِطُه لزيارتها :

تـرقّــب إذا جـنّ الظـلامُ زيــارتـي = فـإنـي رأيـــتُ الليـــل أكتـــمَ للســـرِّ

وبي منكَ ما لو كان بالبدر ما بدا = وبالليل ما أدجى وبالنجم لم يَسْرِ

ومن وجدانياتها أيضاً ؛ قولها متشوقة ومترققة :

ألا هـــل لنـــا مـن بعــد هـذا التــفــرق = سبيــل ؛ فيشكـو كـل صب بما لقـي

وقد كنت أوقات التزاور في الشتا = أبيت على جمر من الشوق محرقِ

فكيف وقد أمسيت في حال قطعة = لقد عجل المقدار ما كنت أتقــي

تمــر الليــالي لا أرى البيــن ينقضــي = ولا الصبر من رق التشوق معتقي

سقى الله أرضاً قد غدت لك منزلاً = بكل سكوب هاطل الوبل مغدق

أمّا عن أبياتها في الغيرة وحمئة صدر الأنثى ؛ فيُروى أنّها قد غضبت مرةً من ابنَ زيدون لما رأته قد مالَ لجاريتها المُسماة " عتبة " فقالت :

لو كُنتَ تُنصِفُ في الهوى ما بيننا = لمْ تهوَ جاريتي ولم تتخيَّرِ

وتركـتَ غُصـنــاً مُثمـراً بجَمــالِـــهِ = وجَنَحتَ للغُصنِ الذي لم يُثمرِ

ولقد علمــتَ بأنّنــي بَــدرُ السمــا = لكنْ دُهيتُ لشَقْوتي بالمُشتري

وأمّا عن هجائها ؛ فإنّه مُقذعٌ فاحشٌ سليطٌ قد أحجم بعض الرواة : عن إدراجه أو تسطيره .

وقد قالت منه بابن زيدون – لما تعكر صفوهما - بيتين قد جمعت له فيهما خِـلالَ الشر كلها ... غير أنّ الجبينَ يقطُرُ حياءً ، ويجبنُ حِشْمةً عن كتابتهما أو عرضهما !

وكذلك فقد أقذعت الهجاء المرير لرجل يُدعى " الأصبحي " ومزّقت عرضه وعرض ابنه : تمزيقاً لا ينفع له رقع ( نتذمم عن إيرادهما أيضاً ) !

ويبدو لي بأن سبب هذا التباين السريع في الشعر عند ولاّدة ، وانتقاله اللفظي والشعوري : من حلاوة الغزل ولطافته إلى مُـرّ الهجاء وشناعته : إنّما هو يرجع لظروف ولاّدة الاجتماعية وتاريخها الأسري !

فهي – عند النظر - سليلةُ بيتٍ ملكيٍ عريق : قد سيطت في عروقها ونياطها دماء العظماء ، وجينات الكبراء ، ثم بعد هذا تقلبت بها الأحوال ، وهبطت بها الأجواء : إلى أن تنزل : فتسترد مكانتها العلية ، وتُرضي أصولها الأرستقراطية : من حفنة أدباء وشعراء ووزراء ؛ ثم هي بعد ذلك لا تلبث إذا ما قد تعرضت لشيء من امتهان : أن تتذكر فوراً : من هي ومن تكون ؟! فتقلب حينها ظهر المجن ، وتَظهرُ عندئذٍ منها " نعرة " الملوك وأنفتهم وافتراسهم وقسوتهم !

وعوداً على بدء ؛ فإنّ مَلَكةَ ولاّدة الأدبية لم تتحصّل عليها من كونها شاعرة ومتذوقة فقط ؛ بل إنّ كتب الأدب تروي أنّها كانت على درجةٍ حسناء في النقد الأدبي .

ومما قد روته كتب التراث عن ملكة النقد الأدبي لدى ولاّدة ، بأنّها قد طلبت مرةً من ابن زيدون أن ينظم قصيدة في أبي عبد الله البطليوسي ويداعبه بها ، فأرسل لها ابن زيدون قصيدة تزيد عن عشرين بيتاً ، كان منها قوله :

فإنّ قُصارك الدهليز = حين سواكَ في المضجع

فاستدركت عليه ولاّدة ؛ وقالت : يحسنُ أن تقول :

فإنّ قُصارك الإسطبل = حين سواك في المضجع

ولهاته الصفات والمواهب ؛ فإنّه ما من غرابة أن نجد كل هذه الفتنة الأدبية بولاّدة من القدماء والمحدثين ، وقد جمع ابن خاقان بعض صفاتها الأدبية في قوله : " وكانت من الأدب والظرف ، وتنعيم السمع والطرف ، بحيث تختلس القلوب والألباب ، وتُعيدُ الشُّيَّبَ إلى أخلاق الشباب " ا .هـ

ويرى بعض الباحثين بأنّ مردّ هذه النجابة إنّما يرجع لأسباب وراثية بعيدة عن أبيها خامل الذكر ؛ " فليس من الضروري أن يرث الابن صفات أبويه ، بل قد يرث صفات أجداده الأبعدين ، ومما لا شكّ فيه ، أنّ أجداد ولاّدة كانوا من أفذاذ الرجال ، على أنّ للزواج المختلط أثره في نجابة البنين ، وكانت أمها أجنبية ، وجدّتها لأبيها أجنبيّة ، فلا عجب إذا جاءت ولاّدة نادرة زمانها ظرفاً وحُسناً وأدباً " ( 1 ) ا .هـ

آيـدن .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع :

1 - نساء من الأندلس – أحمد خليل جمعة .