تُعتبر شخصية الأميرة الأموية ، والشاعرة القرطبية" ولاّدة بنت المستكفي بالله " هي إحدى أظهر شخصيات التاريخ النسوي الأدبي في الأندلس وأشهرها .
فهي الشخصية التي قد اهتمّ لها ، وهامَ بها : جملةٌ من أهل الفنون ؛ فكتب عنها الأدباء ، والشعراء ، والمستشرقون ، وجنح بالخيال عنها المتأدبون - والطريف بالأمر أنّ عدداً من علماء النفس قد شاركوا من سبق ذكرهم : في تحليل شخصيتها ، وفهم نفسيتها ، ومعرفة دخائلها !
ولعلّ سبب هذا الصيت الأدبي ، والتوثيق التأريخي ، والاهتمامِ العالمي : إنّما يرجع لعوامل أدبية وأخرى موضوعية : قد جعلت من سيرة هذه الفتاة أسطورة في دنيا الجمال والشهرة والاستحسان ، ومن هذه الأسباب والمسببات ما يلي :
1. أنّها سليلة بيت ملكي عريق ، وجليسة تختٍ أرستقراطيٍ مكين ؛ فأبوها هو الخليفة * المستكفي بالله ، وأرومتها هم بنو أمية الكرام : الذين قد دان لهم طرفا الدنيا شرقاً وغربا .
2.ما اختصّها الله به – كما قد روى من ترجم لها – من صفات خَلقيةٍ وشكليةٍ قد امتازت بالحُسن والجمال والقبول والجاذبية . وأخرى مواهبية : تجلت في ذوق الأدب والحديث ، وحلاوة اللغة والمنطق ، وبديهة الشعر والحاضرة ، وخفّة الروح والمفاكهة ، ومن ثَمّ مخالطتها بكل هذه المزايا الفريدة : للرجال الممتازين شعراً أو وجاهة .
3. علائقها الوجدانية بعليّة أهل الأدب أو السياسة وعدم التصاون عنهم أو عن مجالستهم : مما قد عُدّ سابقةً أخلاقية ، وفريدة اجتماعية في تاريخ المحافظة الإسلامية وسمتها . وقد كان من أبرز هؤلاء الغاشين لمجلس ولاّدة : الوزير الشاعر الذي قد خلّدها بأغزالٍ ذائعة الصيت : " ابن زيدون " ، والوزير الوجيه الرفيع ابن عبدوس وغيرهم ممن قد قال في وصفهم ابن بسّام : " وكان مجلسها بقرطبة منتدىً لأحرار المصر ، وفناؤها ملعباً لجياد النظم والنثر ، يعشو أهل الأدب إلى ضوء غرتها ، ويتهالك أفراد الشعراء والكتّاب على حلاوة عشرتها ، إلى سهولة حُجّابها ، وكثرة منتابها ، تخلط ذلك بعلو نصاب ، وكرم أنساب ، وطهارة أثواب ... " ا . هـ.
4.البيئة الزمانية والمكانية ( الزمكانية ) التي قد احتضنت هذه الغادة وقصتها الرومانسية ؛ إذْ إنّ اسم الأندلس وحدائق قرطبة وجنائن الزهراء : مخلوطاً هذا بتاريخ المسلمين الجميل في تلكم البلاد : كله يحمل ويُرسل معه في النفس وفي الخاطر : بهجةً عند المتأدبة ونشوةً لدى المتذوقة ، فيصطنع منه في أرواحهم : عبقَ التاريخ ، ونسائمَ الربيع ، وشذا الحب ، ودنيا الخيال الشهي . ويكفيكَ من أرضِ أندلسٍ : أسماءُ مدنها : هياجاً وطرَباً ومتعة وتراقصا .
ولهذه الأمور السابقة : المجتمعة والمتناسقة ؛ فإنّ اسم هذه الأميرة الأندلسية قد صار خلاً خديناً ، ونَسَباً قريناً : بكل اسمٍ قد احتّك بها أو توصّل سببه إلى سببها ؛ فقيل عن والدها " والد الشاعرة ولاّدة " ، وقيل عن الوزير الشاعر ابن زيدون " صاحب ولاّدة " ، ودخل ابن عبدوس بسبب الاثنين معاً إلى التاريخ ، بالإضافة إلى الأديبة الشاعرة والمليحة الفاتكة " مهجة القرطبية " والتي يُقال حين التعريف بها " صاحبة ولاّدة " !

فمن هي ولاّدة التي قد أنِسَ بقصّتها وذابَ من ميعتها أدباء الشرق والغرب ؟ وما نصيب هذه الميعة وتلكم القصّة من الحقيقة والوجود ؟ بل ما هو أصل وجود صاحبتها من أساسه ؟!
نسبها : تُنسب ولاّدة إلى البيت الأموي في الأندلس ؛ فيُقال : ولاّدة بنت الخليفة المستكفي بالله : محمد بن عبدالرحمن بن عبيدالله بن الناصر لدين الله الأموي .
وعند الرجوع إلى تسلسل الإمارة الأموية في الأندلس : فإنّ أباها يكون هو الحاكم السادس عشر في تعاقب الأمويين على الحكم الأندلسي أو لنقل " في قرطبة " ، وقد وليَ هذا الرجل ستة عشر شهراً وأياماً : وهذا من موافقات الأرقام التي تجيء أحياناً في التاريخ !
وقد كان سبب تملكه : أنه ثار مع طائفةٍ من أراذل العوام على ابن عمه عبدالرحمن بن هشام ؛ فقتله ثم جلس على ملكه . وكان المستكفي – بحسب المؤرخين - من أحطِّ رجالات أهله خُلُقاً ومكانة : الأمر الذي قد سلّمه من الاعتقال حال الفتنة في قرطبة ؛ وذلك لحقارة أمره ، وتفاهة شخصه ! وقد وصل به الانحطاط والضعة أن شوهد بعد الفتنة وهو " يقصد أهل الفلاحة أوَانَ ضمهم لغلاّتهم : يسألهم من زكاتها تكليماً ومخاطبة " ( 2 ) .
ومن عجائب الموافقات – أيضاً - أن هذا الخليفة قد تسمى بـ " المستكفي بالله " فشابه في صفاته وحاله المستكفي بالله العباسي في العراق ؛ فقال أبو حيان عن هذه المشاكلة في الاسم والحال : " محمد بن عبدالرحمن الناصري ، بويع يوم قتل عبدالرحمن المستظهر ، يوم السبت لثلاث خلون من ذي القعدة سنة أربع عشرة وأربعمائة ، فتسمى بالمستكفي بالله ، اسماً ذُكر له فاختاره لنفسه ، وحكم به سوء الاتفاق عليه ؛ لمشاكلته لعبدالله المستكفي العباسي – أول من تسمى به – في أفنه ووهنه وتخلفه وضعفه ، بل كان زائداً عليه في ذلك ، مقصراً عن خلال ملوكية كانت في المستكفي سميه ، لم يُحسنها محمد هذا لفرط تخلفه ، على اشتباههما في سائر ذلك كله : من توثبهما في الفتنة ، واستظهارهما بالفسقة ، واعتداء كل واحد منهما على ابن عم ذي رحم ماسّة ، وتوسط كل واحد منهما في شأنه بامرأة خبيثة ؛ فلذلك حسناء الشيرازية ، ولهذا بنت سَكرى الموروية ، فأصبحا في ذلك على فرط التنائي عبرة " ( 3 ) ا.هـ
ويقول عنه المراكشي في " المُعجب " : " كان في غاية السخف ، وركاكة العقل ، وسوء التدبير ، وَزَرَ له رجلٌ حائك ، يُعرف بأحمد بن خالد ، هو كان المُدبر لأمره ، والمُدبر لدولته ، فقُلْ في دولةٍ يُديرها حائك " ا.هـ

وقد مضى تخلف السيادة به ، وخمول الذكر معه ، وضعف الحال عنده : إلى أن وافته وفاتُه ، وواتته منيتُه ، وجاءَه أجلُه ؛ إذْ يروي الحميدي أن موته قد كان على يد أحد مرافقيه الذي دهن له سماً بدجاجة فأكلها المستكفي : فمات من وقته وقُبر بموضعه ، وقد أضاف الحميدي بعدها قائلاً عنه : " وله في ذلك أخبار يقبح ذكرها ، وكان متغلباً عليه طول مدته ، لا يُنفذ له أمر .. "  ا . هـ

يـتـبـع غداً بمشيئة الله تعالى ..
آيـدن .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
•لا تصح خلافة رجلين في الإسلام ، إلاّ أنّ الأمويين في الأندلس كانوا قد استبدلوا لقب الإمارة بالخلافة عندما رأوا وهن الدولة العباسية في بغداد ، وتلَقُب العبيديين في مصر ( الفاطميون ) بلقب الخلافة .
المراجع :
1 – الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة - ابن بسام .
2 – المرجع السابق .
3 – جذوة المقتبس – الحميدي .