ليس هنالك أنواع للعهر أشد من العهر السياسي لساستنا،فهم من ركبوا كل التيارات والموجات وبحثوا عن التكسب بشتى أشكاله وأنواعه،ولم يدخل في قاموسهم كلمات ( عيب او شرف او نزاهة)...،

عندما خرج العراقيون فى مظاهرات ضد الفساد لمدة اشهر تحملوا فيها حر الصيف وبرد الشتاء قفز السياسيون فوق ظهورهم وركبو الموجةكالعادة ، ثم خرج العبادي ليقدم الظرف الابيض المغلق وانتظر الجميع لعشرة ايام لتخرج لنا نفس الوجوه الكالحة وتبشرنا بوثيقة العهر السياسي وللمرة الرابعة خلا ستة سنوات فالمرة الاولى وقع نفس الوجوه ماسموه وقتها ميثاق شرف لنزاهة الانتخابات في 2010 والثانية ميثاق شرف وطني لمرحلة ما بعد خروج القوات الأميركية والثالثة ميثاق شرف لحل الازمة السياسية واجراء اصلاحات في 2013 الذي في الحقيقة لم يحل الأزمة السياسية ولا قدم للعراقين خيرا الا انه وحد الكتل لاستفراد بالشعب وسرقة مقدراته، ونظراً لتلاقي المصالح والأهداف ..وخوفا على ان يسرق بعضهم حصص بعض خروجوا علينا بوثيقة العهر السياسي التي تضمن حصصهم وكراسيهم.



ان اي مراقب محايد يستطيع أن يشخص السلوك السياسي والنتائج المتوقعة من الوثيقة فلن يجد أفضل من كلمتي «وثيقة العهر». ولو حاول ذلك المراقب أن يبحث عن معنى العهر ذاته قبل السياسة فإن العهر في اللغة، تشير إلى مفهوم «لا يدُلّ على خير، وهي الفجور». ويربط صاحب «القاموس المحيط» بين «العهر «والبغي»، بمعنى الظلم، والكذب، فيقول «وبَغَى عليه يَبْغِي بَغْياً: وظَلَمَ، وعَدَلَ عن الحَقِّ، واسْتَطَالَ، وكذَبَ»، إذا باختصار يعني العهر السياسي الخروج عن المألوف، ومناقضة السلوك الصحيح السوي، سواء على المستوى الأخلاقي، أو على الصعيد السياسي، وهذا ما نشهده منذ سنين في الساحة السياسية العراقية . 

جميع الكتل بلا استثناء مصابة بهذا العهر السياسي القائم على مصالحهم الشخصية و اللامبالاة بما سيمسي عليه البلد من خراب، فلم تتردد في بيع العراق مقابل مكاسب آنية رخيصة، ناسية، أو متناسية عن عمد، أن نتائج هذا السلوك السياسي ستكون وخيمة على العراق ليس في واقعه القائم اليوم، فحسب، وإنما أيضا، في مستقبله القادم. ، فلا يمكن الخروج من هذا الوضع والأزمات التي تمر بها البلاد إذا لم يكن هناك اتفاق ونوايا صادقة في حل الخلافات فمجرد الكلام والمبادرات والمواثيق التي هي عبارة عن حبر على ورق ليس لها أدنى تأثير ايجابي بل ان هذه الأساليب تزيد من عمق الخلافات وتنزع الثقة من بين الأطراف وترسخ معنى الخداع والكذب على الآخرين ..


وفق كل ماسبق من مواثيق عهر سياسي ، فان الحل الوحيد لانقاذ العراق من محنته لن يات قطعا ‏على يد هؤلاء المفسدين، وانما ياتي عبر ‏مواصلة الانتفاضة بشكل يومي، والعمل على تطويرها الى ثورة شعبية واعتصام حقيقي يشلكل مرافق الحكومة كماحدث في مصر ، ‏ فهو الطريق ‏الوحيد لاسقاط هذه الحكومة وعمليتها السياسية دفعة واحدة،والاتيان ‏بحكومة وطنية وكفوءة ونزيهة وشجاعة، تعيد للعراق استقلاله وسيادته ‏الوطنية، وتسترجع حقوقه كاملة غير منقوصة.‏
‏ بمعنى اخر اكثر وضوحا، اذا لم يتم القضاء على السبب فلا امل في ‏القضاء على نتائجه، حيث التدهور الذي حصل في كل مرافق الحياة كان ‏سببه الطبقة السياسية وحكوماتها المتعاقبة، واذا لم يتم القضاء على هذا السبب، ‏فانه لا يمكن انهاء معاناة العراقيين في كل مجالات الحياة. واذا حدث ‏تغيير، فانه لن يتعدى بعض المسرحيات والتي هي اشبه ‏بالمخدرات التي تخدر الانسان وتصور له واقع مختلف وفي النهاية تقضي عليه. 

هذا ليس خطاب تحريض موجه ضد جهة دون اخرى كما قد يتخيل البعض، وانما هو منهج سارت عليه كل ‏الشعوب التي ارادت استرجاع حقوقها المهضومة،ومن ضمن هذا ‏المنهج، او في مقدمته، اللجوء الى الثورة السلمية والعصيان المدني ، ومن يفكر او يراهن على اي مشروع اصلاح او مواثيق شرف يصدر عن هؤلاء ‏السراق والحرامية، ليس سوى مراهنة ساذجة، بل حمقاء، تساهم في ‏استمرار سيل الدماء فلاشرف في زمن العهر السياسي .‏‎ ‎