آ
آيدن

مستقل جدًا في الفروع ، منحاز جدًا إلى الأصول ! صفحتي على الفيس : https://t.co/DqvtdACREM

مدة القراءة: 4 دقائق

الإعلامي الرزين !


لا أدري لماذا تتوارى الموهبة عند فُشوِّ أسبابها !!

فبالرغم من هذا الانفجار المعرفي الكبير الذي نعيشه اليوم ، والقادم إلينا بوسائل كثيرة : كالانترنت والقنوات الفضائية والصحف والمجلات والدوريات ومَعارض الكتاب السنوية ... إلاّ أنّنا بالكاد نجدُ من كل هذا : ثمرةً شهيّةً نزدردها بلذّة وتطعم ... سواءً جاء هذا التطعم من خلال الأذن أو العين أو الإحساس !

حين كنّا أطفالاً قبل عقدين من الزمان ، كان عدد المذيعين في التلفاز السعودي معدودين ومعروفين ومألوفين !

ومع هذا فقد خرّجت لنا تلكم الحقبة : وجوهاً وأصواتاً تحمل في دواخلها كثيرَ موهبة - مع ما عاصرتهُ من ضعف تقنية وقلّة إمكانية ؛ ولكنّها مع ذلك ، فقد استطاعت أن تحتل من الذاكرة مكانها ، وفي النفس احترامها ، ومن الشجن شيئاً وشُوَيّاً !

فمثلاً ؛ قد استطاع إبراهيم الراشد ( رحمه الله تعالى ) ومن خلال صوته فقط : أن يجذب الكثير إلى مُتابعة حلقات " المصارعة الحرّة " ؛ وذلك بفضل تعليقه الفريد ، والمثير ، والممتع ، والذي قد اختار له أن يكون باللغة " الفصحى " في استثناء عجيبٍ منهُ : أن تُعلق للرياضة بها ، وفوق هذا : أن تأسِرَ لها جمهوراً ، وتسحبَ منه متابعةً وشغفاً ( نتكلم هنا عن الموهبة وليس عن الحُكم الشرعي في أمر المصارعة الحرّة ) .

وفي الجانب الإذاعي الرسمي ؛ فقد كان هناك المذيع اللامع ذو القسمات الجادة والصوت النقي الجميل " ماجد الشبل " والذي يستحق - ولو من باب الوفاء لطفولتنا - أنْ أُفردَ لهُ عذبَ حديث :

وُلد ونشأ في دمشق من أبٍ نجدي وأمٍ شاميّة ؛ وقد وصفَ – أي ماجد - هذا التباعد الجغرافي والتقارب النسبي عنده بقوله :

نجدُ أبي ودمشق أمّي وكلاهما = شكّل شراييني وأوردتي

هاتان البيئتان المتباعدتان أفادتا " ماجداً " وإن تشاكستا فيه منذ صرخة الميلاد ؛ إذْ إنّ والده أسماه يوم وُلِد " محمداً " وأُمهُ أسمته " ماجداً " فكان الأول على الأوراق الرسميّة ، والثاني للمناداة والشهرة الإعلاميّة ... وسبب هذا هو أنّ " ماجداً " قد أبى إلاّ أن يُرضي أمّه ولو بعد حين .

ليس هذا هو التشاكس الوحيد الذي كان والداه قد أورثاه له ؛ فثمة أمر آخر مميز ، وهو أن لهجته الدارجة قد غدت – بفضلهما طبعاً - مزيجاً مختلطاً بين الشاميّة والسعودية !

ويبدو أنّ هذه المشاكسة اللطيفة بين الزوجين المتحابين - قد أبت إلاّ مصاحبتهما حتى عند الموت وتوديع هذه الحياة ؛ إذْ أنّ والده – بحسب قول ماجد – متعصبٌ لموطنه ؛ ومع ذلك فقد دُفنَ في دمشق - فيما أنّ أمه متعصبة لموطنها ؛ ولكنها قد دُفنت في الرياض !

على أية حال ؛ فقد ذهبا والداه إلى رحمة الله ؛ فيما قد بقيَ في الابن منهما شركاء متشاكسون ؛ يُستذكران بسببهم على الدوام : فالاسم نجدي ، واللكنة شاميّة !

ابتدأَ حياته الإعلاميّة مذيعاً في التلفاز السوري لمدة خمس سنوات ، ومعلوم أنّ اللغة في سوريا ذلك الحين كانت أقوى بمراحل عنها لدينا ؛ وهذا مما يدل على تمكنه اللغوي والإعلامي ؛ إذْ ليس من اليسير أن تُثبت وجودك وسط " عمالقة" الإعلام السوري ذلكم الحين ؛ لولا أنك في الوقت ذاته تتملك الموهبة الفذّة والصوت المغري ... إلاّ أن ماجداً – مع كل هذا - قد قرّر العودة إلى وطنه ؛ ليبدأ من جديد !

وقد استطاع في مرحلته الجديدة ، أن يودع لنفسه في أرشيف الصور النمطيّة لدى المجتمع : صورةً عنه تحمل كاريزما خاصة به ، وتحظى معها بالاحترام والحنين والتقدير !

فمن منّا لا يذكر المذيع الصارم في نشرات الأخبار الرسميّة !

وفي المقابل : من في مجلسنا لا يهزهُ الشوق إلى استماع الشعر الرقيق من صوت " ماجد " العذبِ النمير ؛ والذي بسببه وافق على الفور الموسيقار المصري " محمد عبدالوهاب " تسجيل لقاءٍ معه ؛ بالرغم من أنّه لم ير ماجداً ولم يُقابله ؛ وإنما اكتفى بسماع رنّة صوته الموسيقية خلال الهاتف ؛ فأعجبته !

فيما لازالت برامجه القديمة من مثل " أبجد هوز " و " أبناؤنا في الخارج " وبرنامج المسابقات " حروف " تُشكل عند المجتمع السعودي برُمته : ذكرياتٍ اصطلحوا على تسميتها بـ " الزمن الجميل " !

وفي المقابلة بين زمنين ؛ فإننا نجد الآن صوراً غير مثيرة للانتباه عند كثير من مقدمي البرامج في تلفزيوننا السعودي ؛ فإنّك إمّا أن تلقى مذيعاً يحمل ميعةً في حديثه أو لباسه ، أو تجد آخر يُقدم برامجَ فكريّة – فيما ثقافته منها صفر ، أو ثالث لا يهتم إلا بظهور صورته وانتشار معرفته !

ومع أني قد قلتُ بداية مقالتي هذه أني لا أدري عن السبب في غياب الموهبة عند فشو أسبابها ؛ إلاّ أني لا أُعدَمُ شبْهَ إجابة !

إنّ شبه الإجابة التي عندي تقول بأنّ : أيّ مجالٍ بدء أمرِه ؛ يجتذبُ له محبيه حقيقةً !

ولكن ؛ وبعد أن يستوي على سوقه ، وتروج بضاعته ؛ فإنّ المُتطفلين عليه يُسارعون لقطف ثمرته ( الشهرة والمال والعلاقات ) من خلال فرض وجودهم فيه بأي طريقةٍ كانت !

ولذا ؛ فكم أتمنى أن يُعاد النظر في آلية انتقاء المذيعين لتلفازنا السعودي الذي لا أُشاهده :)

بقيَ القول بأنّ الأستاذ القدير " ماجد الشبل " قد أصيب بجلطةٍ حرمته وحرمتنا من صوته الرخيم .

نسأل الله له الشفاء والعافية ، وإني لأحبُ هذا الرجل وإن كنتُ لا أعرفه شخصياً .

آيدن .

آ

آيدن

مستقل جدًا في الفروع ، منحاز جدًا إلى الأصول ! صفحتي على الفيس : https://t.co/DqvtdACREM

أهلاً بكم في مدونتي! أنا كاتب شغوف أشارككم أفكاري وتجربتي في الحياة من خلال تدوينات أسبوعية. أستكشف فيها التوازن بين القيم والمغريات التي نواجهها يومياً، وكيف يمكننا أن نعيش حياة مليئة بالمعنى والعمق. انضموا إلي في هذه الرحلة الأدبية!

انضم الى اكتب

منصة تدوين عربية تعتد مبدأ البساطة في التصميم و التدوين

التعليقات