بسم الله الرحمن الرحيم

أمي ... يا بـقـيـة الخـيـر .

أمي لو سألناك : ماذا تـتمنين في عـيدك ؟ لـقـلتِ : سلامَـتَـكم أُريد ، سعادَتَـكم أتمنى ... !

و كأنَّـكِ في ما مضى من أيامِ عمرك – مدَّ الله في عمرِك – كنت تحرصين على شيءٍ  آخرَ سوى سلامتِـنا ، و كأنَّـكِ كنتِ تَـتْعَـبِـيـنَ ، و تَـكِـدِّين ، في سبيلِ هدفٍ آخرَ سوى سعادتِـنا ! .

أمي : يا بقيةَ الخْيرِ في هذهِ الـدُنـيا .

أعتقدُ أن "الأمومةَ" آيةٌ من آياتِ اللهِ البينات ؛ فالأمُّ تستجيب بلا قيود ، و تعطي بلا حدود ، و تضحي دونَ مُقابِل ترتجيه ، و هذا العطاء ، و تلك التضحية ، لا يمكنُ تـفـسـيـرهما في اطارِ تحليلاتٍ ماديَّة ؛ تـفـسـرُ سلوكَ الانسانِ على أساسِ المصلحةِ ، أو المنفعةِ ، أو ما شابه ذلك .

ان الامومةَ ، و ما يترتبُ عليها من تضحياتٍ مجانِـيَّـةٍ -اذا استعملنا لغة المادة – لا يمكن تـفـسـيـرها الا ضمنَ أُطرٍ متجاوزةٍ لمعطياتِ الواقعِ الأرضي ، انها سرٌ علويٌّ ، و نفحةٌ ربَّـانِيَّةٌ ، و دليلٌ قاطعٌ على الجانبِ الروحيِّ في الانسان .

أمي : و الله انا لخجلون منك ؛

فنحن شغلك الشاغل ، و همّك الدائم ، كُـنَّا كذلك و ما نزال ، انتِ – يا رعاكِ اللهُ - مسكونةٌ بنا ، ثم بنا و بأولادِنا ، نكبر و يكبر همنا  . ثم ها نحن نتذكرك ساعةً في اليوم ، أو يوماً في الأسبوعِ ، أو ... يوماً في السنة ! . آه ما أعَـقَّـنا ، ما أقسانا ، بل ما أضلَّ سَـعْـيـنا ! . و اللهِ لو ذلَّـلْنا أنـفـسَـنا لكِ ؛ ثم حملناكِ على ظهورِنا ، ما وفَّـيْـناكِ حـقَّـكِ ، أو بعضَ حَـقِّـك :

 تسعة شهورٍ و نحن نـنـغـصُّ عليكِ حياتَـك ، و شهورٌ طوالٌ و نحن نمتصُ ، مع حليبك ، حَـيَـوِيَّـتَـكِ ، و سنواتٌ ثـقـالٌ ، و نحن نعتمدُ عليكِ في كل جليلٍ  و حـقـير ... فكيف نكافئك: بهديةٍ ، أم بكلمةٍ ، أم بلمةٍ قصيرةٍ ،، تُـتْــعِـبُـكِ ولا تُريحك ... ! . كيف نكافئك ؟ .

سـتـقـولين : (بِـدِّيـشْ الا سـلامِـتْـكُـم) !

سلمك الله يا أمي ،

أيُّ روحٍ عظيمةٍ هذه التي حـلَّـتْ في جـسـدِ الأم ؟!

انها النسمةُ الرَّبانِية ، انها الـعـطـيةُ الالهية ، فلا عجبَ اذن الا تطلب مكافأةً ، و لا عجبَ الا نستطيع – حتى لو أردنا – أن نكافئها .

دمتِ بخيرٍ يا أمي ، و دامت أمهاتـنا كـلهن ...