حين نكتب ونحن على وعي بوجود القارئ قد يجعلنا هذا الوعي ننحرف عن مسار المعنى يمنة ويسرةً إما لتوضيحه أكثر أو لتشويشه أكثر! هل هذا يعني أن الكتابة دون وعي بوجود القارئ ستكون أدق؟ برأيي لا. لأنك مهما حاولت تحري دقة الكتابة عن المعنى, ستظل الكتابة وسيلة والمعنى الذي يدور في رأسك فكرة وعلى فرض أنها فكرة واضحة بالنسبة لك ككاتب فقد تمنحها لغتك في التعبير غموضاً, أما إذا لم تتضح أساسا في عقلك فقد تستعين بالكتابة عنها حتى تتضح في عقلك بشكل أكبر لكنها قد تعبر عن معنى غير الذي تريد التعبير عنه. هذا في حال عدم وعيك بوجود قارئ كأن تكتب إلى نفسك مثلاً. أما وعيك بوجوده فقد يباعد أكثر بين المعنى المكتوب والمعنى المنشود.
برغم ذلك أكتب أنا وستكتب أنت, لأن الكتابة ستعني شيئاً ما قصدته أو لم تقصده. هذا الشيء سيجده من يبحث عنه سواء كان الكاتب نفسه أو قارئ ما.
عني أحياناً أهتم بالمعاني المكتوبة وأنسى التي كنت أود الكتابة عنها, ربما لأن المكتوب لم يظهر إلا لسبب ما عليّ اكتشافه في حال كنتُ الكاتبة, أن أفهم المعنى الذي كتبت عنه أحياناً يعني أن أقترب من فهمي لذاتي بشكل أكبر أو الموقف أو الناس. هذا في حال قراءة نص جديد, أما في حال كان النص قديماً فعامل الزمن يجعل النص بمثابة ذاكرة خارجية, قراءتي له بعد زمن طويل قد تجعلني أفهم نسختي التي كتبته في ذلك الحين. أقول نسختي لأن كل نص كتبتهُ نسخة ما مني ربما لازلت أشبه تلك النسخة وربما تغيرت كثيراً أو قليلاً عنها. الأكيد بأني لست هي لأن كتابة نص ما غالباً ما تُغيّرُ وعيك بشيء ما وتَغيُّرُ الوعي يعني تغير التفكير/الأفكار ثم الموقف فالحياة.
الكتابة وسيلة تعبير أحياناً ووسيلة تفكير علني إن شئت في أحيان أخرى, الكتابة تشبه الكلام لكنها أبقى منه. هذا البقاء تتفاوت أهميته بالنسبة للكاتب والقارئ, وأيا كانت درجة الأهمية, اكتب! لأن في الكتابة تفكير من نوع آخر لا يمكن أن تجده في بديل عنها!