بعد أن عاد تشارلز دارون من رحلته على ظهر السفينة ه.إم.إس.بيجل محملاً بملاحظات شكلت -فيما بعد- كتابه عن أصل الأنواع، وتحديداً في شهر يوليو عام 1838م، ألحت على ذهنه معضلة يتطلب اتخاذ القرار، (أو اتخاذ القرارات)، فيها تفكيراً تحليلاً، فقد كان أعزباً وعمره 29 سنة والمعضلة التي استولت على تفكيره هي هل يتزوج من ابنت عمه إيما ويدجوود أم لا؟

 خشي دارون من أن زواجه منها وإنجاب الأطفال سوف يعيق تقدمه العلمي. لمعرفة ما يجب عليه فعله، وضع قائمتين ليحدد مساوئ الزواج ومحاسنه.

كتب تحت مساوئ الزواج:

"مضيعة للوقت، احتمال الخلاف، لا أستطيع القراءة في الليل، القلق والمسؤولية. ربما لا تفضل زوجتي الإقامة في لندن"

 سرد في القائمة الثانية محاسن الاختيار:

“الأطفال إذا بارك الرب، ورفيقة جيدة، وربما صديقة مع التقدم بالعمر، المنزل، شخص يعتني بالبيت، من غير المقبول التفكير أن يقضي لواحد حياته مثل نحلة لا أرب لها سوى عمل، عمل، عمل، تخيل نفسك جالساً مع زوجة رقيقة فوق كنبة وبقربكما نار دافئة وحولكما كتب، وربما الموسيقي أيضًا"

ثم كتب على عجل تحتها: تزوج، تزوج، تزوج وهو المطلوب (يستخدم الرياضيون هذه الجملة عند الانتهاء من البرهنة الرياضية) مع ذلك، علق ستفين جونسون على موقف داروين في كتابه: “بعد النظر: أهمية كيف نتخذ القرارات” بقوله: 

“ليس لدينا دليل كيف وزن كل حجة من هذه الحجة ضد الأخرى.  جونسون الذي ألف عدة كتب في تاريخ الفكري منها”: كيف وصلنا إلى ما نحن فيه” يعتبر طريقة داروين في اتخاد القرار لا تعدو أن تكون مجرد وسيلة متوسطة الجودة فيما اعتبر أن طريقة بنجامين فرانكلين وهي طريقة وزن السلبيات والإيجابيات أعقد من طريقة داروين.  

مهارة اتخاذ القرار

يسمي فرانكلين طريقة في اتخاذ القرار بالجبر التحوطي: وهي أن يحدد قيمة عددية لكل سبب مؤيد ومعارض للقرار الذي يفكر بشأنه، ثم يوازن بينهم من خلال قيمتهم العددية. من تميل كفته من خلال قيمته العددية يعتمده. اعتبر جونسون طريقة فرانكلين أعقد وأفضل من طريقة داروين، مع ذلك لم تعجبه تماما، فقد كان يعتبرها تعتمد على الحدس وغير دقيقة.

يستغرب جونسون كيف أن مهارة اتخاذ القرارات الهامة لم تحظى بالتقدير الكافي علماً أنه يكتنف اتخاد القرارات الهامة الكثير من المداولات وقد يمتد أثرها لسنوات.

نقول مثلاً قررنا أن نتزوج، أن ننجب أطفالاً، نعيش في هذا الحي من المدينة، أن ننخرط في مجال وظيفي محدد. منطقياً جزء من الجملة صحيح وهو أننا قررنا، لكن كيف اتخذنا هذا القرار؟ من المفارقات في حياتنا، أن آلية اتخاد قراراتنا الكبرى في حياتنا أقل تعقيدا من آلية اتخاذ قراراتنا الصغرى.

اتخاذ القرار في الحياة اليومية

نبذل جزء كبيراً من أوقاتنا في موقع النيتفليكس باحثين عن فيلم أو مسلسل مناسب لنا، تغرينا برامج التلفاز بالانتقال إلى نيو يورك، يستغرق شراء جهاز محمول أسابيع من البحث في الانترنت، بينما قرار الانفصال من عشيق، لا يكلف سوى نقاش قصير خلال شرب عدة كؤوس من النبيذ. يمكن القول إن طريقتنا في اتخاذ القرارات الهامة لا تبعد عن طريقة الفرس كما حكى هيرودوت عنهم فقد كانوا يناقشون المسألة مرتين، مرة وهم سكارى ومرة وهم متنبهين.

يأمل جونسون في إصلاح طريقتنا في اتخاذ القرارات الهامة من خلال فحص آليه اتخاذ القرارات الهامة التي تستتبع عواقب كثيرة.  مثلاً القرار الذي اتخذه الرئيس باراك أوباما مع مستشاريه لإعطاء الموافقة على عملية اتخاذ اغتيال أسامة بن لادن في متخبئه المفترض في أبوت آباد، فقد بين كيف استفاد متخذو القرار من “علم اتخاذ القرار”.

هذا العلم هو مجال بحثي يتقاطع مع عدة علوم: الاقتصاد السلوكي، علم النفس والإدارة، يرى جونسون أننا يجب تطبيق الآليات المستخدمة في هذا العلم علي حياتنا سواء في القرارات الهامة وغير الهامة.

كيف نتخذ القرارات في الحياة اليومية؟

لم أقم قط في حياتي باتخاذ قرار بمثل الاغارة على مسكن إرهابي، لكن هذا لا يعني أنني لم أحصل على نصيبي الكافي من اتخاذ القرارات. رزقنا الصيف الماضي أنا وزوجتي بولد. بالتأكيد وجود طفل في حياتنا يعني أنني قررت مسبقاً أن أكون أباً. لكن هل فكرت في هذا من قبل؟ بالواقع لم أطبق طريقة فرانكلين الجبرية في اتخاذ القرار، كما لم أطبق طريقة داروين في سرد مميزات وعيوب إنجاب طفل. إذا كيف اتخذتُ القرار؟ ببساطة، انتقلتُ تدريجياً من عدم الرغبة في إنجاب طفل، إلى الرغبة به ثم التعاون مع زوجتي لإنجاح المهمة! بالتأكيد لو قررتُ قبل إنجاب طفل، فلن يكون قراراً حاسماً.

كتب تولستوي في رواية الحرب والسلام أن القائد العسكري الجالس على كرسيه، يعتقد أن بإمكانه أن تحليل الواقع العسكري من خلال النظر للخرائط ثم اتخاذ القرارات، لكن القائد المتواجد في الميدان، يعلم أنه ليس بيديه كل خيوط اللعبة، فهو يرى أمامه مسارات معقدة ومتشابكة، يفضي المضي مع واحد منها سلسلة من الأحداث لا يتوقعها أحد.


يتساءل الجنرال كوتوزوف في الرواية: “هل مكنتُ نابليون من الوصول إلى موسكو؟” إذا كنتُ فعلا مكنته، متى كان هذا؟ هل عندما أرسلت إلى بلاتوف أمراِ بالتراجع؟ أم كان في الليلة التي سبقتها عندما أعطيت بينيجسن صلاحيات إعطاء الأوامر؟

على النقيض من حدث دخول نابليون إلى موسكو البائس، فقد كان إنجاب طفلي حدثاً مبهجاً. لكني مثل القائد كوتوزوف، اتخذتُ قراراً بالغ الأهمية بالنسبة لي، لكني لستُ قادراً على تحديد على وجه الدقة متى وأين اتخذتُ القرار.

بالنسبة لتولستوي، أحد ألغاز الوجود هو كيف تفرض القراراتُ الكبيرةُ ذواتها علينا. يرى تولستوي أن سردنا للقصص في حياتنا لا يعكس بدقة درجة تعقد الأحداث في حياتنا، فحياتنا أعقد مما نتصور أو نحكي عنها.

اقترح جونسون طريقة للخروج من معضلة تولستوي، إنه يطلب منا أن نكون نتولى كتابة قصص حياتنا بدلا من الاكتفاء بقراءتها، هذا يقودنا إلى سؤال من أهم الأسئلة في حياتنا، هل نحن مسؤولون عن مسارات التغيير في حياتنا؟

خطوات اتخاذ القرار

نظريا عند اتخاد القرار لا بد أن يكون لدينا المعلومات الكاملة والقدرات الذهنية الكافية، لكن واقعياً، نتخذ قرارات هامة في ظروف تعيقنا عن النظر السليم للأمور، لذلك سماها جونسون بالعقلانية المقيدة.

تقيد قدرتَنا على تقييم خيارتنا الحالية خياراتٌ اتخذناها سابقا، معلوماتٌ هامة تغيب عن ذهننا أثناء تقييم الخيار، أو نعرفها لكن نقرر تجاهلها أو نسيء فهمهما، تضغط طريقة تفكير من حولنا على قدرتنا على تقييم الخيار، علاوة على ذلك، تحيزاتنا العقلية تجعلنا بعيدين عن كوننا معصومين ذهنياً ومعرفياً.

تنطوي القرارات المصيرية عادة على أهداف متضاربة وخيارات لم نتصورها بعد وتتطلب قدرة على التنبؤ بالاحتمالات المستقبلية والتي تربكنا بسبب ضعف اليقين. لا فرق بين خلاف زوجي أو احراز انتصار علمي، فالحياة عبارة عن خيارات متتابعة تتفاوت بالحجم والتأثير ولا يمكن وضع مقياس تبوئ دقيق لها.

مثال

فرضا عُرض عليك وظيفتان الأولي: في منظمة (بارترنز ان هيلث) وهي منظمة تقدم خدمات الصحية للأشخاص الأكثر احتياجا. الوظيفة الثانية لدى جولدمان ساكس.

إذا كان عليك المفاضلة بينهما، فيجب عليك استحضار عدد من المعايير، ماهي الوظيفة الأكثر جاذبية اليوم بينهما، وأيهما أفضل لك بعد عقد من الزمن؟ عليك أن تفاضل بينهما على المستويات عدة (العاطفي- المالي- أخلاقي)، أيهما أفضل لك شخصيا، لعائلتك ولمجتمعك.  إنها معادلة كبيرة جداً تتطلب مدخلات عدة حتى نظفر بالقرار الصحيح.

للتعامل مع تعقد الواقع، يرى جونسون أن متخذي القرارات باحترافية يستعملون الآليات المعتمدة في علم” اتخاد القرار”. وهي آليات روتينية تتطلب إعادة العملية مرة بعد مرة، فتفتت المشكلة ثم تدمج من جديد، مثلاً كان داروين يقسم أصدقائه إلى مجموعتين متضادتين، تتجادلان حتى تصلا إلى اتفاق.

“تصميم كاريت” مفهوم متداول في مجال تصميم المنتج، وهي آلية لحل مشكلة، تُقسم المشكلة إلى مشاكل أصغر، ثم تعطي كل واحدة منها إلى مجموعة لتحليلها وتقديم الحل إلى المجموعة ككل، تتلقي كل مجموعة ملاحظات على عملها، ثم يُعاد من جديد تكوين المجموعات وتتكرر العملية حتى تصل المجموعة إلى القرار النهائي.

يرجع أصل التسمية إي كلمة كاريت بالفرنسية والتي تعني العربة. فقد كان معماريو القرن التاسع في باريس يستمرون في مراجعة العمل المقدم إلي لجنة المحكمين حتى لو كان العمل ما يزال محمولاً على عربة!

مفهوم كارت ليس عمليا فقط لآنه يقسم العمل إلى قطع صغيرة أصغر وإنما لأنه يجبر المجموعات ذات الأولويات المختلفة من مصممين ومعمارين ومطورين عقارين على التفاعل وتناول العمل من زوايا نظر مختلفة.

اتخاذ القرار في الشركات


تشهد الشركات التي تشهد نمواً عالياً مثل شركة رويال دتش شيل، توسعاً في الاستثمار  في مشاريع باهظة الثمن، مثل الموانئ والآبار وخطوط الأنابيب، لذلك يستعين متخذو القرار في مثل هذه الشركات بآلية ” سيناريو التخطيط” حيث يتخيلون كيف سيكون تحقق القرار على أرض الواقع.

يرى جونسون أنك عند تصميم “سيناريو التخطيط” يجب عليك أن تضع ثلاث احتمالات: الأول تتحقق الخطةُ بالشكل المطلوب. الثاني: تفشل الخطةُ في تحقيق المطلوب، الثالث: تتحقق الخطةُ بشكل غريب!

العكسرية

يستعين المخططون العسكريون بالألعاب القتالية سواء في ميدان التدريب أو داخل صالات الدراسة من أجل فهم أعمق لخارطة صنع القرار. يكتشف المنخرطون في الألعاب مسارات لم تكن في تصوراتهم من قبل، مع كل مرة تُعاد ممارسة اللعبة، يكتشفون مسارات جديدة.  لو أن مسارات اللعبة مثلت في رسم شجري، لحصلنا على شجرة ضخمة جداً ملتفة الأغصان. مع تكرار اللعبة مرة بعد مرة تتحسن قدرات اللاعبين التنبؤية على مسارات اللعبة.

لكل مجال طريقته في صناعة القرارات

سيكون غريباً لو طبقتُ الأساليب المتبعة لـ اتخاذ القرار في الشركات الكبرى والعلميات الحربية على مساءلة شخصية مثل الزواج! لكن جونسون له رأي مختلف في كتابه: “بعد النظر” فقد بين كيف طبق هذه الأساليب على موضوع شخصي جداً.

فقد حكى جونسون قصته مع اقناع زوجته بالانتقال من مدينة نيو يورك إلي ذا باي أريا(منطقة ساحلية في غرب أمريكا). بدأ جونسون مستخدما الحدس لتفضيل ذا باي أري، حيث لديها أنواع من الأشجار في الغابات لا تتوفر في نيويورك، كما أن الخدمات الإلكترونية فيها جيدة، لكنه تجاوز هذه الطريقة سريعاً.

بعدها أجرى جونسون “تحليل الطيف الكامل” على تبعات قرار انتقاله، مدخلاً جوانب عدة لتقييم تأثير انتقاله، مادياً، نفسياً (هل الانتقال إلى مدينة جدية يجعله أكثر شبابا!) وجودياً (هل يود أن يكون الشخص الذي يقضي معظم حياته في نفس المكان؟) يصل في كل مرة إلى استنتاج مختلف تبعا لاختلاف تقدير جوانب الانتقال.

اختصر جونسون أفكاره وقدمها كعرض بوربوينت لزوجته، أبدت زوجته ملاحظات لم تكن في باله مثل أن معظم أصدقاءه يعيشون في بروكلين. بعد نقاش طويل اتفقا أن ينتقلا للعيش في منطقة ذا باي (The Bay Area) بشرط واحد، إذا قررت الزوجة الرجوع إلى نيو يورك بعد تجربة العيش لمدة سنتين، فيجب أن ترجع العائلة.

بعد سبع سنوات، تعيش العائلة بسعادة مع الإقامة في مكانين مختلفين على الساحلين الشرقي والغربي من أمريكا، هل سيستفيد جونسون من تطبيق آليه كاريت على قرار انتقال عائلته؟ المتوقع لا مع ذلك، كتب جونسون أن مبادئ علم القرار مهمة لاستعراض وجهات نظر مختلفة حول الخيارات، فهي تهز تصوراتك المسبقة، وتجبرك على بذل جهد واضح لاستعراض الخيارات. يعتبر جونسون أن ما فعله طريقة متقدمة على طريقة فرانكلين وداروين التي تعتمد على سرد المحاسن والمساوئ للقرار. يشعر جونسون بالرضا عن طريقته في التوصل للقرار المناسب له.

رأي الفلاسفة في طريق اتخاذ القرارا

كتاب جونسون حلقة من سلسلة طويلة فقد حاول الفلاسفة لقرون فهم كيف نتخذ القرارات؟ ما الذي يجعل قررا ما مقبولا أو غير مقبول، عقلانيا أو غير عقلاني؟

ببساطة ترى نظرية القرار، المنافع من اتخاذ القرار هي من تحدد مساراتنا في الحياة، مثلاً إذا كنت محتاراً بين أتخصص في لاقتصاد أو تاريخ الفن؟ لنسأل أنفسنا، ما الذي نثمنه حقاً؟  بعد تحديدها نتخذ القرارات التي تعظم ما هو مهم ومفيد لنا.

من خلال وجهة النظر هذه، اتخاذ القرار في نهاية الأمر هو جواب لسؤال كيف نعظم المنفعة. إذا كنت ستخرج وكنت محتارا بين هل تأخذ معك مظلة أم لا؟ عليك أن تحلل منفعتك في حال هطل المطر وكانت معك المظلة، ومضرتك من خلال عدم أخذها معك.  بالتأكيد معظم القرارات أكثر تعقيداً من هذا المثال! لكن الإيجابي في هذه المعادلة أنها تستطيع تتعامل مع أي قرار. سواء كان هذا القرار هو شن غارة على أبوت آباد في أفغانستان، أو حفر بئر نفط في بحر الشمال. ادخل ما تثمنه حقاً في هذه المعادلة، سيخرج لك الجواب المناسب تلقائيا.

الفلسفة المعاصرة

أبدى في العقود الأخيرة كثير من الفلاسفة عدم رضاهم عن نظرية القرار، لقد وضحوا أنها ليست مناسبة في الحالات التي لا نعرف بالضبط ماذا يهمنا أو نتوقع تغير ما نثمنه مستقبلاً. في مقالتها “قرارات كبيرة: الاختيار -التحويل -الانجراف”


طلبت منا الفيلسوفة الإسرائيلية إدنا أولمان-مارغاليت أن نتخيل أن نكون أحد “رواد الصهاينة الاشتراكيين الأوائل” الذين حلموا في مطلع القرن العشرين بالانتقال من أوروبا إلى فلسطين آملين أن يكونوا نموذجاً يهودياً مثالياً جديداً.

لاحظت الفيلسوفة مار غاليت أن مثل هذه الانتقال غير مجال حياة الواحد منهم وقيمه الداخلية. فقد تحول الإنسان القديم منهم مثلاً من شخص كان يستعير كتباً من مكتبة في بودابيست إلى إنسان جديد يعمل فلاحاً في حقل. لم يضاعف هذا التغيير منفعة الواحد الذاتية بل أعاد ترتيب الأولويات لديه وفق معادلة جديدة تعكس منافعه الجديدة.

شككت مارغاليت في أن مثل هذه القرارات التحولية يمكن تقييمها على أنها سليمة أو غير سليمة، عقلانية أو غير عقلانية.

وأوضحت نقتطها في مقالها من خلال قصة رجل، فقد كان رجل مترددا في إنجاب الأطفال، لأنه كان يخشى أن يصبح نوعية الأشخاص المملين مثل بقية الآباء.

مع ذلك فقد قرر أن يصبح أباً وينجب طفلا، وقد تحققت توقعه، فقد أصبح أباً مملاً لكنه سعيد! تتساءل مارغاليت من الشخص الذي تعاظمت منفعته الشخص القديم أم الجديد؟ في الواقع لا يوجد معادلة تستطيع معرفة بدقة ما الخيار الأكثر نفعاً للشخص. اقترحت مارغاليت أن الوصف الدقيق لحالة للرجل أنه لم يقرر الانجاب وإنما اختار الانجاب، وفقاً لاستعمالها اللغوي، يوجد فرق بين المعنيين، فالاختيار يعني أن الواحد غير نوعية ما يثمنه بدلاً من مضاعفتها.

سلوك الناس

لماذا يتصرف الناس بعفوية -وربما بتهور- مع الخيارات الكبيرة في حياتهم أكثر من الخيارات الاعتيادية؟ تجيب مارغاليت على ذلك بأن الخيار الذي لم يُجرب يرهق أكثر من الخيار المجرب. لذلك ترهقنا الخيارات التي لم نجربها من قبل.

مثلا قرر شخص شراء سيارة سوبارو من تويوتا، لن يرهقه هذا القرار بالتفكير، فشركة تويوتا ومنتجاتها وخدماتها معروفة لديه، ولن تُقدم الشركةُ خدمات مختلفة حسب الأشخاص، لكن ماذا عن فتاة لم تتزوج من قبل أو فكرت في زيارة بلد لم تزره من قبل، أو تنظم لشركة لم تعمل بها من قبل كيف سكون تقييمها للخيار الذي لم يجرب من قبل؟ إنها سوف تقيم الخيار من خلال وجود زائف، فرفض خيار ما قبل تجربته، أشبه ما تكون بخيار مرفوض تُقيم من خلاله نجاح أو مغزى حياة المرء!

يأمل الواحد أن بحثاً صغيراً يمكن أن يردم الهوة بين الشخص القديم والجديد. في ورقتها (ما لذي لا يمكن توقعه عند توقعك) التي نشرتها عام 2013 كتبت الفيلسوفة لوري آن بول ” من المحتمل أنك تظن أن تعرف ما يعني أن يكون لديك طفل، على الرغم أنك لم يكن لديك طفل من قبل، بسبب قراءتك واستماعك لأناس لديهم أطفال، لكن في الواقع أنك مخطئ! ” استشهدت لوري بول بالمبدأ الذي اقترحه الفيلسوف ديفيد لويس ” مبدأ أكلة الفيجيمايت”

إنجاب الأطفال


 إذا لم تتذوق من قبل هذه الأكلة وهي بالمناسبة أكلة أسترالية لذيذة وغريبة، فلا يمكن لك من خلال قراءة وصفها (لونها أسود، لزجة، نباتية) أو تجربتها مع إضافات مثل (زبدة الفول السوداني، مربى البرتقال، نوتيلا) أن تكون قادراً على تحديد إذا كُنت فعلا تفضلها أو لا. كذلك، تجادل بول، بكونك بالقرب من أناس لديهم أطفال لا يعني أنك خضت تجربة أن يكون لك أطفال.

قد تكون تربية أطفال آخرين، من خلال كون عمة أو خالة، أو لديك إخوة صغار، تجارب جميلة أو فظيعة (حسب الأطفال)، لكن هذه التجربة تختلف عن أن يكون لديك أطفال من صلبك. الاحتكاك مع أطفال قد تعلمك سلوكيات مثل كيف تغير الحفاظات، تقدم الحليب للطفل من قارورة الحليب، لكنها ليست بالتأكيد مثل حمل جنين في بطنك وولادته ورعايته.

قبل إنجاب الأطفال يمكنك الاستمتاع بأنشطة عديدة مثل بالرقص، القفز من المظلات، أو حتى تعاطي مخدرات! قد تجد متعتك في الترقي الوظيفي، السفر، الطهي، أو الذهاب لنادي اللياقة. ببساطة يمكنك التلذذ بأي نشاط تفضله.

بالمقابل إنجاب الأطفال سوف يحرمك من هذه المتع، مع ذلك فكونك والداً فقد لا تشتاق لهذه المتع كثيراً، قد تجد متعتك في تفضل تغيير الحفاظات، إلباس الرضع ملابسهم، مشاهدة أفلام كرتون للأطفال! هذه الأنشطة ستكون عذباً للجانب الأعزب من شخصيتك، لكن الجانب الأبوي يستمتع بها مدفوعاً بالحب. قد ينتهي بك الحال بعد الانجاب أن تكون شخصاً آخر.

المعضلة

 المعضلة أنك لا تستطيع أن تعرف مسبقاً كيف (سيكون/ستكون) وضعك عندما تُصبح أباً/أما. تعتبرها بول معضلة مثيرة للاهتمام، لماذا تحدد قيمُ اليوم قيمَ الغد؟ في كتابها “تجربة تحولية” الصادر عام 2014، ترى بول أن تعيش تجربة حياة بعمق يتطلب أحياناً أن تتخلي عن ذاتك القديمة لتجرب ذاتاً جديدة. انتظار ما ستكون عليه ذاتك مستقبلاً هو علامة على أنك ما زلت كونك حياً!

تضاعف إحساسنا بجهلنا في الأشهر التي سبقت مولد طفلنا.  نعرف مسبقاً جنسه وكيف سيكون حجمه، فقد علمنا من الأشعة ما فوق الصوتية أن حجمه سيكون أكبر من المعتاد، نعرف موعد ميلاده أيضاً، لكن مع ذلك فقد قالت زوجتي:” لا ندري ما الذي ننتظره” كنا في جهل تام عن المخلوق الذي سنلتقي به، يا المفاجأة! منذ أن خرج للدنيا شعرنا بألفة نحوه فلم يكن غريباً.

مثال

في صباح يوم ولادته، كنت أشرب القهوة مع كعك إنجليزي وأقرأ الجريدة، ثم وضعت الملابس في حقيبة وتوجهت نحو المستشفى كأنني ذاهب إلى يوم اعتيادي في عملي. جلستُ مع زوجتي في المقعدين الخلفيين، بينما قادت أم زوجتي السيارة برفقة صديقتها، نزلنا عند بوابة المستشفى. همست والدة زوجتي أثناء عنقنا قبل الوداع: ” حظاً سعيداً، حياتكم على الوشك التغير للأبد”
ذهبت أم زوجتي وصديقتها نحو مقهى، بينما دخلت مع زوجتي المستشفى.

صعدنا إلى الطابق العلوي حيث استلقت زوجتي على سرير حوله ستائر، تحدثنا خلال ساعة مع الممرضات، خمن خلالها وزن المولود ولما جاءت القابلة كانت مفاجأة، فقد كانت زميلة دراسة. في اللحظات التي انفرد بها مع زوجتي كنا نمسك بأيدي بعض وتلتقي أعيننا.  عندما حان موعد الوضع، ساعدت ممرضة زوجتي على صعود كرسي متحرك.  دفعتُ كرسي زوجتي نحو غرفة نحو غرفة العمليات تصحبنا ممرضتان لبستا زياً فضفاضاً، لما دخلنا غرفة العمليات الأطباء وجدناهم يستمعون إلى أغنية” سلم إلى الجنة” Stairway to Heaven من الإذاعة.


 تساءلت مسبقاً، عند أول لقاء به، هل سأشعر بالتغير؟ في الواقع لما أمسكتُ بطفلنا بعد الولادة لأول مرة، لم أشعر بأدنى تحول، علما أنه لم تكن جميع الكلمات التي أعرفها قادرة على وصف التجربة التي أعيشها.  شعرتُ به وأنا أحمله بيدي يتنفس، هادئا، دافئا يراني بعينين زرقاوين داكنين، أنه شخص جديد.

التغير بوعي

تشكك الفيلسوفة في جامعة شيكاغو غانيس كالارد في فكرة التحول المفاجئ. وهي مقتنعة تماما الاقتناع، بغض النظر كيف يبدو الوضع لنا وللآخرين، نحن نختار كيف نتغير بوعي.

في كتابها المؤثر: 

"الطموح: بوابة التحول" كتبت: أن تكون أباً، ليس شيئا حدث لك أو شيئا اخترته بنفسك" بدلاً من ذلك،”

نتحول ذاتياً من خلال التجربة آملين يوماً من الأيام أن نمتلك القيم التي نفضلها، تماماً كما نفعل عندما ننظر في المرآة قبل توجهنا إلى موعد غرامي، نرى كيف سيكون مظهرنا خلال الموعد.

في مقال السابق مارغاليت الذي تحدث عن الرجل خشي أن يصبح أباً مملاً. علقت كالارد: قرر الرجل أن يخوض التجربة، لأنه في الواقع أراد كيف ستكون تجربة امتلاك قيم الأبوة.  ترى كالارد عملية اتخاذ القرار عملية متدرجة، يطمح الشخص القديم أن يكون شخصا جديداً مع الوقت.

مثال

لنفترض أنك سجلت في مادة لتذوق الموسيقي الكلاسيكية، طلب منك كواجب منزلي أن تستمع إلى سمفونية، بعدما وضعت السماعة على أذنيك وبدأت في الاستماع نمت! ليست المشكلة أنك لا تريد أن تسمع إلى موسيقي تقليدية، في الواقع ترغب أن ترغب للاستماع إلى الموسيقي الكلاسيكية.


تعتقد كالارد أن الإلهام خصيصة إنسانية، يختلف الإلهام باختلاف الأشخاص، فهناك من يكون إلهامهم: “احتساء الخمر، تذوق الفن، عشاق الرياضة- الهوس بالموضة، المناصب العليا في الشركات، عزف البيانو، فعل الخير، الأبوة، التدين ” تهدف خطط البشر لامتلاك شيء ثمين جديد ليس لديهم. بل حتى كثير من الاختيارات العادية مثل العمل في هذا المكان أو ذلك، تطرح نفس السؤال: ما هو الشيء الذي نأمل أن نكون عليه؟

تفرق كالارد بين الإلهام والطموح، الطالب الطموح يسجل في المادة ليس حباً فيها وإنما لأنها سهلة، من اليوم الأول للمادة، يعرف الطالب ماذا يريد وكيف يصل إليه، إنه الدرجات!

بعض الطلاب الذين يأخذون كمادة تذوق الموسيقي طموحون، فهم سجلوا في المادة ليس حباً فيها وإنما لأنه يرون المادة سهلة. من اليوم الأول، يعرف الطالب الطموح ما الذي يهدف إليه، أنه الدرجات.  بينما الطالب الملهم يشعر بالحرج إذا أرد أن يوضح لماذا أخذ المادة، قد يبالغ إذا قال إن جمال الموسيقى الكلاسيكية خلب لبه، لديه في الواقع إحساس غامض بجمال الموسيقي الكلاسيكية يأمل من خلال المادة أن تصل شخصيته المستقبلية في نهاية الفصل لاستيعاب الموسيقي الكلاسيكية وتلمس مواطن الجمال فيها.

المهلمون، ومحدودية الأهداف، ومهارة اتخاذ القرار

يقلل الملهمون من أهدافهم حتى يتمكنوا من تبيان دوافعهم، فالرسامة الملهمة ستقول إنها تشعر بالراحة عند الرسم بدلاً من أن تشرح ماذا تؤمل أن تعبر عنه من خلال الرسم. تصل كالارد إلى فكرة وهي أن الإلهام له جانبان: قريب يمثل الإلهام  أقل مما هو عليه، و بعيد يتردد الملهم أن يصفه، لأنه أعلي بكثير من وضعه الحالي.

النوايا الحسنة الزائفة هي مفتاح تحولنا الذاتي. تأمل نوع التفكير الذي يدفع طالبة طموحة على إجبار نفسها إلى الاستماع إلى سمفونية وهي تشعر بالنعاس، ستذكر نفسها دوماً أن درجتها في المادة يعتمد على رأي أستاذها في المقال الذي سوف تكتبه عن القطعة الموسيقية، أو تعد نفسها بقطعة كيكة إذا أنهت المتطلب الدراسي. تتخيل نفسها في غرفة بالمكتبة واعية بنظرات الطلاب نحوها وهي تعزف، أو تتخيل نفسها وهي تدخل قاعة دافئة لعزف الموسيقي في ليلة باردة. بالتأكيد هذه أسباب سيئة للاستماع إلى سمفونية بالتأكيد لكنها تعمل عمل الأسباب الجيدة.


عندما تنعقد ألستنا فلا نستطيع وصف ما يلهمنا لا يعني ألبته أنه غير واقعي أو أننا عاجزين عن الوصول إليه. في الواقع العكس هو الصحيح. لاحظت كالارد أنك لو سألت أي شخص قرر أن يدرس في الجامعة، ما الذي يريد من الانضمام إلى الجامعة لأجاب العلم، لكنه عاجز تماما عن وصف ما الذي سوف يتعلمه خلال سنوات في الجامعة، لديه إلهام.

ما الحل إذا لم تكن مٌلهمًا؟

إذا لم يكن لديك إلهام تجد صعوبة في وصفه، فأنت في الواقع حبيس الأفكار التي تعرفها ولم تنعتق منها بعد.

تري كالارد أن عجزنا عن وصف إلهامنا بدقه هو مقياس عن المسافة الطويلة التي يجب علينا قطعها. عندما يتحقق الإلهام نقول عندها هذا كنا نريده!

تستغرق الالهامات وقتا طويلاً حتى تتحقق، فليس غريباً أن تكون في خطر التأويلات المختلفة، ذكرت مارجاليت في ورقتها 2006 شخصاً أختار (تذكر أن مارجليت تفرق بين اختار وقرر سابقاً) أن يترك عالم الشركات لكي يكون فناناً.

ترى كالارد أن هذا الدافع يصلح أن يكون إلهاماً، تبدأ العملية بحادث صغير مثل التجول في متحف للفنون، لتبلغ ذروتها بعد عدة سنوات في فتح استوديو للفنون.  تكمن المعضلة أن بعض القيم تزيح أخريات، فيتوجب على الشخص في المثال السابق أن يرفض القيم التي كان يؤمل أن يحصل عليها من خلال عمله في مجال الأعمال، ليتبنى بدلاً منها قيماً يحصل عليها من التوجه للفنون.  لنفترض أن عارضاً صحياً عاقه عن إكمال مشوراه في عالم الفنون، وأجبره أن يرجع موظفا في شركة ما، سينتهي به الأمر الإحباط، فعالم الشركات لن يكون قادراً علي ملئ الفراغ الذي أحدثه توقفه عن المضي في عالم الفنون. لن ترضي ذاته إلا القيم من عالم الفنون الشركات التي في يوم من الأيام كان يحلم بها وأن يتبني قيماً أخرى بدلاً عنها.

أن تتعلق بإلهام تري كالارد يستتبع أن تقيم ذاتك الحالية بمعايير ذاتك المستقبلية والتي لا تدري بثقة التي يتحصل لك أم لا.؟

الجواب

راجعت كالارد مقالة بول “ما لذي لا تستطيع توقعه عندما تتوقع” استعانت بول بمبدأ فيجاميات، على المحاججة إذا لم تكن هناك طريقة عقلانية لتقرير هل أنجب طفلا أم لا، فإنه لا توجد سبب عقلاني لأن تكون محبطاً لعدم قدرتك على الانجاب، كيف تحزن على فوات شيء لم تجربه من قبل؟ قد يكون خياراً سيئا لك ومن الأفضل ألا تحصل عليه، وعليه تعتبر بول أن خيبة الأمل عمل غير منطقي وحسب! لكن تختلف معها كالارد في هذه النقطة، الحزن بسبب عجزنا عن تحقيق أملنا، شعور منطقي حتى ولو كنا لم نجربه من قبل.

تلمست الوجه القريب من الإلهام قبل أن أرزق بطفل، بدأت بملاحظة كيف يبدو الأطفال الصغار في غاية اللطف، خصصنا غرفة لمولودنا القادم، تخيلت ذهابي معه ومع زوجتي نحو الشاطئ ممسكين بأيدي بعض، هذا الإلهام هو المقابل لإلهام الفتاة أن تعزف في قاعة دافئة خلال ليلة ثلجية! بالتأكيد هذه التخيلات لم تكن السبب الحقيقي لرغبتي لإنجاب طفل. إنجاب الأطفال أكبر من كونهم لطفاء، لكن في نفس الوقت لم أكن قادراً على تصور الجانب البعيد لكوني أباً، إنه إلهام يحدوني.

تجربة الانجاب

لم تكن تجربة الانجاب بالسهولة التي كنا نتوقعها، فقد استغرق منا 5 سنوات بسبب مشكلة العقم. جربنا خلال هذه السنوات الشعور الذي وصفته كالارد بأنه نوع خاص من الحزن يناسب عدم الحصول على شيء تود تجربته لأول مرة.

قد تشعر طالبة جامعية ملهمة قررت أن تترك الدراسة من أجل الاهتمام بطفلها أنها تجربة الدراسة الجامعية أضفت معنى لحياتها.

تستعين كالارد باقتباس من كتاب: عاقر في أرض موعودة” وهو كتاب عن الخصوبة للمؤرخة إلين تايلر ماي

أخبرت امرأة ماي أن الحزن/الخسارة هو أن أبذل ست سنوات من عمري محاولة أن أصبح أما وفشلتُ، بالتأكيد لم يكن لي حول ولا قوة، مع ذلك كنت غير قادرة على التقدم، فكرت كثيراً كيف سأعرف نفسي أمام الآخرين إذا لم أستطع أن أكون أماً؟

سيكون الأمر أسهل لو أن تحولاتنا كانت لحظية، فلن نكون مضطرين للعيش تحت ضغط تحت الإلهام عالقين بين ذات لسنا راضينا عنها وذات لم تتحقق.

بدأت تلمس الوجه القريب من الإلهام قبل أن رزق بطفل، بدأت ملاحظة كم هم الأطفال لطفاء وتخيلت الغرفة المخصصة لطفلنا القادم. تحدثت عنه كثيراً مع زوجتي. كنا مأخوذين بجدلية كالارد أن الأبوة/الأموة هي في الصميم إلهام، يتطلع الأبوان ليكون لديهما مولود جديد. على الرغم أن هذا المولود الجديد لن يدخل حياتهم شخصا مكتملاً، سوف ستتشكل ذاته بالتدريج خلال سنوات، على خلاف الشخص الطموح الذي يخطط لمستقبله بدقه فإن هذا التصور غير منطقي.

خاتمة: اتخاذ القرار

 من الأفضل أن ندخل عالم الأبوة من دون تصورات مثالية عن طفلنا، حيث ترى كالارد أن هذا التصور سيمكن طفلنا من لعب الدور المنوط به ليجسد لنا ماذا تعني الأبوة بالمقابل يجب أن يكون الحب الأبوي قادراً على التوائم مع شخصية الطفل أياً كانت في المستقبل.


طفلنا الآن بين أيدنا نعيش معه لحظة بلحظة لا نود له أو تحولاته أن تتوقف، لا يقل كل يوم عن غيره من الأيام في أهميته، وكل يوم يستحق أن يبذل له ما في وسعنا نحوه. تخاطب كالارد الملهمين بقولها: ” ما يقع في اللحظة الحاضرة هو حياة”.

  لاحظت مؤخراً وجه والدي عندما يشاهد ابني، كنا نستمع لابننا وهو يتعلم طريقة جديدة للضحك. يبصرنا ابني كل مرة بطريقة مختلفة، مثل صفحات كتاب تقلب ذاتها من نفسها، تتبع التغيرات بعضهما، من الصعب أن نتخيلها طريقا يفضي إلى مكان آخر.