يتتبع عالم الأنثروبولوجيا كريستوفر بوم  في كتابه الخطوات التي مر بها جنسنا البشري للوصول إلى الضمير. 

كريستوفر بوم ، عالم الأنثروبولوجيا التطورية، هو مدير مركز  جين غودال للأبحاث بجامعة جنوب كاليفورنيا. لمدة 40 عامًا.  في كتابه الجديد ، الأصول الأخلاقية ، يتكهن عالم الأنثروبولوجيا التطورية كريستوفر بوم بأن الأخلاق البشرية ظهرت جنبًا إلى جنب مع تشكل مجاميع الصيد البدائية.

الكاتب: ميغان جامبينو 3 مايو 2012 

 لماذا يظهر الناس اللطف مع الآخرين ، حتى مع أولئك الذين هم خارج عائلاتهم ، بينما  قد لا يتحقق لهم المنفعة منها؟

 إن كونك كريمًا دون أن يتم تبادل هذا الكرم  لا يؤدي إلى تقدم الدافع التطوري الأساسي للبقاء والتكاثر. كريستوفر بوم، عالم الأنثروبولوجيا التطورية ، راقب الرئيسيات ودرس الثقافات البشرية المختلفة لفهم السلوك الاجتماعي والأخلاقي. في كتابه الجديد ، الأصول الأخلاقية ، يتكهن بوم بأن الأخلاق البشرية ظهرت جنبًا إلى جنب حينما بدأ الناس يتجمعون في مجاميع لمطاردة الصيد,  و يشرح ذلك بان البقاء يتلخص أساسًا في مبدأ رئيسي واحد - التعاون ، أو الموت.

بادئ ذي بدء ، كيف تعرف الإيثار؟

في الأساس ، ينطوي الإيثار على الكرم خارج الأسرة ، مما يعني الكرم تجاه غير الأقارب.

لماذا يصعب تفسير الإيثار بمصطلحات تطورية؟

الفرقة النموذجية للصيادين والقطافين من النوع الذي كان  سائدا ا في العالم منذ 15000 عام لديها عدد قليل من الإخوة أو الأخوات ، لكن كل شخص آخر تقريبًا ليس له علاقة. حقيقة أنهم يفعلون الكثير من المشاركة هي مفارقة وراثية. هنا كل هؤلاء الأشخاص غير المرتبطين الذين يتشاركون ما يجده من طرائد. تتوقع أن يتقدم أولئك الذين يتقنون الغش والأخذ وليس العطاء. يجب أن تزداد جيناتهم بينما تزول جينات الإيثار. ولكن، في الواقع، لقد تطورنا لنشارك على نطاق واسع من خلال هذا العمل الجماعي.

ماذا قال تشارلز داروين عن "مفارقة الإيثار"؟

كان تشارلز داروين في حيرة شديدة من حقيقة أن الشباب يذهبون إلى الحرب طواعية ويموتون من أجل مجموعاتهم.  من الواضح أن هذا لا يتناسب مع فكرته العامة عن الانتقاء الطبيعي كأفراد يسعون وراء مصالحهم الذاتية.

لقد توصل إلى انتقاء  المجموعة كإجابة على هذا التناقض.وهي الطريقة التي نجحت بها ، إذا كان لدى مجموعة ما مؤثرين أكثر من مجموعة أخرى ، فإنها ستتفوق على المجموعة الأخرى وتخرجها من دائرة التنافس. المجموعات ذات المؤثرين الأقل سيكون لديها عدد أقل من الناجين. لذلك، سينتشر الإيثار على حساب الأنانية في تلك المجموعة.

تكمن مشكلة اختيار المجموعة في أنه من الصعب للغاية رؤية كيف يمكن أن تصبح قوية بما يكفي لتتفوق على الانتقاء بين الأفراد. ولذا أنت بحاجة إلى قدر هائل من الحروب والإبادة الجماعية لجعل, الاختيار  او الانتقاء او الاصطفاء الجماعي ناجحًا حقًا.

وماذا قال داروين عن أصول الضمير البشري؟

ما فعله حقًا هو أن يأخذ الضمير ، ويضعه جانبًا كشيء خاص جدًا ، ثم يقول بشكل أساسي ، "لقد رفعت يدي. لا أستطيع أن أخبركم كيف يمكن أن يتطور الضمير. ما يمكنني قوله هو أن أي مخلوق أصبح ذكيًا ومتعاطفًا مثل البشر سيكون له ضمير بشكل طبيعي ".

تقدم بسرعة قرن ونصف - أين نحن الآن في فهم أصول الأخلاق والضمير البشري؟

حسنًا ، هناك عدد غير قليل من الكتب حول هذا الموضوع. لكنها كلها تقريبا حجج خارجة عن التصميم التطوري. أي أنهم ببساطة ينظرون إلى الأخلاق ويرون كيف تعمل وكيف يمكن أن تكون مفيدة وراثيًا للأفراد.

كتابي هو أول من حاول بالفعل إلقاء نظرة على التاريخ الطبيعي للتطور الأخلاقي.  وكيف حدثت التطورات التي أدت بنا إلى أن نصبح أخلاقيين؟ بطريقة ما، و هذا مجال جديد للدراسة.

هل يمكنك إخبارنا عن قاعدة البيانات التي أنشأتها لمساعدتك في استخلاص استنتاجاتك؟

لقد قيل إن جميع الصيادين وجامعي الثمار البشريين الذين يعيشون اليوم قد تم تهميشهم سياسيًا لدرجة أنه لا يمكن مقارنتهم حقًا بالبشر في عصور ما قبل التاريخ الذين كانوا يصطادون ويجمعون.  أعتقد أن هذا خطأ تام

منذ سبعينيات القرن الماضي, تعلمنا أن معدل تغير المناخ كان مذهلاً في أواخر العصر البليستوسيني. لذلك، كان هناك الكثير من التهميش قبل 50000 عام، تمامًا كما كان الحال اليوم. 

 مثل اليوم، كان بعضها سياسيًا بالتأكيد، بمعنى أنه عندما يكون هناك انخفاض في المناخ ، سيكون كل شيء نادرًا وستتقاتل فرق الصيد مع بعضها البعض على الموارد.

ما فعلته هو النظر إلى كل مجتمعات الصيد  الممكنة التي تمت دراستها؟

لقد تخلصت ببساطة من كل أولئك الذين لم يكن لهم وجود في العصر البليستوسيني - صيادو الخيول الذين قاموا بتدجين الخيول التي حصلوا عليها من الإسبان ، وتجارة الفراء الهنود الذين بدأوا في شراء البنادق وقتل الحيوانات التي تحمل الفراء وبعض الأشخاص الهرميون جدًا الذين طوروا على طول الساحل الشمالي الغربي لأمريكا الشمالية

 حتى الآن ، مررت بحذر شديد في حوالي 50 من المجتمعات المتبقية ، بحثًا عن الأشياء التي يشاركونها في الغالب. بعد ذلك ، أعرض أنماط السلوك المشترك في الفترة التي كان فيها البشر حديثين ثقافيًا. الآن ، هذا يعيدنا فقط إلى 45000 ، و ربما قبل 100000 عام. إذا عدت إلى ما هو أبعد من ذلك، فهناك مشاكل، لأنك لا تتعامل مع نفس العقول ونفس القدرة الثقافية..

تقريبا متى اكتسب البشر الضمير؟

يعد تحديد  تاريخا معين أمرًا في غاية الخطورة لأن كل عالم سيكون لديه ما يقوله حول ذلك. لكن اسمحوا لي فقط أن أعطيكم بعض الاحتمالات. بادئ ذي بدء ، قد يكون هناك القليل من الشك في أن البشر كان لديهم ضمير منذ 45000 عام، وهو التاريخ المحافظ الذي يتفق عليه جميع علماء الآثار لكوننا ثقافيًا ننتمي  للعصر الحديث. إن امتلاك  ضمير وأخلاق يتماشى مع كونك حديث ثقافيًا.الآن، إذا كنت تريد أن تخمن إلى أي مدى قبل ذلك، فإن الشاهد الذي أراه هو الأكثر إقناعًا هو ظهور  مجاميع الصيد البشري الكبيرة، والتي جاءت قبل حوالي ربع مليون سنة.

وفقًا لنظريتك، كيف تطور الضمير البشري؟

بدأ الناس في صيد ذوات الحوافر الكبيرة أو الثدييات ذات الحوافر. كانوا مكرسين جهدهم للصيد، الذي كان جزءًا مهمًا من معيشتهم. لكن نظريتي هي أنه لا يمكن أن يكون لديك ذكور مؤثرين  إذا كنت تريد ان يكون لديك فريق صيد يتقاسم اللحم بشكل عادل إلى حد ما، بحيث يظل الفريق بأكمله يتغذى. من أجل تقسيم اللحوم إلى مجموعة من الأشخاص بطبيعتهم ذات تسلسل هرمي إلى حد ما ، عليك أن تتخلى أساسًا  عن التسلسل الهرمي وتخرجه من الطريق. أعتقد أن هذه هي الاجراءات المتبعة.. وفرضيتي هي أنه عندما بدأوا في صيد الطرائد الكبيرة ، كان عليهم أن يبدؤوا فعلاً في معاقبة الذكور المتنمرة  والضغط عليهم ليبقوا خاضعين. وهذا أدى إلى   ضغط الانتقاء، بمعنى أنه إذا لم تتمكن من التحكم في ميولك الأولية، فستقتل أو انك ستنفى  من المجموعة ، وهو ما يشبه القتل تقريبًا. لذلك ، أصبح ضبط النفس سمة مهمة للأفراد الذين نجحوا في الإنجاب. وضبط النفس يترجم إلى ضمير.

على مدى كم من الفترة الزمنية التي استغرقها التطور؟

حسنًا ، يقول إدوارد أو.ويلسون إن الأمر يتطلب آلاف الأجيال لتطور ميزة تطورية جديدة. في البشر ، قد يصل ذلك إلى 25000 سنة. ربما يستغرق شيء معقد مثل الضمير وقتًا أطول من ذلك. ان لدى البشر بعض الأجراس والصفارات التي تعد ألغازًا كاملة  مثل الاحمرار من الخجل. لا أحد لديه أدنى فكرة عن كيفية تطور ذلك. لكنني أقول بضعة آلاف من الأجيال ، وربما بين 25000 و 75000 سنة.

بأي طرق تستمر الأخلاق في التطور؟

من الصعب جدًا الإدلاء ببيان حول ذلك. سأقوم ببعض التخمينات. في عصور ما قبل التاريخ ، ربما كان من السهل التعرف على السيكوباتيين وتم التعامل معهم ، كما كان لا بد من التعامل معهم، بالتخلص منهم بالقتل. واليوم ، يبدو أنه في مجتمع كبير مجهول الهوية يتمتع العديد من السيكوباتيين بحق مطلق الحرية في التكاثر. قد نحتاج إلى اتخاذ المزيد من الخطوات الأخلاقية على مستوى الثقافة للتعامل مع زيادة السيكوباتية في مجموعنا السكاني. لكن هذا سيكون على مدى آلاف السنين.

بالتأـكيد ان تطور الأخلاق مرتبط بالمستوى الثقافي. على سبيل المثال ، أصبحت وسائل الإعلام الأمريكية في العام الماضي فجأة مهتمة للغاية بالتنمر - وكذلك الحال بالنسبة لمسؤولي المدرسة. تركز سيطرتنا الاجتماعية الآن أكثر بكثير مما كانت عليه في أي وقت مضى على التنمر. لقد كان موضوعًا رئيسيًا مع الصيادين. لذا، بمعنى ما ، يمكنك القول إن تطورنا الأخلاقي على المستوى الثقافي قد عاد فجأة إلى موضوع قديم.

ترجمة

د. سالم موسى القحطاني 

2012

1- الاعتلال النفسي السيكوباثي (بالإنجليزية: Psychopathy)‏، هو اضطرابًا في الشخصية يتسم بالاستمرار في السلوك المعادي للمجتمع وضعف التعاطف والندم والسمات الجريئة وغير المقيدة والأنانية.

المصدر:

https://www.smithsonianmag.com/science-nature/how-humans-became-moral-beings-80976434/