هناك لحظات في الحياة لا يمكن ان تعود بعدها الأمور كما كانت قبلها ، لحظات مصيرية فاصلة ، لحظات تكون عادة مؤلمة جدا ، تشبه الجرح العميق الذي يغوص في لحمك و يشطره الى نصفين ، و كذلك هي هذه اللحظات ، تشطر الحياة الى نصفين ، ما قبل اللحظة / الجرح،  و ما بعد اللحظة / الجرح ، لحظة تغرقك في الألم ، و في أتون الألم تتم مراجعة كل شيء : الافكار المواقف الأشخاص العلاقات ... كل شيء ... ينطبق هذا على الاوضاع العامة ، كما ينطبق على الظروف الخاصة. 


و كل محاولة لمعالجة المشاكل ، او التعامل مع الظروف ، بدون فهم هذه الولادة الجديدة ، ستكون محاولات فاشلة بامتياز ، و تخريبية بامتياز ، فاشلة لانها لم تستطيع التقاط التغيير الهائل الذي حدث.  و فاشلة لانها لن تستطيع اعادة عقارب الساعة الى الخلف ، و فاشلة و تخريبية لأنها ستعقد الامور أكثر و اكثر ... 


من قال ان الجرح بعد ان غاص عميقا في اللحم يمكن ان يلتئم تماما ؟ 

سيظل ندبة قبيحة ، ستظل ذكراه محفورة في عمق النفس .


الحياة تسير ضمن متغيرات لا تتوقف و لا تهدأ ، الغالبية تظل سائرة في السرب ، ملتصقة بالحائط ،  متمترسة خلف ركام الثقافة الدارجة ... وحده سيعاني من يحيد ولو قليلا عن المسار المرسوم بدقة للإنسان ، المسار الذي يجب ان نمشي فيه من الموت الى الولادة ، مهما كان شائكا و قاسيا و مؤلما و ظالما ، يجب ان تظل تسير و تسير حتى تقع في الحفرة ميتا ... و بين الفينة و الأخرى يتعب البعض ، يقفون و يراجعون انفسهم ، يحاولون التغيير بهدوء ، و لكنهم يواجَهون بعواصف عاتية يشعرون معها ان جذورهم ذاتها تهتز ، يقفون حيارى ، خائفين ، وحيدين ، تضربهم الريح بقسوة ... يتداعى عليهم الجميع ، مُرَغِّبين و مُرَهِّبين ، بحنية أحيانا ،  و بالصراخ معظم الأحيان ، الجميع بلا استثناء ، ايُّ عذاب هذا يا رب ،  أيُّ الم ، أيُّ جرح ؟!! . 


في هذه اللحظة كل شيء يصبح على مائدة التشريح ، عندما تنغرس السكين و تفصل الجرح الى القسمين/ اللحظتين ، تنفتح مع الجرح كل الملفات : الأشخاص ، العلاقات ، الافكار ،المعتقدات ، القيم العادات ... كل شيء يصبح قيد المراجعة ، و يالها من مراجعة مؤلمة يتغير معها الكثير .


بعد هذه اللحظة - الجرح ، اللحظة المؤلمة/ الفاصلة / الكاشفة ... لا يمكن ان تعود الامور / الأشخاص الى ما كانت عليه أبدا .. و تصبح التعاملات و الإجراءات و الحلول القديمة عقيمة بالنسبة للشخص / الحالة/ الحدث ... عقيمة فاشلة و كارثية ...


هل يصبح كل ما كان عتيقا فجاة ؟

هل يصبح كل ما كان خطأ فجأة؟

هل سنعلن كفرنا به كله ؟

هل الحالة الجديدة صحيحة ، او صحيحة كليا بالضرورة ؟


قطعا لا ، و لكن الأكيد ان التغيير تغير جذري و كبير و لا يمكن ان يقارَن بتغيير تفصيلي لحظي بسيط ... إن حياتنا العامة ، و كذلك الخاصة ، حياة يملأ العفن جوانبها و ينخر السوس جذورها،  حياة تأسست على معطيات و ظروف غير طبيعية ، فأثمرت حياة مشوهة على كل المستويات ، و لا بد من التغيير الانقلابي الجذري ، و في ظني أن السنوات السابقة حملت في رحمها هذا التغيير المنشود ، و لا انفصال بين مستويات الحياة ، فهي كل مترابط ، لذا تجد عند اللحظات المفصلية عشرات الآلاف من الضحايا ،  منهم من مات بالرصاص ، و منهم من مات بالجلطة ،و منهم من انهى حياته ، تجد كوارثا على المستويات كافة الخاصة و العامة ، الاقتصادية و السياسية ، صراخ في الميدان،  و صراخ في السوق و البيت ، تتشابك الامور و تتعقد في كل الميادين حتى تتشكل حياة جديدة .


لا الجديد سليم تماما ، و لا القديم شر تماما ، و لكن الأكيد أن الواقع مؤلم تماما ، مشوه تماما ، مليء بالتناقضات و الأخطاء ، لا يرضى عنه عقل سليم و لا ذوق سليم و لا دين قويم .... 


#خواطري_علاء_هلال