ع

مدمن على القراءة مهتم بالتاريخ و الفكر عاشق للروايه و السير مشغول بسؤال النهضة محب لتراثنا و مؤمن بضرورة الانفتاح على الافق الانساني الارحب

مدة القراءة: 3 دقائق

اللحظة / الجرح

هناك لحظات في الحياة لا يمكن ان تعود بعدها الأمور كما كانت قبلها ، لحظات مصيرية فاصلة ، لحظات تكون عادة مؤلمة جدا ، تشبه الجرح العميق الذي يغوص في لحمك و يشطره الى نصفين ، و كذلك هي هذه اللحظات ، تشطر الحياة الى نصفين ، ما قبل اللحظة / الجرح،  و ما بعد اللحظة / الجرح ، لحظة تغرقك في الألم ، و في أتون الألم تتم مراجعة كل شيء : الافكار المواقف الأشخاص العلاقات ... كل شيء ... ينطبق هذا على الاوضاع العامة ، كما ينطبق على الظروف الخاصة. 


و كل محاولة لمعالجة المشاكل ، او التعامل مع الظروف ، بدون فهم هذه الولادة الجديدة ، ستكون محاولات فاشلة بامتياز ، و تخريبية بامتياز ، فاشلة لانها لم تستطيع التقاط التغيير الهائل الذي حدث.  و فاشلة لانها لن تستطيع اعادة عقارب الساعة الى الخلف ، و فاشلة و تخريبية لأنها ستعقد الامور أكثر و اكثر ... 


من قال ان الجرح بعد ان غاص عميقا في اللحم يمكن ان يلتئم تماما ؟ 

سيظل ندبة قبيحة ، ستظل ذكراه محفورة في عمق النفس .


الحياة تسير ضمن متغيرات لا تتوقف و لا تهدأ ، الغالبية تظل سائرة في السرب ، ملتصقة بالحائط ،  متمترسة خلف ركام الثقافة الدارجة ... وحده سيعاني من يحيد ولو قليلا عن المسار المرسوم بدقة للإنسان ، المسار الذي يجب ان نمشي فيه من الموت الى الولادة ، مهما كان شائكا و قاسيا و مؤلما و ظالما ، يجب ان تظل تسير و تسير حتى تقع في الحفرة ميتا ... و بين الفينة و الأخرى يتعب البعض ، يقفون و يراجعون انفسهم ، يحاولون التغيير بهدوء ، و لكنهم يواجَهون بعواصف عاتية يشعرون معها ان جذورهم ذاتها تهتز ، يقفون حيارى ، خائفين ، وحيدين ، تضربهم الريح بقسوة ... يتداعى عليهم الجميع ، مُرَغِّبين و مُرَهِّبين ، بحنية أحيانا ،  و بالصراخ معظم الأحيان ، الجميع بلا استثناء ، ايُّ عذاب هذا يا رب ،  أيُّ الم ، أيُّ جرح ؟!! . 


في هذه اللحظة كل شيء يصبح على مائدة التشريح ، عندما تنغرس السكين و تفصل الجرح الى القسمين/ اللحظتين ، تنفتح مع الجرح كل الملفات : الأشخاص ، العلاقات ، الافكار ،المعتقدات ، القيم العادات ... كل شيء يصبح قيد المراجعة ، و يالها من مراجعة مؤلمة يتغير معها الكثير .


بعد هذه اللحظة - الجرح ، اللحظة المؤلمة/ الفاصلة / الكاشفة ... لا يمكن ان تعود الامور / الأشخاص الى ما كانت عليه أبدا .. و تصبح التعاملات و الإجراءات و الحلول القديمة عقيمة بالنسبة للشخص / الحالة/ الحدث ... عقيمة فاشلة و كارثية ...


هل يصبح كل ما كان عتيقا فجاة ؟

هل يصبح كل ما كان خطأ فجأة؟

هل سنعلن كفرنا به كله ؟

هل الحالة الجديدة صحيحة ، او صحيحة كليا بالضرورة ؟


قطعا لا ، و لكن الأكيد ان التغيير تغير جذري و كبير و لا يمكن ان يقارَن بتغيير تفصيلي لحظي بسيط ... إن حياتنا العامة ، و كذلك الخاصة ، حياة يملأ العفن جوانبها و ينخر السوس جذورها،  حياة تأسست على معطيات و ظروف غير طبيعية ، فأثمرت حياة مشوهة على كل المستويات ، و لا بد من التغيير الانقلابي الجذري ، و في ظني أن السنوات السابقة حملت في رحمها هذا التغيير المنشود ، و لا انفصال بين مستويات الحياة ، فهي كل مترابط ، لذا تجد عند اللحظات المفصلية عشرات الآلاف من الضحايا ،  منهم من مات بالرصاص ، و منهم من مات بالجلطة ،و منهم من انهى حياته ، تجد كوارثا على المستويات كافة الخاصة و العامة ، الاقتصادية و السياسية ، صراخ في الميدان،  و صراخ في السوق و البيت ، تتشابك الامور و تتعقد في كل الميادين حتى تتشكل حياة جديدة .


لا الجديد سليم تماما ، و لا القديم شر تماما ، و لكن الأكيد أن الواقع مؤلم تماما ، مشوه تماما ، مليء بالتناقضات و الأخطاء ، لا يرضى عنه عقل سليم و لا ذوق سليم و لا دين قويم .... 


#خواطري_علاء_هلال

ع

علاء حسام هلال

مدمن على القراءة مهتم بالتاريخ و الفكر عاشق للروايه و السير مشغول بسؤال النهضة محب لتراثنا و مؤمن بضرورة الانفتاح على الافق الانساني الارحب

أهلاً بكم في مدونتي! أنا كاتب شغوف أشارككم أفكاري وتجربتي في الحياة من خلال تدوينات أسبوعية. أستكشف فيها التوازن بين القيم والمغريات التي نواجهها يومياً، وكيف يمكننا أن نعيش حياة مليئة بالمعنى والعمق. انضموا إلي في هذه الرحلة الأدبية!

انضم الى اكتب

منصة تدوين عربية تعتد مبدأ البساطة في التصميم و التدوين

التعليقات